قضايا وآراء

سبب تضارب بيانات الإخوان حول حزب الله!!

عصام تليمة
البيان السوري لم يكن له أن يتخذ سوى هذا الموقف، حيث إن بين الحزب والسوريين والثورة السورية دماء سالت، دفعت بحماس للخروج من سوريا.. الأناضول
البيان السوري لم يكن له أن يتخذ سوى هذا الموقف، حيث إن بين الحزب والسوريين والثورة السورية دماء سالت، دفعت بحماس للخروج من سوريا.. الأناضول
من يتابع البيانات الصادرة عن جماعة الإخوان المسلمين، فيما يتعلق بوفاة الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله، وعدد من قيادات الحزب وأعضائه، سيلاحظ تضاربا واختلافا شديدا بين البيانات الصادرة عن الجماعة في مصر، والصادرة عنها في سوريا، فبعد وفاة نصر الله، صدر بيان عن إخوان مصر يعزي لبنان والحزب في وفاة أمينه العام، بينما صدر بيان آخر عن إخوان سوريا، لا يعزي فقط، بل يلعن في الحزب وقياداته، ويعتبر وفاتهم قصاصا عادلا من الله على ما قاموا به في سوريا.

هذا التضارب والاختلاف يلحظه كل راصد لبيانات الإخوان، فالاختلاف على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن نصر الله ووفاته، عزاء أو شماتة، ملحوظ بسبب أن معظم المختلفين لا تجمعهم روابط تنظيمية، تجعل الموقف موحدا في مثل هذه المناسبات، وهو مفهوم، لكن بالنسبة للإخوان، فقد كان موضع تساؤل وحيرة من بعض الراصدين والباحثين، ومن هؤلاء: الأستاذ جمال سلطان، والذي كتب يعبر عن هذه الشريحة المتسائلة: إذ كيف جماعة بها أدبيات ومواثيق تجعل من الموقف موحدا، سواء صدر عن مصر أو سوريا، فمن أين أتى هذا الاختلاف؟ وكيف؟!

المتأمل لجماعة الإخوان ومسيرتها منذ تأسيسها، ثم توسعها خارج مصر إلى بلدان أخرى، ذات طبيعة مختلفة جغرافيا وثقافيا وفكريا عن مصر، سيدرك سر الخلاف، ليس في هذا الموقف وحده، بل في مواقف أخرى مختلفة ومتعددة، سواء على مستوى الأشخاص، أو المواقف، أو الحركات والجماعات الفكرية والسياسية.
المتأمل لجماعة الإخوان ومسيرتها منذ تأسيسها، ثم توسعها خارج مصر إلى بلدان أخرى، ذات طبيعة مختلفة جغرافيا وثقافيا وفكريا عن مصر، سيدرك سر الخلاف، ليس في هذا الموقف وحده، بل في مواقف أخرى مختلفة ومتعددة، سواء على مستوى الأشخاص، أو المواقف، أو الحركات والجماعات الفكرية والسياسية.

فقد أسس حسن البنا الإخوان، ولم يتخذ لها مذهبا فقهيا، بحيث تتبعه وتقلده، بل ترك لكل من يعتنق مذهبا فقهيا الحرية في ذلك، وعند حديثه في الاعتقاد كذلك، فلم يغرق في الخلافات الكلامية بين الأشاعرة والسلفيين، وكانت عبارته في الخلاف الأشهر في القضية الكبرى: الأسماء والصفات، بين من يؤول الآيات والأحاديث المتشابهة، وبين من يفوضها، فقال كلمته المحفوظة: ومنهج السلف أسلم، ومنهج الخلف أحكم. لتدل هذه العبارة على منهج الإخوان، من خلال مواقف مؤسسها.

هذه مقدمة عامة مهمة، لمن يريد أن يفهم سر الاختلاف بين أقطار الإخوان المختلفة، في قضايا فقهية وفكرية مختلفة، فمثلا الصوفية والموقف منها، اختلف من قطر لآخر، ففي سوريا وجدنا مراقبا عاما للإخوان وهو الشيخ سعيد حوى، كتب عدة كتب في هذا المجال، بل شرح نصوصا معتمدة في الصوفية، كحكم ابن عطاء الله، وإحياء علوم الدين، وذلك في كتابيه الشهيرين: (المستخلص في تزكية الأنفس) و(مذكرات في منازل الربانيين والصديقين)، بينما في بلد كالكويت والسعودية اتخذوا موقفا آخر يختلف تماما عن السوريين والمصريين.

