ليست
الروابط المحتملة بين تايوان وإسرائيل في الهجوم الإرهابي
الإسرائيلي على لبنان الذي
تم فيه تفجير أجهزة اتصال مفخخة مما أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف من الناس الأسبوع الماضي؛ سوى أحدث حلقة في
تاريخ طويل من
العلاقات العسكرية والتعاون بين المستعمرتين-الاستيطانيتين. وحتى لو
تبين أن تايوان لم تكن متورطة في هذا الهجوم، فإن تعاونها العسكري مع إسرائيل يعود
إلى نصف قرن على الأقل. في الواقع، في سبعينيات القرن العشرين، عندما أُطلق على إسرائيل
وجنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري وتايوان لقب "الدول المنبوذة"، كان تحالفهم
وتعاونهم في تجارة الأسلحة محورا رئيسا لصداقتهم.
وقد
تعززت العلاقات الإسرائيلية-التايوانية بشكل كبير بعد أن شنت إسرائيل حرب إبادة جماعية
ضد الشعب الفلسطيني في غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فقد سارعت تايوان إلى إدانة
عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وتبرعت بأكثر من نصف مليون
دولار أمريكي لتمويل الخدمات المقدمة للجنود الإسرائيليين وعائلاتهم. ولم تغير الإبادة
الجماعية اللاحقة موقف تايوان، كما عبر عنه وزير خارجيتها "جوزيف وو" في
اجتماع عقد في آذار/ مارس مع أكاديميين إسرائيليين في تايبيه: "نحن ندين الهجوم
الإرهابي لحماس ونقف متضامنين مع إسرائيل. موقفنا لم يتغير". وقد كانت وزارة الخارجية
التايوانية هي من رتّب الزيارة.
وقد
تحركت تايوان بسرعة لإدانة إيران بعد رد الأخيرة في 13 نيسان/ أبريل على هجمات
إسرائيل على قنصليتها في دمشق. ففي 15 نيسان/ أبريل، التقت الرئيسة التايوانية تساي
إنغ ون بوفد من أعضاء الكنيست الإسرائيلي بقيادة بواز توبوروفسكي، رئيس مجموعة الصداقة
البرلمانية الإسرائيلية التايوانية، وأعربت عن تضامن بلادها مع إسرائيل. وخلال الاجتماع،
نقلت تساي تعازيها الحارة وتضامنها مع الوفد. وأكد توبوروفسكي أن "ما قدمته
تايوان لإسرائيل من دعم خلال هذه الفترة الرهيبة ستظل تتذكره إسرائيل دائما".
لطالما كانت للعلاقات بين تايوان وإسرائيل مميزة، وهي لم تقتصر فقط على التحالف الإمبريالي المناهض للشيوعية أثناء الحرب الباردة فحسب، بل قامت بشكل خاص أيضا نتيجة عزلتهما الدبلوماسية والسياسية في معظم أنحاء العالم
لطالما
كانت للعلاقات بين تايوان وإسرائيل مميزة، وهي لم تقتصر فقط على التحالف الإمبريالي
المناهض للشيوعية أثناء الحرب الباردة فحسب، بل قامت بشكل خاص أيضا نتيجة عزلتهما الدبلوماسية
والسياسية في معظم أنحاء العالم. وقد كان ماو تسي تونغ هو مَن أدرك طبيعة النظامين
في عام 1965. في مناسبة استقباله لوفد من منظمة التحرير الفلسطينية، أعلن ماو أن "الإمبريالية
تخشى
الصين والعرب. إن إسرائيل وتايوان تشكلان قاعدتين للإمبريالية في آسيا. أنتم بوابة
القارة العظيمة، ونحن ظهيرها. لقد خلقوا إسرائيل من أجلكم، وفورموزا من أجلنا وهدفهم
واحد".
أصبحت
جزيرة تايوان، التي أطلق عليها البرتغاليون اسم فورموزا في القرن السادس عشر، مهمة
بعد عام 1947 وخاصة بعد عام 1949. ومع انتصار الثورة الصينية وهزيمة نظام حزب الكوومينتانغ
القومي بقيادة تشيانغ كاي تشيك، انتقلت قيادة الكوومينتانغ وأكثر من مليون ونصف من
أتباعها إلى تايوان التي كان عدد سكانها في تلك الفترة يتجاوز ستة ملايين نسمة، واستولوا
عليها وأعلنوا الأحكام العرفية فيها على مدى العقود الثلاثة التالية، واستمروا في حكم
الجزيرة كإقطاعية خاصة بهم حتى عام 2000. وأطلق الكوومينتانغ اسم "جمهورية الصين"
على تايوان، باعتبارها المنطقة الوحيدة التي كان يسيطر عليها الحزب بعد أن أُعلنت الصين
بأكملها "جمهورية شعبية" في تشرين الأول/ أكتوبر 1949.
