كتب

جامعة الدول العربية وحركات التحرر في المغرب العربي.. قراءة في كتاب (1 من2)

الكتاب هو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في التاريخ وصدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة عام 2021.
الكتاب هو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في التاريخ وصدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة عام 2021.
يتناول كتاب "جامعة الدول العربية وحركات التحرر في المغرب العربي 1952- 1962- (الجزائر أنموذجاً)" لمؤلفه رشيد ولد بوسيافة، دور جامعة الدول العربية في دعم حركات التحرر من الاستعمار في المغرب العربي، ويركز بشكل خاص على الجزائر.

الكتاب هو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في التاريخ، وصدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة عام 2021.

يستند المؤلف بوسيافة في كتابه إلى وثائق جامعة الدول العربية من التقارير الدورية لأمانتها العامة، إلى باقي وثائق الجامعة، من قرارات، ولوائح، ومناشير، ورسائل، وبيانات، ومضابط جلسات.

يشتمل الكتاب على أربعة فصول. الفصل الأول، المعنون بـ"العمل العربي والمغاربي المشترك: النشأة والتطور"، يخصصه المؤلف للحديث عن ظروف تأسيس جامعة الدول العربية ونصوصها الأساسية، وعلى مكتب المغرب العربي الذي أُسس في عام 1947، وهو كان له دور بارز في دعم حركات التحرر في المغرب العربي.

يكشف الباحث أن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية والعمل العربي المشترك كانت بريطانية في الأساس، عندما دعا وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن أنذاك، إلى إقامة كيان يوحّد العرب، ويعزّز الروابط الاقتصادية والثقافية بينهم، إذ لم يكن للعرب كيان موحّد يتحدث باسمهم ويدافع عن مصالحهم إلا بعد عام 1945، حيث كان قبل ذلك نصف الأقطار العربية يرزح تحت الاستعمار، ونصفها الآخر عبارة عن دول فتية ضعيفة عسكريا واقتصاديا. لكن تداعيات الحرب العالمية الثانية، أثمرت في نمو التحركات القومية والوطنية ونشاط المقاومة ضد الوجود الاستعماري، وهو ما أسفر عن نيل عدد من الدول العربية استقلالها. هنا، برزت الحاجة إلى الوحدة بين الأقطار العربية وإيجاد نوع من التوازن بين القوى الأساسية فيها، فضلا عن الحاجة إلى التبادل التجاري وانتقال الأشخاص، وخاصة بين دول المشرق العربي، ما وفر الأساس المادي للوحدة، بينما كان الأساس الروحي والثقافي والتاريخي متوافرا.

يكشف الباحث أن فكرة إنشاء جامعة الدول العربية والعمل العربي المشترك كانت بريطانية في الأساس، عندما دعا وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن أنذاك، إلى إقامة كيان يوحّد العرب، ويعزّز الروابط الاقتصادية والثقافية بينهم.
يربط أغلب الدارسين إنشاء جامعة الدول العربية بالخطاب التاريخي لوزير الخارجية البريطاني أنتوني أيدن في 29 أيار/مايو 1941، الذي قال فيه؛ "إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة، منذ التسوية، التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية (يقصد الأولى). ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة، أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون إلى نيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب، من جانب أصدقائنا. ويبدو أنه من الطبيعي، ومن الحق، تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضا... وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة".

يرى بوسيافة أن هذا التصريح كان حافزا للدول العربية المستقلة أنذاك، كي تتحرك في اتجاه تحقيق الوحدة، مستفيدة من الدعم البريطاني الذي أكده أيدن مجددا بعد عامين. بل إن البريطانيين فرضوا على ملك مصر فاروق الأول حكومة لحزب الوفد في 4 شباط/فبراير 1942 برئاسة مصطفى نحاس، الذي أضحى عراب الوحدة العربية، إذ قام بوضع تصور أولي لعمل عربي مشترك، حيث دعا كلا من رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري، للتباحث معهما في القاهرة، بشأن فكرة إقامة جامعة عربية لتوثيق العرى بين البلدان العربية.

