كتاب عربي 21

ما وراء فيديوهات "فيصل" المسيئة؟!

سليم عزوز
"في سنوات الانقلاب الأولى كان للسيسي أنصار من الناس"- جيتي
"في سنوات الانقلاب الأولى كان للسيسي أنصار من الناس"- جيتي
قبل أن ننام في ليلتنا هذه، كان شارع فيصل قد انتقل من مجرد شارع رئيس في محافظة القاهرة الكبرى، ليكون أشهر شارع في العالم العربي، بعد أن ضجت منصات التواصل الاجتماعي باسمه، في هذه الليلة الليلاء!

فقد حدث اختراق لشاشة تتبع إعلانات الشوارع، وضعت أكثر من فيديو للجنرال حاكم مصر، بدعاية سلبية، وبعبارات وإن جاز بثها عبر السوشيال ميديا، فإن مثلي يتحفظ على إعادة كتاباتها، وهي تتضمن سبا وقذفا لا يجوز فيه القول إن ناقل الكفر ليس بكافر، كما قد يتصور شباب الصحفيين وقد كنا منهم ونعتقد ما يعتقدون!

أزمة كتاب الخلافة:

في بداية التسعينات، كنت قد قمت بعرض عدد من الكتب، كان من بينها كتاب "الخلافة" للمستشار سعيد العشماوي، وقد جاء فيه ما اعتبره المستشار توفيق الشاوي اتهاما له بتبني فكر يمهد للإرهاب، ولم أنتبه لذلك في هذه المرحلة المبكرة من العمر، وفي سنوات عملي الأولى بمهنة الصحافة، فضلا عن أنني كنت أعتقد أن الرجل واحد من الشخصيات التاريخية ومن الطبيعي أن يكون قد مات، وقد قرأت اسمه في الكتب التي تؤرخ للمرحلة الأولى من تاريخ الإخوان، وكان ثاني اثنين وقفا في مكتب الإرشاد ضد قرار يصدر من الإخوان بتأييد قرارات ثورة يوليو بحل الأحزاب، وإقامة المحاكم الاستثنائية، وتأجيل عودة الحياة النيابية!

في أي نظام ديمقراطي، الحريات فيه مكفولة، فإن هذا الاختراق وإذاعة الفيديوهات المسيئة لا تقلل من مكانة الرئيس، ولا تحط من قدره، لكن في حالتنا، التي لا تخفي على أحد، فإن الأمر يحتاج لقراءة، ويكفي أن ما جرى تحول إلى "طوفان" عبر منصات التواصل الاجتماعي، وإلى "ترند"، ليتحول شارع فيصل إلى أشهر شارع في الوطن العربي
بيد أني اكتشفت أن الشاوي لا يزال على قيد الحياة وقتئذ، عندما تقدم ببلاغ لنيابة أمن الدولة ضدي، وضد المؤلف الذي كان قاضيا عاملا، حالت حصانته القضائية دون التحقيق معه، فقد قدمت في التحقيق معي هذا الدفع؛ "ناقل الكفر ليس بكافر"، وبمرور الأيام تبين لي أنه لم يكن دفعا صحيحا من الناحية القانونية!

قرأت على أحد المواقع الإلكترونية الموالية لأهل الحكم، في وصف ما جرى بأنه صور مسيئة للرئيس، والصحيح أنها فيديوهات، لكن ما يهمنا هنا هو اعتماد الوصف "مسيئة" وهو صحيح!

وفي أي نظام ديمقراطي، الحريات فيه مكفولة، فإن هذا الاختراق وإذاعة الفيديوهات المسيئة لا تقلل من مكانة الرئيس، ولا تحط من قدره، لكن في حالتنا، التي لا تخفي على أحد، فإن الأمر يحتاج لقراءة، ويكفي أن ما جرى تحول إلى "طوفان" عبر منصات التواصل الاجتماعي، وإلى "ترند"، ليتحول شارع فيصل إلى أشهر شارع في الوطن العربي، وهو شارع يدخل في زمام القاهرة الكبرى، ويشمل محافظة القاهرة وبعض مدن محافظتي الجيزة والقليوبية. وشارع فيصل مواز لشارع الهرم، وهو تابع لمحافظة الجيزة، ومزدحم بالسيارات والمارة ليلا ونهارا، واسمه الرسمي شارع الملك فيصل، نسبة للملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله، وأول ملامحه للقادم من الجيزة هو مسجد حمد، ربما بناه القطريون!

ولأنه شارع لا ينام، فقد وقف الخلق إلى ما بعد منتصف الليل ينظرون للشاشة، ويطالعون المكتوب، وهو الأمر الذي شاهدناه ممن في السيارات، حتى توقف المرور في الشارع تماما. ولم تنجح أجهزة الأمن في إزالة أثار العدوان بسرعة، الأمر الذي ذكرنا بليلة الانقلاب عندما اقتحمت قوات الأمن مكتب قناة الجزيرة، وأخرجت الضيوف من استوديو الهواء، ثم نظروا للشاشة فوجدوا البث مستمرا، فجن جنون القوم، وبُذلت محاولات مضنية لإفهامهم أن البث من الدوحة، وأن نهاية الإرسال لا تعني أن المذيع نائم خلف الشاشة، كما كنا نعتقد بذلك في طفولتنا!

