كتاب عربي 21

مفتٍ لمصر من خارج السياق.. ماذا هناك؟!

سليم عزوز
تم اختيار شوقي علام في عهد الرئيس محمد مرسي
تم اختيار شوقي علام في عهد الرئيس محمد مرسي
كان مفاجأة أن يتم تعيين "مفتٍ" جديد لمصر، ذلك بأن المفتي الحالي شوقي علام، بدا أنه سيظل في موقعه مدى الحياة، وليس سرا أنه مستمر بعد التقاعد من باب المكايدة لشيخ الأزهر، ولهذا تم المد له بعد أن بلغ السن القانوني للإحالة للتقاعد؛ سنة فسنة، لثلاث سنوات، ونهاية المد الثالث اليوم (12 آب/ أغسطس). ولم يكن المعنيون بالموضوع يساورهم الشك بأنه سيتم المد له لسنة رابعة، وربما خامسة، وسادسة!

قبل ثلاث سنوات انتهت المدة القانونية لشوقي علام، ومن ثم اجتمعت هيئة كبار العلماء، ورشحت ثلاث شخصيات ليختار الجنرال واحدة منها، كما تنص التعديلات التي أدخلت على الدستور، وجعلت من دور الهيئات المستقلة أن ترشح ثلاثة لشغل المنصب، بدلا من أن اختيار المفتي كان سلطتها منذ عودة الهيئة بعد ثورة يناير، وهي الهيئة التي حُلت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر!

بيد أن الجنرال، الذي لم تكن علاقته مع شيخ الأزهر على ما يرام، اختار أن يمد لشوقي علام، الذي استقل بموقعه عن مشيخة الأزهر تماما مثل وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، لدرجة أن الأخير استحدث لقبا إعلاميا للأئمة يستخدمونه في الظهور الإعلامي، هو "أحد علماء وزارة الأوقاف"، بدلا من اللقب التاريخي "أحد علماء الأزهر". لكن الوزير تقرر الاستغناء عن خدماته في التعديل الوزاري الأخير، بعد أن مل الناس ومله الناس، وضاقوا ذرعا بسيطرته على إذاعة القرآن الكريم. وهذه الاستجابة للرأي العام لم يعتمدها النظام القائم من قبل في إدارته لشؤون الدولة، فإذا أضفنا إلى هذا أن شيخ الأزهر ليس على وفاق مع جمعة، لوقفنا على أن استمراره -لا الإطاحة به- هو الطبيعي!

نظير عياد.. ونظير جيد:

عندما علمت باختيار نظير عياد مفتيا للديار المصرية، كان ما يشغلني هو موقف شيخ الأزهر منه، وهل جاء المفتي الجديد على قواعد المكايدة، وهل تم استيفاء الشكل الدستوري بترشيح هيئة كبار العلماء له؟!

أحيانا تتحول منصات التواصل الاجتماعي، إلى أداة في يد من يغلب عليهم تسخيف الأشياء، ظنا منهم أنهم بذلك ينتصرون في معارك السياسة، وإذا كانوا يجهلون تاريخ المختار مفتيا للبلاد، فاسمه يكفي لتأدية الغرض، "نظير عياد"، الذي قال البعض إنه يذكره باسم البابا شنودة السابق "نظير جيد"، لا سيما وأنها من المرات القليلة التي يأتي فيها المفتي من خارج الحضور العام، فماذا يقول المعارضون؟!

لقد حدث اختيار مجهول من قبل هو المفتي نصر فريد واصل، وكان من اختيار الشيخ سيد طنطاوي، شيخ الأزهر، وغالبا فإن ترشيح المفتي والموافقة على وزير الأوقاف، من جانب شيخ الأزهر، هو من تقاليد الدولة المصرية، ولم يكن الرجل معمما، ولأن حلف اليمين أمام الرئيس مبارك كان في الصباح الباكر، والإبلاغ كان ليلا، فقد فتح الخياط محله خصيصا ليصنع له القفطان، وليكون جاهزا لهذه المهمة، وهو قادم من محافظته؛ الغربية!

