برافو.. الذين خططوا وأشرفوا على إعداد
الانتخابات الرئاسية
التونسية التي
ستجري يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر تمكنوا أخيرا من تذليل كل الاحتمالات التي كانت واردة،
والتي فكرت فيها المعارضة للحيلولة دون نجاح
قيس سعيد.
بدأ وضع اللبنات الأولى لهذا المسار منذ الخامس والعشرين من تموز/ يوليو
2021 عندما أطاح الرئيس بالحكومة والبرلمان، وجمع كل السلطات بيده. تم وضع هدف
أساسي يتمثل في شطب النخبة السياسية التي تصدرت المشهد خلال المرحلة الماضية، وتم
الاشتغال على ذلك طيلة السنوات الثلاث الماضية. وعلى هذا الأساس فُتحت ملفات
الجميع تقريبا، ووضعت قوائم رئيسية وأخرى فرعية، وكلما تقدم الزمن أقدمت السلطة
على انتقاء الأهم والأخطر ليجد نفسه متهما ومورطا في ملف ما ومحالا على القضاء.
كانت البداية العمل عندما قررت السلطة منع حصول تقارب بين مختلف أحزاب
المعارضة ضمن جبهة واحدة تتجاوز الخلافات الأيديولوجية، وتؤجل التناقضات السياسية فيما
بينها إلى مرحلة ما بعد "التخلص" من الرئيس سعيد. وقد حصل ذلك تحت عنوان
"قضية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي"، وهو الملف المثير للجدل
والذي لا تزال السلطة تتحفظ على كشف أوراقه،
حصل ذلك تحت عنوان "قضية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي"، وهو الملف المثير للجدل والذي لا تزال السلطة تتحفظ على كشف أوراقه، رغم تجاوز الآجال القانونية المتعلقة ببقائهم في السجن. كما تم في نفس السياق تحجيم حركة النهضة وشل حركتها
رغم تجاوز الآجال القانونية المتعلقة
ببقائهم في السجن. كما تم في نفس السياق تحجيم حركة النهضة وشل حركتها، بدءا من
اعتقال قادتها، وصولا إلى إغراقهم في عدد من التهم والقضايا الخطيرة التي ستبعدهم
عن الساحة فترة طويلة.
عندما اقترب موعد الانتخابات تم إدخال عدد من التعديلات على القانون
الانتخابي التي من شأنها تقليل من عدد الذين عبّروا عن نيتهم في الترشح والذين
اقتربوا من المائة. رغم ذلك أصر البعض على دخول المنافسة، فتم اللجوء الى استعمال
البطاقة عدد 3 التي تثبت خلو سجل المرشح من الموانع القانونية لممارسة حقه
الانتخابي، والتي لم يتمكن بعضهم من الحصول عليها رغم سهولة الحصول عليها. وبذلك
تم إسقاط من تبقى من الشخصيات الوازنة مثل منذر الزنايدي المدعوم من قبل الطيف
الواسع من الدستوريين، والذي لو بقي في السباق لصوت له عدد واسع من المواطنين بمن
فيهم الإسلاميون، ولأصبح يشكل تهديدا محتملا لقيس سعيد.
ما يثير الانتباه في السياق الراهن أن هيئة مراقبة الانتخابات بتركيبتها
الحالية وبسبب السياسات التي اعتمدتها كادت أن تخلق إجماعا داخل الطبقة السياسية
حول التشكيك في دورها، حيث تم انتقادها من قبل 17 منظمة حقوقية وستة أحزاب؛ اعتبرت
في بيان مشترك أن "مناخ الترهيب والمضايقة للمعارضين والصحافيين باستخدام
القضاء وهيئة الانتخابات لخدمة مصالح السلطات وانعدام تكافؤ الفرص؛ لا يوفر ضمانات
بأن تكون الانتخابات حرة وشفافة ونزيهة".
عند الفرز النهائي، وحتى لا يبقى الرئيس المنتهية ولايته وحيدا، تم السماح
لشخصيتين فقط من مجموع 17 مرشحا، وهما العياشي زمال الذي يقود حاليا حركة "عازمون" وزهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب، وهي حركة قومية ذات توجه ناصري. حاول
الأول أن يعبر عن انتقاده للرئيس سعيد بحذر حرصا على تجنب القطيعة، في حين أن
المرشح الثاني يعتبر من مؤيدي مسار 25 تموز/ يوليو ومدافعا شرسا على أبرز القرارات
السياسية التي أعلن عنها الرئيس سعيد. ورغم أن حركة الشعب عدلت بعض مواقفها من
رئاسة الجمهورية نتيجة خلافات داخلية،
يعتبر المستفيد الوحيد من كل ما يحصل هو الرئيس سعيد. ويعود الفضل في ذلك إلى من خططوا منذ فترة طويلة من أجل تنظيم انتخابات بدون كيانات سياسية وازنة وتكون خالية من الرهانات الفعلية، ويكون الهدف منها التمديد بخمس سنوات للحكم القائم
لكنها بقيت تعتبر نفسها من بين أبرز الأحزاب
السياسية التي تحالفت مع شق من اليسار الراديكالي لتقديم الدعم الضروري للرئيس.
وحتى عندما أعلن المغزاوي عن ترشحه للرئاسة أكد على أن ذلك لا يتعارض مع ما قام به
قيس سعيد!
بناء على هذا المشهد يمكن القول بأن الطريق أصبح مفتوحا بالكامل أمام ولاية
ثانية للرئيس المنتهية ولايته، إذ يستبعد أن تراهن الأوساط السياسية على دعم
المغزاوي نظرا لخلافاتها الواسعة مع حركة الشعب، خاصة قواعد حركة النهضة التي بقيت
متذبذبة بين أكثر من مرشح قبل أن يغلق الباب في وجه الجميع. كما أن عموم القوميين
يصرون على توجيه الاتهام إلى راشد الغنوشي وقيادة النهضة بالوقوف وراء اغتيال محمد
البراهمي وشكري بلعيد، وعندما يكون النزاع بين طرفين حول قضية تتعلق بالدم يصبح من
المستحيل الحديث عن احتمال تغيير المواقف لاعتبارات تكتيكية.
وبالتالي، يعتبر المستفيد الوحيد من كل ما يحصل هو الرئيس سعيد. ويعود
الفضل في ذلك إلى من خططوا منذ فترة طويلة من أجل تنظيم انتخابات بدون كيانات
سياسية وازنة وتكون خالية من الرهانات الفعلية، ويكون الهدف منها التمديد بخمس سنوات
للحكم القائم، وذلك بقطع النظر عن مستقبل الديمقراطية وصراع المصالح.