لو أن مصر تعيش جوا من الحرية، فربما لم يكن لهذه الفيديوهات أن تمثل ما مثلته الآن، وإن كان جو الحرية هذا لم يمنع من الاستغلال السيئ للإساءة للرئيس محمد مرسي، عبر الصور، وبعضها جرى توظيفه تعسفيا، فماذا في ارتدائه الروب الجامعي وقت استلام شهادة الدكتوراة الفخرية من إحدى الجامعات الباكستانية، وهي الصورة التي ابتذلها باسم يوسف عامدا متعمدا؟

الحكم بالحديد والنار:

ولعل الأجيال الجديدة لا تعلم أن الرئيس مبارك ظل أكثر من عشرين عاما لا يسمح بالتجاوز في حقه، لعلمه أن هذه ستكون البداية، ولا أعتقد أن العامة كان يمكن أن يسمحوا بذلك، سواء في الشوارع أو المواصلات العامة، وكانت الأوضاع الاقتصادية مقبولة إلى حد كبير، وإن اختلف الأمر في السنوات السبع التي سبقت الثورة، وبدأ الفقراء يشكون من الغلاء، وبمجرد أن رأيت كهلا يلعنه في الشارع بصوت جهوري، فقد اعتبرت أنه أمر له ما بعده، ولم أسمع من المارة العبارات المحفوظة بأن الريس يعمل ما عليه.. أو ماذا يفعل أكثر من ذلك!

وفي سنوات الانقلاب الأولى كان للسيسي أنصار من الناس، لكن عندما تبين بالتجربة أنه "ليس تحت القبة شيخ"، كانوا يخافون من إبداء الرأي، فلما ساءت الأحوال المعيشية، وأيقن الناس من فشله، صار التهجم عليه علنا في الشوارع، وهو أمر إن لم يقلقه فعليه أن يعلم أن خللا أصاب قرون الاستشعار، التي يعلم بها الحاكم إلى أين يسير، فليس منطقيا أن يتصور أنه يستطيع أن يحكم بالحديد والنار مدى الحياة!
في سنوات الانقلاب الأولى كان للسيسي أنصار من الناس، لكن عندما تبين بالتجربة أنه "ليس تحت القبة شيخ"، كانوا يخافون من إبداء الرأي، فلما ساءت الأحوال المعيشية، وأيقن الناس من فشله، صار التهجم عليه علنا في الشوارع، وهو أمر إن لم يقلقه فعليه أن يعلم أن خللا أصاب قرون الاستشعار، التي يعلم بها الحاكم إلى أين يسير

الحكم بالحديد والنار هو الذي جعل من الفيديوهات المسيئة موضوعا يستوجب البحث عن دلالته، وأهون ما في الأمر هو هذا الاختراق الذي جرى لشاشة الإعلانات التجارية، وإن كان مثل هذه الاختراق قد يكون تأثيره قويا إذا تم اختراق شبكة كاملة، أو تم اختراق وسائل إعلام أخرى، في وجود جيل أخذ بالنصيحة الرئاسية وتعلم البرمجة، باعتبارها لغة العصر!

أتمنى ألا تقتصر الإجراءات الأمنية في البحث عمن قام بالاختراق، دون فتح ملف الوكالة المسؤولة عن هذه الشاشات، وقد كانت الوكالات الخاصة والوكالات الإعلانية في المؤسسات الصحفية القومية تقوم بالتنافس للحصول على حق الامتياز، وغالبا تكون الأمور قسمة بالتراضي، لأن الأرباح وفيرة، وكانت تمثل رافدا من روافد الدخل لهذه المؤسسات تعينها على نوائب الدهر، وعلى نقص التمويل!

بيد أن معلوماتي في هذا الصدد، وحق الرد مكفول، أن جهة ما استولت على حق الامتياز وأبعدت الوكالات الخاصة والتابعة للمؤسسات القومية، لتحتكر هي هذا البزنس في الطرق بين المحافظات كطريق مصر إسكندرية الصحراوي، فهل إعلانات الشوارع داخل المدن تسري عليها هذه السياسة؟

من الآخر، لا بد من الإعلان عن اسم الشركة صاحبة حق الامتياز في شارع فيصل، التي تدير شاشاته الإعلانية، لنعرف أسباب ضعف الحماية، وهل الاختراق من الداخل أو من الخارج!

في زمن البرمجة، يمكن لأي شقي أن يقوم بهذا الاختراق، وهو شقي بالنسبة لأجيالنا، التي كانت تنظر للهاتف النقال إذا دق بدهشة وابتسامة عريضة، وكأن الواحد منا يشاهد فيلم كارتون، لكن اللافت هو هذا الاحتفاء الكبير عبر السوشيال ميديا بهذه الفيديوهات المسيئة، واحتشاد الجماهير للمشاهدة وقد ارتسمت السعادة على الوجوه!

ولك أن تتخيل أن هذا المشهد حدث في السنوات الأولى للانقلاب، كيف سيكون رد فعل الناس؟! المؤكد أننا كنا سنشاهد احتجاجا وهتافا باسم من تتم الإساءة اليه، ويضج شارع فيصل بأغاني المرحلة: من أول أنتم شعب واحنا شعب.. إلى قوم نادي على الصعيدي..

لا بد أن يشعر بالقلق!

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)