كان الشيخ سيد طنطاوي يبحث عن التناغم، وحتى لا تتكرر أزمته مع شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق، والتي عبر عنها المفتي طنطاوي في تصريحات صحفية غامضة، وإن التزم الشيخ الصمت، لكن كان الناس يدركون أن العلاقة ليست على ما يرام، قال المفتي إنه ضد "التكويش"، ومن قرأ التصريح لم يكن يجهل أنه يقصد الشيخ جاد الحق الذي مكن الأزهر من الإفتاء، وقد فعّل دور لجنة الفتوى في الأزهر لينزع عنه الاختصاص المنفرد بالفتوى العامة، ليكون دوره قاصرا على الإفتاء الرسمي!

وفي مؤتمر ديني، كان وزير الأوقاف محمد علي محجوب يزكي نار الخلاف، فيقول للشيخ وكان جالسا معه على مائدة واحدة، إن طنطاوي يقول كذا وكذا، وإنه يقول إنه ضد "التكويش"، لكن شيخ الأزهر كان بالوقار بمكان حد أنه لم يعلق!

ولم يكن نصر فريد واصل خطيبا، أو متكلما، ولعل صمته هذا كان يفسر على أنه على خلاف مع شيخ الأزهر، الذي مارس الحضور طولا وعرضا، والتكويش، مشيخة وإفتاء، مع أنه لم يكن هناك من ملامح لهذا الخلاف، سوى أنه في العام الأول وإن أخذ المفتي بالحسابات الفلكية في تحديد أوائل الشهور، وهي سياسة المفتي محمد سيد طنطاوي، فقد جمع بين الحسابات الفلكية والرؤية في الأعوام التالية بالمخالفة لسياسة كانت قد استقرت!

كان نصر فريد واصل أبكمَ، لكن فتوى تحريم التدخين لاقت تأييدا سلفيا صنع له هالة من الاستقلال والنزاهة الدينية، ثم إنه لم يتقدم للإفتاء في قضايا خلافية، وترك الأمر لشيخ الأزهر طنطاوي ليدافع عن قانون الخلع، لدرجة أن رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد ياسين سراج الدين، سأل عند مناقشة القانون في البرلمان وبعد استدعاء شيخ الازهر ليقول حكم الدين فيه: ولماذا لم نستمع للمفتي؟!

هذا الصمت، الذي من الواضح أنه يتفق مع شخصية واصل، كان سببا في تقدير الناس له، ولهذا فقد استدعاه الرئيس محمد مرسي للحضور العام، بعد تغييبه الذي كان يفسر أنه قسري، والحقيقة أنه لم يكن حاضرا في أي مرحلة من حياته ليفرضوا عليه التغييب، لكنه عندما حضر، وتمدد، وإن واصل الصمت، فقد انحاز للانقلاب على الرئيس محمد مرسي!

من خارج التخصص:

المفتي الجديد نظير عياد، هو من خارج تخصص الإفتاء، فهو حاصل على الدكتوراة من جامعة الأزهر في العقيدة والفلسفة، وهو ذات تخصص الشيخ أحمد الطيب، وقد بدأ إهدار التخصص من حيث التقاليد، لا القوانين، باختيار الشيخ طنطاوي مفتيا للديار، الذي تخرج في كلية أصول الدين، قسم التفسير، وكان هذا موضوعا للاعتراض عليه من قبل عدد من علماء الأزهر في بداية اختياره، وحدثت ضجة كبرى، وصلت إلى حد اتهامه بالجهل بالفتوى.

بيد أن هيئة كبار العلماء عندما اختارت ثلاثة قبل ثلاث سنوات لشغل الموقع، راعت أن تكون الشريعة هي تخصصهم الدقيق، وبعد مرور هذه السنوات، ربما وجد شيخ الأزهر أنه اختيار لم يكن موفقا، فلم يكونوا سندا له في المعارك التي خاضها، فاختار الشيخ نظير عياد هذه المرة، وبعيدا عن التسخيف الحاصل، يبدو الاختيار وقد صادف أهله!

فالرجل كان مسؤولا عن مجلة الأزهر، وله ينسب التناسق الذي تم بين موقف الشيخ والمجلة في الحرب على غزة، وهو موقف وبعيدا عن المزايدات السياسية، يُذكر لرأس المؤسسة الدينية فيشكر، وهو متجاوز للموقف الرسمي!