وقد
كان نظام الكوومينتانغ صديقا للصهيونية منذ الحرب العالمية الأولى حيث دعم وعد بلفور،
وبينما امتنع النظام عن التصويت على قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة عام
1947، اعترف نظام الكوومينتانغ رسميا بإسرائيل في آذار/ مارس 1949، قبل بضعة أشهر من
الإطاحة به. كما صوت لصالح عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، بل وسمح لإسرائيل بإنشاء
قنصلية لها في مدينة شنغهاي.
وبسبب
هيمنة الولايات المتحدة وسيطرتها الإمبريالية في فترة الحرب الباردة، أصرت القوى الغربية
على أن تظل تايوان القيادة الشرعية الوحيدة المعترف بها للصين بأكملها، وبالتالي يجب
أن تستمر في الاحتفاظ بمقعد الأمم المتحدة الذي احتلته الصين منذ عام 1945، بما في
ذلك في مجلس الأمن، حيث كانت الصين القوة غير الأوروبية الوحيدة التي كانت تتمتع بحق
النقض. وبمساعدة "اللوبي الصيني" المتمركز في الولايات المتحدة، احتفظ مستوطنو
الكوومينتانغ غير المنتخبين في تايوان بمقعد الأمم المتحدة حتى عام 1971، عشية تطبيع
الولايات المتحدة للعلاقات مع جمهورية الصين الشعبية في عام 1972. والواقع أنه منذ
عام 1965 وحتى عام 1971، كانت الولايات المتحدة وإسرائيل بمعيتها قد صوتتا باستمرار
ضد اقتراح طرد تايوان واستبدالها بجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة. وقد اعترفت
الولايات المتحدة أخيرا بجمهورية الصين الشعبية في عام 1979.
وكان
صهر تشيانغ كاي تشيك، رجل الأعمال الثري تي. في. سونغ، هو الممول الرئيس للوبي الصيني.
وقد تأسس اللوبي في عام 1952 على يد الناشط الأمريكي المناهض للشيوعية مارفن ليبمان
الذي أسس منظمة "مساعدة المثقفين الصينيين اللاجئين" التي عرفت باختصار
بمؤسسة "آكري"، والتي أصبحت حجر الأساس بالنسبة له لإطلاق حملات لدعم النظام
الاستيطاني- الاستعماري في تايوان. كان ليبمان، الذي كان يهوديا (اعتنق الكاثوليكية
وتعمّد في عام 1978 في سن 55)، من المتعصبين الصهاينة اليمينيين الذين عملوا مع الجماعة
الإرهابية الصهيونية إرغون تسفاي لئومي، التي ارتكبت مذبحة دير ياسين في نيسان/ أبريل
1948، والتي قتل فيها مئات الفلسطينيين.
في الواقع، حتى عام 1969، كان ليبمان، الذي أصبح محاربا دوليا في الحرب
الباردة ومناهضا للشيوعية (كان قد أسس أيضا في عام 1966 مجموعة الضغط "أصدقاء
استقلال روديسيا" وهي إحدى جماعات الضغط الرئيسة لدعم نظام إيان سميث الاستعماري-الاستيطاني
العنصري في روديسيا)، قد شغل منصب سكرتير "لجنة المليون ضد قبول الصين الحمراء
في الأمم المتحدة" التي أسسها في عام 1953. وقد حشد ليبمان
دعم عضو الكونغرس الجمهوري والتر جض، الذي كان مبشرا بروتستانتيا في الصين في ثلاثينيات
القرن العشرين، لدعم نظام ما يسمى بـ"جمهورية الصين". وكما كان المسيحيون
الإنجيليون التبشيريون دوما أكبر مؤيدي الصهيونية في الغرب، فقد كانوا أيضا من أشد
المؤيدين لنظام تايوان، وخاصة بعد أن اعتنق تشيانغ كاي تشيك البروتستانتية في عام
1927. وقد تم تمويل منظمة "آكري" الداعمة لتايوان والمعادية لجمهورية
الصين الشعبية من قِبَل مؤسسة فورد، ومؤسسة روكفلر، وفي وقت لاحق من قِبَل وزارة الخارجية
ووكالة الاستخبارات المركزية.