في الخامس من آب/ أغسطس 1944، وجهّت مصر الدعوة إلى العراق وشرق الأردن والسعودية وسوريا ولبنان واليمن، وهي دول نالت استقلالها، وأسفرت المشاورات بشأن الوحدة عن الإعداد لصيغة لتحقيق الوحدة العربية عرفت ببروتوكول الإسكندرية. في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1944، صادقت على البروتوكول خمس دول، هي العراق وسوريا ولبنان ومصر وشرق الأردن، وتخلفت عن توقيعه السعودية واليمن، اللتان وقعتا عليه بعد أشهر قليلة.

يعد نص هذا البروتوكول الأرضية التي بني عليها ميثاق جامعة الدول العربية، حيث شكلت لجنة لصياغة الميثاق، التي اقترحت ثلاث صيغ للتكتل العربي الجديد: أولاها التحالف العربي، ثانيتها الاتحاد العربي، وثالثتها الجامعة. وقد رجحت اللجنة التحضيرية الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة، بما لا يمس استقلالها وسيادتها، واستقرت على تسمية التكتل بـ"جامعة الدول العربية".

في 22 آذار/ مارس 1945، وقعت الصيغة النهائية لنص ميثاق جامعة الدول العربية من رؤساء حكومات خمس دول عربية هي: لبنان وسورية والعراق وشرق الأردن ومصر. ثم وقعت السعودية في وقت لاحق. وقد تألف الميثاق من 20 مادة، حددت مقاصد الجامعة العربية والأطر الأساسية لنظام عملها. وحدد الميثاق مجالات التعاون بين الدول المشاركة بما يلي:

-الشؤون الاقتصادية والمالية، وضمنها التبادل التجاري والجمارك والعملة، وشؤون الصناعة والزراعة.
ـ شؤون المواصلات، وضمنها سكك الحديد والطرق والنقل الجوي والبحري والبرق والبريد.
ـ شؤون الثقافة.
ـ شؤون الجنسية والجوازات والتأشيرات وتسليم المجرمين.
ـ الشؤون الاجتماعية.
-ـ الشؤون الصحية.

معاهدة الدفاع المشترك

في 13 نيسان/ أبريل 1950، وقعت على معاهدة الدفاع المشترك سبع دول عربية هي: الأردن وسوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن والسعودية. ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 25 آب/ أغسطس 1952. وجاء في مادتها الثانية، أن كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر أو على قواتها، هو اعتداء على جميع الدول العربية الموقعة على المعاهدة.

يرى الباحث بوسيافة، أن هذه المعاهدة كانت خطوة جبارة في مسيرة العمل العربي المشترك، غير أنها لم تفعّل، ولو طبقت على أرض الواقع، لكان لها أثر كبير في حسم كثير من الحوادث العسكرية التي ألمّت بالأمة العربية.

تتشكل الجامعة العربية من ثلاثة فروع رئيسية هي: مجلس الجامعة واللجان الدائمة والأمانة العامة، إضافة إلى أجهزة ومنظمات متخصصة تابعة لها.

موقف الجامعة العربية من الاستعمار

اتّبعت الجامعة العربية منذ تأسيسها خطّا معاديا للاستعمار، وكانت لأول أمين عام للجامعة المناضل ضد الاستعمار الإيطالي في ليبيا، عبد الرحمن عزام باشا، مساهمته في هذا التوجّه. وظهر ذلك جليا في جميع خطبه ونداءاته. ففي نداء موجّه إلى شعوب المغرب العربي، قال عزام باشا: "لقد كانت قضية شمال أفريقيا مجهولة للعالم، ما أعان المستعمرين على استغلالهم وجبروتهم، وقد رأت الجامعة العربية منذ نشأتها أن هذه الحالة خطرة، لا بد لها من نهاية".

كانت تهاجم الجامعة في عدد من المحافل الدولية وفي إعلامها.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، نقل قادة الحركة الوطنية المغاربية نشاطهم من برلين إلى دمشق ثم القاهرة، حيث أسست جبهة الدفاع عن أفريقيا الشمالية، التي ساهمت في توحيد نشاطات الحركة الوطنية المغاربية. وفي عام 1946، قام يوسف الرويسي، بمساعدة من أعضاء من حزب البعث السوري، بإنشاء مكتب المغرب العربي في دمشق، الذي استقطب قادة المغرب العربي. وبعد اختيار القاهرة مقرًا لجامعة الدول العربية، تنادى زعماء الحركة الوطنية في المغرب العربي إلى مؤتمر في نيسان/أبريل 1947، وناقشوا فكرة توحيد الكفاح، واتّخذ قرار العمل على استقلال تونس والجزائر والمغرب، وعدم الاعتراف بالاحتلال الفرنسي لهذه الأقطار.