وإذ نجهل الرجل، والجهل به هو المسؤول عن حملة الاستهزاء، فهو حاضر في ميدانه، وإن لم يكن نجما تلفزيونيا، فهو ليس نصر فريد واصل (الألقاب محفوظة للجميع)، فهو ليس نكرة في محيطه الديني، أو حتى بين الإعلاميين المهتمين بهذا الملف!

المهم في هذا الاختيار، أنه بتزكية من الشيخ أحمد الطيب، ومن الطبيعي أن يكون قد استوفى الشكل الدستوري باختياره، لكن لا يعني هذا الاختيار أن التناغم بين المؤسسات الدينية سيكون هو الطبيعي، حتى باختيار أسامة الأزهري، وهو لم يكن في عداء من قبل مع شيخه، وهما من مدرسة واحدة وهي مدرسة التصوف، وإن كانت هذه ليست محددا للقرب والبعد، فمختار جمعة ينتمي لمدرسة الجمعية الشرعية، التي يطغى عليها التوجه السلفي، ولهذا يدهش المرء عندما يقرأ في مذكرات خالد محمد خالد، أن مؤسسها كان متصوفا له فتوحات وتجليات في هذا الطريق!

الوضع الراهن لا يعني أن الأمور عادت لطبيعتها من حيث التناغم بين المشيخة، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف، فقد يكون الأمر متوقفا على موقف الجنرال من شيخ الأزهر، قربا وعداء، والشيخ الطيب هو من رشح سكرتيره السابق مختار جمعة وزيرا للأوقاف، وهو من اختار شوقي علام لتوافق عليه هيئة كبار العلماء في عهد الرئيس محمد مرسي
والوضع الراهن لا يعني أن الأمور عادت لطبيعتها من حيث التناغم بين المشيخة، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف، فقد يكون الأمر متوقفا على موقف الجنرال من شيخ الأزهر، قربا وعداء، والشيخ الطيب هو من رشح سكرتيره السابق مختار جمعة وزيرا للأوقاف، وهو من اختار شوقي علام لتوافق عليه هيئة كبار العلماء في عهد الرئيس محمد مرسي.. ولم يحفظا له ذلك وذهبا يتوددان للسلطة ويتقربان منها بالنوافل على حسابه!

ماذا هناك؟

أن يُعزل شوقي علام، واستمراره يكفي لتأدية الغرض من المكايدة، فهذا أمر لافتا، وأن يُعتمد اختيار شيخ الأزهر فهو أمر لافت أيضا، وألا يكون المختار من محترفي النفاق مثل خالد الجندي، فالأمر يحتاج إلى فهم بعيدا عن حملة التسخيف!

الجنرال بطبيعته العادية لا ينسى ولا يغفر، وهناك من هو في السجن، وقد رفض ضغوطا هائلة، وواسطة بشأنه لا تُرد، لمجرد أن سبه، وبطبيعته الشخصية أنه لا يرتاح للعمل مع الإنسان المعتز بنفسه، وتبدو شخصيته مستقلة كالشيخ أحمد الطبيب، ولولا الخوف من استفزاز الرأي العام، لأقدم في تعديل الدستور في 2009 على تعديل وضع شيخ الأزهر بما يمنحه سلطة تعيينه وعزله!

وأزمة الشيخ الطيب أنه معتز بنفسه اعتزازا مركبا؛ اعتزاز الأزهري، واعتزاز أبناء العائلات التاريخية في الريف المصري، وهو اعتزاز يمكن اختراقه بسهولة دون خدش هذا الاعتزاز، وللاختراق بوابته، يجيده مبارك ولا يعرفه السيسي، لأن هذا الكون الفسيح عنده ما هو إلا عساكر، وليس هذا هو الموضوع!

فعندما نجمع هذا الاختيار، وملابساته، بقرار إحالة قضية اللاعب أحمد رفعت للتحقيق، فإن الأمر بحاجة لمن يملكون مهارة القراءة بين السطور!

لا أقول تغييرا في السياسة قابلا للملاحظة.. فالجنرال عصي على التغيير!

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)