ولقد
رأت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، والتي اكتسبت قوة هائلة منذ سبعينيات القرن العشرين،
بصفتها "اللوبي الإسرائيلي"، في اللوبي الصيني سابقة ممتازة ونموذجا يحتذى
به. وعلى الرغم من أن نظام تايوان كان صديقا مقربا لجميع الأنظمة العربية المحافظة
المناهضة للشيوعية، وخاصة المملكة العربية السعودية والأردن، فقد نقلت إسرائيل في عام
1975 تكنولوجيا الصواريخ الأمريكية إلى تايوان سرا، وبدأت في بيع صواريخ إسرائيلية
لتايوان بما يصل إلى نصف مليار دولار. والواقع أن وزارة الدفاع الإسرائيلية أنشأت محطة
دائمة في العاصمة التايوانية، تايبيه، لتسهيل التعاون العسكري. وشمل التعاون، بما
في ذلك تجارة الأسلحة، المدافع وقذائف الهاون والقوارب الصاروخية والبنادق والمدافع
الرشاشة. كما وردت تقارير صحفية عن أن إسرائيل نقلت إلى تايوان تكنولوجيا الحرب النووية
والكيميائية، بالإضافة إلى التدريب الاستخباراتي. وقد تم تعزيز هذه التجارة بين
المستعمرتين-الاستيطانيتين بناء على طلب الولايات المتحدة، التي تعمل إسرائيل كوكيل
لها.
على الرغم من الإنكار الرسمي، فإن حقيقة أن الولايات المتحدة يبدو أنها أُبلغت مسبقا بالعملية الإرهابية الإسرائيلية بتفجير أجهزة النداء في لبنان ليست مفاجئة على الإطلاق، ولن يكون مفاجئا أيضا إذا ثبت تورط تايوان في تلك العملية الوحشية، على الرغم من نفيها الرسمي المستمر لتورطها
استمرت
عمليات نقل الأسلحة من إسرائيل إلى تايوان حتى عام 1992 على الأقل، عندما أقامت جمهورية
الصين الشعبية أخيرا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وفي نفس العام، أنشأت إسرائيل مكاتب
اتصال ثقافية وتجارية في تايبيه، مما أدى إلى زيادة العلاقات التجارية غير العسكرية.
وفي حين استمر التعاون في صناعة الأسلحة بين البلدين، كان استئجار تايوان لنظام أقمار
صناعية إسرائيلية للتجسس (المعروف باسم "نظام المراقبة عن بعد للأرض- أ")
في عام 2001 هو الذي ساعد في توسيع نطاق تجسس تايوان ومراقبتها للصين. وقد بلغت التجارة
الإسرائيلية التايوانية في عام 2022 وحده أكثر من 2.67 مليار دولار.
تقع
إسرائيل وتايوان في الخطوط الأمامية ضد الأعداء المعلنين للولايات المتحدة -المقاومة
العربية للإمبريالية الأمريكية والاستعمار الاستيطاني الصهيوني، والصين– وكلا
المستوطنتين مُكلّفتان بمهمة زعزعة استقرار منطقتيهما وإشعال حروب إقليمية محتملة لإضعاف خصوم
الولايات المتحدة. إن حقيقة أن الأساطيل البحرية الأمريكية وترساناتها تتنقل بين الدولتين
المنبوذتين على مدى العام الماضي ليس سوى قمة جبل الجليد المرئية للمخططات الأمريكية
المستمرة لتهديد خصومها.
وفي
هذا السياق، يمكن مقارنة كل من إسرائيل وتايوان بأوكرانيا، التي سعت الولايات المتحدة
إلى تحويلها إلى قاعدة لحلف شمال الأطلسي ضد روسيا -التي تنظر إليها واشنطن باعتبارها
تحديا هائلا لهيمنتها الإمبريالية- على حساب مئات الآلاف من أرواح الأوكرانيين. وعلى
الرغم من الإنكار الرسمي، فإن حقيقة أن الولايات المتحدة يبدو أنها أُبلغت مسبقا بالعملية
الإرهابية الإسرائيلية بتفجير أجهزة النداء في لبنان ليست مفاجئة على الإطلاق، ولن
يكون مفاجئا أيضا إذا ثبت تورط تايوان في تلك العملية الوحشية، على الرغم من نفيها
الرسمي المستمر لتورطها.