وانتهى المؤتمر إلى توحيد متطلبات حركات الكفاح في الأقطار الثلاثة في مكتب واحد، هو مكتب المغرب العربي عام 1947، الذي تكوّن من ممثلي أحزاب المغرب العربي التي كانت تطالب بالاستقلال، وهم الحبيب بورقيبة والطيب سليم من تونس، وعلال الفاسي ومحمد بن عبود من المغرب، ومحمد خيضر والشاذلي المكي من الجزائر، وأحمد السويعي وبشير السعداوي وطاهر الزاوي وعمر الغويلي والفيتوري السويحلي من ليبيا.

في 13 نيسان/ أبريل 1950، وقعت على معاهدة الدفاع المشترك سبع دول عربية هي: الأردن وسوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن والسعودية. ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 25 آب/ أغسطس 1952. وجاء في مادتها الثانية، أن كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر أو على قواتها، هو اعتداء على جميع الدول العربية الموقعة على المعاهدة.
واشتمل نظام المكتب على ثلاثة أقسام هي: القسم المغربي، والقسم الجزائري، والقسم التونسي.

ومن بين إنجازات المكتب تحرير المناضل المغربي عبد الكريم الخطابي، الذي كانت فرنسا تنقله إلى المنفى في سفينة عبر قناة السويس، وتم تحريره عبر إقناعه بالتقدم باللجوء السياسي في مصر.

وقد قام المكتب في تموز/ يوليو 1948 بتأسيس لجنة تحرير المغرب العربي، برئاسة الخطابي، وكان له دور في جمع كلمة المغاربة من خلال زعمائهم وممثليهم في آذار/ مارس 1951، حيث جرى اعتماد ميثاق وقعوه جميعا، رفضوا فيه الانخراط في الوحدة الفرنسية، واتفقوا على الأخذ بسياسة المراحل. ويتحدث المؤلف عن انطلاقة قوية لمكتب المغرب العربي، وأفول تدريجي نتيجة خلافات الزعماء.

جيش تحرير المغرب العربي

جرت محاولات عدة لتنسيق الكفاح المسلح في المغرب العربي بجهود خاصة من عبد الكريم الخطابي، الذي أرسل بعثات إلى تونس والجزائر والمغرب من أجل تنظيم كفاح مسلح مشترك بين الحركات الوطنية في هذه الأقطار. امتد هذا الكفاح الموحد من عام 1954 إلى عام 1956، واتسمت بداياته بتنسيق ثلاثي منظم بين قادة حركات المقاومة والتحرير في الأقطار الثلاثة، وقد توّج هذا الكفاح بتأسيس جيش تحرير المغرب العربي، الذي أضحى بداية منذ عام 1955 الإطار الجامع للحركات المسلحة في الدول الثلاث.

ويرى الباحث بوسيافة، أن "فكرة العمل العربي والمغاربي المشترك بدأت ملهمة ووهّاجة، وأن الآباء الأولين الذين أسّسوا الجامعة، ومن بعدها مكتب المغرب العربي، كانوا يحلمون بكيان واحد للأمة العربية، وذلك واضح من خلال الوثائق التأسيسية لجامعة الدول العربية، بدءا ببروتوكول الإسكندرية، مرورا بالنسخة التاريخية لميثاق الجامعة، وصولا إلى باقي الوثائق، خصوصا معاهدة الدفاع المشترك؛ فالعمل الميداني لم يكن في مستوى الشعارات التي رُفعت، والنتائج المحققة كانت أقل كثيرا من الأهداف التي رُسمت في البداية".

الجامعة وقضايا التحرر في ليبيا وتونس والمغرب

"جامعة الدول العربية وقضايا التحرر في ليبيا وتونس والمغرب"، هو عنوان الفصل الثاني من الكتاب، حيث يتناول المؤلف بوسيافة دور جامعة الدول العربية في دعم الدول الثلاث للحصول على استقلالها.

يبدأ الباحث بتناول القضية الليبية التي كانت الأولى المطروحة أمميا بواسطة الجامعة العربية. وحلّت بعدها تونس والمغرب على التتالي، لتأتي في الأخير القضية الجزائرية التي ستصبح القضية المركزية للجامعة، إلى جانب القضية الفلسطينية.