في هذا الإطار يمكن فهم قضية الموقف من حزب الله، حيث إنه حزب شيعي، ويفهم الموقف منه، فالبيان السوري لم يكن له أن يتخذ سوى هذا الموقف، حيث إن بين الحزب والسوريين والثورة السورية دماء سالت، دفعت بحماس للخروج من سوريا، وكذلك لتصريح الرئيس محمد مرسي بأنه لا مكان لحزب الله في سوريا، ولم يكن يملك التنظيم السوري أن يقول عند وفاة نصر الله غير ما قال، من حيث طبيعة الموقف السوري بوجه عام، ومن حيث اللحمة السورية السياسية والفكرية الموحدة حول هذا الموقف.

أما المصريون، فطبيعتهم مختلفة، وهو ما يعتبره البعض نقطة ضعف فيهم، بأن لديهم سذاجة سياسية في الملف الشيعي، وهو كلام غير صحيح تماما، فالشيخ القرضاوي وهو مصري موقفه مختلف، وهو ما يقال عن آخرين في موقفهم، لكن المصريين بطبيعتهم لا يقفون كثيرا عند العداء، وبخاصة في ظل لحظات يفتح فيه باب للدعوة، أو مصلحة سياسية للأمة، أو لشريحة كبيرة منها، ولو كانت على يد خصوم سابقين لهم سفكوا دماء الإخوان وعذبوهم.

وهو ما رأيناه في مواقف مختلفة في مسيرتهم في مصر، فعندما مات جمال عبد الناصر، وبلغ الخبر الأستاذ عمر التلمساني، قال لمن أبلغه الخبر: الله يرحمه، فقام الآخر بلعنه. وعندما جاء السادات للحكم ولاحت لهم فرصة العودة للعمل العام وخدمة الدعوة الإسلامية، نسوا ما كان من السادات، فقد كان أحد القضاة العسكريين الذين حكموا عليهم بالسجن والشنق، في محاكمات سنة 1954م، وقد دار خلاف كبير بين الإخوان بعد خروجهم من معتقلات عبد الناصر، هل يطلبون تعويضا ماليا عما تعرضوا له من ظلم؟!

اتخذ الإخوان المصريون قرارين بعد خروجهم من المعتقلات، ربما يفسر ما يستغربه البعض من سلوكهم، أما قرارهم الأول: فترك الحرية لمن أراد أن يطلب تعويضا عن سجنه، ومال الأكثرية إلى رفض ذلك، متخذين من قول لابن القيم بأن المحنة لا يطلب الإنسان تعويضا عليها، بل يترك الأجر لله وحده.

والقرار الثاني: عدم فضح من كانوا عيونا للأمن من الإخوان وغيرهم سواء في السجون وخارجها، والستر عليهم، والغريب أن هذين القرارين لم يكونا مكتوبين، بل شفهيا فقط، والقرار الأخير لم يكن بنقاش، بل تواطؤوا عليه دون اتفاق، بل بمجرد الخروج قرروا طي الصفحة تماما، رغم معرفتهم بهؤلاء الجواسيس واحدا واحدا، وكانوا أحيانا يلمحون لبعضهم، وبعضهم أصبح وزيرا في عهد مبارك، وعهود أخرى!!

هذه طبيعة المصريين بوجه عام، والإخوان جزء منهم، فهم نظروا لجلال الموت، ولوفاة نصر الله على يد عدو الأمة، وعند الموت يذكر الإخوان ما لدى الشخص من إيجابيات، هذا شأن إخوان مصر، النابع من طبيعة غالبية المصريين، وهو ما رأيناه في مواقف كثيرة، في موقف تنحي عبد الناصر، ولم يكن تمثيلية مائة في المائة، بل هناك فئة كبيرة بالفعل من الشعب خرجت ترفض التنحي، رغم ترتيب الأجهزة لذلك، وكذلك عند وفاة عبد الناصر وحزن الشعب عليه، رغم ما جره عليهم من مآسي.

ولا نذهب بعيدا، فمبارك نفسه، ورغم موقعة الجمل، والاعتداءات المتكررة على المتظاهرين في ميدان التحرير في ثورة يناير، عندما خرج بخطاب عاطفي، وقال: إنني أريد أن أعيش على أرض هذا الوطن، وأموت وأدفن في ترابه. هذه الجملة كان لها أثرها على الناس، وهو ما يدركه كتاب السلطة في كتابة خطابات الحكام، وممارسة دغدغة العواطف معهم.