بدأت إيطاليا تتغلل في داخل ليبيا في الفترة بين عامي 1898 و1904، حيث كانت ليبيا تحت الوصاية العثمانية. وفي الأول من أيلول/ سبتمبر 1911، بدأ الغزو الإيطالي لليبيا، فانتظم الليبيون في كفاح مسلح في كل من طرابلس وبرقة، وشكلت القوة العثمانية المتبقية النواة الأولى للمقاومة الليبية.

قام عبد الرحمن عزام باشا بدور كبير في هذه المرحلة من تاريخ ليبيا، حيث اختير ضمن هيئة رباعية تولت إدارة ليبيا عام 1918، اضطرت الحكومة الإيطالية للقبول بهذا الوضع وعقدت صلح بينادم معها، في حزيران/ يونيو 1919.

يخلص الباحث بوسيافة، إلى أن الجامعة العربية أصيبت بخيبة أمل كبيرة بسبب المصير الذي آلت إليه القضية الليبية جرّاء تداخل المصالح الخارجية، ولا سيما النفوذ البريطاني، والاستقلال المنقوص الذي قبل به الليبيون، في ظل نظام الحكم الفدرالي الذي لا يتماشى مع الأفكار القومية الوحدوية التي تدعو إليها الجامعة العربية، إذ ظهرت خيبة الأمل هذه جليّة في تقارير الأمين العام في أثناء تناوله هذه القضية.
في الدورة الثانية عشرة لمجلس الجامعة العربية، المنعقدة في آذار/ مارس 1950، استرعت قضية المستعمرات الإيطالية وضمنها ليبيا، اهتماما كبيرا بعد مناقشة الأمم المتحدة هذه القضية. فكان قد صدر القرار الأممي التاريخي في تشرين الثاني/نوفمبر 1949، الذي أقر بأن طرابلس وفزان وبرقة ستكون دولة ذات سيادة، وأن يكون ذلك قبل كانون الثاني/ يناير 1952، وأن يقوم ممثلو السكان في هذه المناطق بإقرار دستور واختيار جمعية وطنية. كما كلّفت الأمم المتحدة مندوباً ساميا، هو أدريان بلت، يعاونه مجلس. وقام بلت بعد ذلك بدور مهم في استقلال ليبيا، حيث عقد سلسلة من المناقشات مع الناس في جميع أنحاء ليبيا، للاستماع إلى أفكارهم. وقد ساعدت الجامعة العربية بلت بلقاء جماعة السياسيين الليبيين، فناقشهم واستمع إلى آرائهم، ونصحهم في التوافق على اختيار ممثليهم.

أفرد الأمين العام للجامعة العربية تقريرا خاصا بليبيا في الدورة الـ12 للجامعة عام 1950، تحت عنوان "جهود الجامعة العربية في استقلال ليبيا"، عرض فيه اهتمام الجامعة بالقضية الليبية منذ إنشائها. إضافة إلى جهود الجامعة الدبلوماسية في الأمم المتحدة والدول الكبرى، من أجل استقلال ليبيا. كانت الجامعة تبذل جهودا أخرى لجمع الليبيين حول كلمة واحدة، وتهيئة الرأي العام الليبي لاستقبال لجنة التحقيق الدولية برأي موحّد، هو طلب الاستقلال والوحدة.

في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1951، اجتمعت اللجنة التأسيسية، أو لجنة الستين، في طرابلس، واقترحت أن يكون النظام الليبي ملكيا دستوريا اتحاديا ديمقراطيا. واختير أمير برقة إدريس السنوسي ملكا على ليبيا، واعتلى العرش في 24 كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه. وبنيل ليبيا استقلالها، توقفت معاملتها في جامعة الدول العربية كواحدة من قضايا التحرير.

يخلص الباحث بوسيافة، إلى أن الجامعة العربية أصيبت بخيبة أمل كبيرة بسبب المصير الذي آلت إليه القضية الليبية جرّاء تداخل المصالح الخارجية، ولا سيما النفوذ البريطاني، والاستقلال المنقوص الذي قبل به الليبيون، في ظل نظام الحكم الفدرالي الذي لا يتماشى مع الأفكار القومية الوحدوية التي تدعو إليها الجامعة العربية، إذ ظهرت خيبة الأمل هذه جليّة في تقارير الأمين العام في أثناء تناوله هذه القضية.

*باحث وأستاذ جامعي لبناني.
التعليقات (0)