إضافة لما ذكرت من أمر عاطفي، هناك أمر آخر دعوي، وهو أن الإخوان المصريين، في مجمل تربيتهم تربوا على عالمية الدعوة بالفعل، فهم لا ينظرون لقضايا الأمة من خلال قضيته فقط، بل كثيرا ما نجدهم يعذرون إخوانا في أقطار أخرى، مصلحة هذا القطر ضد مصلحتهم في مصر، فيعذرونه، ولا يلومون أو يجرحون. وهو ما حدث مع السوريين أنفسهم، في مواقفهم مع السعودية، رغم أن الانقلاب على إخوان مصر كان بدعم سعودي واضح. وكذلك إخوان اليمن، لم يلمهم المصريون على علاقتهم بالسعودية.

أسس حسن البنا الإخوان، ولم يتخذ لها مذهبا فقهيا، بحيث تتبعه وتقلده، بل ترك لكل من يعتنق مذهبا فقهيا الحرية في ذلك، وعند حديثه في الاعتقاد كذلك، فلم يغرق في الخلافات الكلامية بين الأشاعرة والسلفيين، وكانت عبارته في الخلاف الأشهر في القضية الكبرى: الأسماء والصفات، بين من يؤول الآيات والأحاديث المتشابهة، وبين من يفوضها، فقال كلمته المحفوظة: ومنهج السلف أسلم، ومنهج الخلف أحكم. لتدل هذه العبارة على منهج الإخوان، من خلال مواقف مؤسسها.
وإخوان فلسطين، لن تجد أحدا يشتمهم أو يزايد عليهم من المصريين، لعلاقتهم بالسيسي، لأنهم يعلمون أنه لا حل لديهم سوى بعلاقة مع النظام المصري أيا ما كان من يجلس على كرسي حكمه، فالمعبر الوحيد المتاح هو معبر رفح، وبالرغم من أن أكثر من تضرروا من طوفان الأقصى وتبعاته بعد الفلسطينيين، هم المصريون، لأن هذا النظام كان قبل الطوفان في أزمات كبرى، وكاد دوره يهمش تماما، فجاء الطوفان وأعاده للواجهة، ونال مساعدات وقروضا لم يكن يحلم بها، ومع ذلك لم يعلن المصريون أن الضرر جاءهم من هذا الموقف، لأنهم يقدرون ظروف أصحابه، وأن قضية فلسطين قضية أكبر من أن تحصر في موقف أو سياسة تضر بالجماعة في مصر أو غيرها.

فالنظرة إلى إخوان مصر، بالمسمى المشهور: الجماعة الأم، يجعلها تفكر بهذه الطريقة، سواء اتفقت معها أم اختلفت، فهي تراعي في مواقفها هذه الأبعاد، التي ربما يضيق بها قطر من أقطار الجماعة، لأن الموقف لا يتلاءم تماما مع موقفه ومصلحته، فهو يراعي في مثل هذا الموقف: المقاومة في فلسطين، وأهل لبنان، ومحور المقاومة بوجه عام، مع عدم تورطه في تأييد الأخطاء أو الخطايا التي تقوم بها هذه الجهة.

وهذا الموقف نفسه، اتخذه دعاة ومؤثرون يحسوبون على تيارات تعادي حزب الله، ولها موقف واضح وشديد من الشيعة، ولكنهم في هذه الحالة تعاطفوا مع الحالة اللبنانية، للزوايا التي ذكرت بعضها هنا، ولأنهم نظروا لمآلات العدوان الصهيوني على لبنان والحزب، وطالهم هجوم وشتائم من الرافضين لموقفهم.

لست هنا في مقام الدفاع عن الإخوان، بل أردت الإجابة عن تساؤل طرح، ويطرح، وسيظل يطرح في مثل هذه المواقف وما أكثرها، لكنه يفسر سر الاختلاف بينها، خاصة أنه لا يتعلق بثوابت يقينية، بل يتعلق بمتغيرات، وسياسات، ولغة خطاب، تتسع أو تضيق حسب الموقف وظروفه، ويقبل الأخذ والرد.

[email protected]
التعليقات (0)

خبر عاجل