كتاب عربي 21

خطاب الكونغرس وإعادة ترتيب البيت العربي

ممدوح الولي
إن تغير الأنظمة الدكتاتورية العربية يمثل شرطا أساسيا لتخفيف معاناة سكان فلسطين، حتى ولو بوجود أنظمة عربية محايدة بالفعل، وليست متواطئة مع إسرائيل وتشارك في إمدادها بالمعلومات الاستخباراتية.. (الأناضول)
إن تغير الأنظمة الدكتاتورية العربية يمثل شرطا أساسيا لتخفيف معاناة سكان فلسطين، حتى ولو بوجود أنظمة عربية محايدة بالفعل، وليست متواطئة مع إسرائيل وتشارك في إمدادها بالمعلومات الاستخباراتية.. (الأناضول)
ركز كثيرون فى تعليقاتهم على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالكونغرس على الكذب الصارخ في ادعائه بعدم قتل المدنيين في غزة، وإنكار قيام إسرائيل بتجويع شعب غزة، وبأن إسرائيل لا تريد تدمير غزة، وكذلك على رد الفعل من قبل أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الذين حضروا الخطاب، بمبالغتهم بالتصفيق له 80 مرة خلال الخطاب الذي استغرق ساعة، مما جعل زمن التصفيق يستغرق أكثر من ثلث زمن الخطاب .

ويظل السؤال: ومتى كانت إسرائيل ومسؤولوها لا يكذبون؟ والجميع يتذكر ادعاءاتها باغتصاب النساء خلال عملية طوفان الأقصى والتمثيل بالجثث، والتي روجها الرئيس الأمريكي نفسه، ومزاعمها بعد قصف مستشفى المعمداني بأن قصفها كان بصواريخ من قبل المقاومة، وتبريرها باقتحام مستشفى الشفاء بوجود أنفاق أسفله وتخزين المقاومة أسلحة به، وتكرار الكذب لتبرير كل مذبحة كبيرة بها في مناطق غزة.

وإذا كانت السياسة في تعريف البعض أنها فن الكذب، فماذا نتوقع من رئيس وزراء تولى منصبه عدة مرات منذ عام 1996 وحتى الآن؟ ولكن هل كان الكذب قاصرا عليه أم أنه امتد إلى الرئيس الأمريكي الذي ادعى مرات عديدة سعيه لوقف إطلاق النار وضغطه على قادة إسرائيل لتحقيق ذلك، وفي نفس الوقت يمد إسرائيل بالمزيد من السلاح والمال والمساندة؟

إن إعادة ترتيب البيت العربى أمر مطلوب وحيوي عند الحديث عن السعي لتخفيف معاناة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، فهؤلاء القادة لم يفعلوا شيئا مع استمرار إسرائيل في قتل سكان الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، ونفس الصمت مع توالي اقتحامات اليهود لباحة المسجد الأقصى
ألم يمتد الكذب إلى قادة الدول العربية والإسلامية حين خدعوا الأمة بقرارات قمة لمساعدة غزه إنسانيا والسعي لوقف إطلاق النار منذ شهور والتي ظلت حبرا على ورق حتى الآن، بينما كثير منهم ينسقون بشكل مستمر مع إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأوروبية، لتشديد الحصار على غزة ومنع الطعام والوقود والدواء عنها، وتبني الرواية الإسرائيلية للأحداث بوسائل الإعلام التابعة لهم بل والنيل من المقاومة ومحاولة الوقيعة بينها وبين سكان غزة بشكل متكرر.

وهو ما كشفه رئيس الوزراء الإسرائيلى بحديثه عن عمله مع شركائه العرب، سواء لإقامة تحالف ضد إيران أو لإدارة غزة بعد الحرب، ألم يتحدث قادة عرب عن نزع سلاح غزة قبل أن يتحدث بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ ألم يقمعوا التظاهرات المطالبة بإمداد غزة بالمساعدات وما زال الكثير من هؤلاء رهن الاعتقال؟ ألم تستمر صادراتهم لإسرائيل لتعويضها عن نقص سلعها الزراعية التي تأثرت بتراجع إنتاج المناطق المتضررة بالحرب؟ ألم ينسقوا مع إسرائيل لافتعال إغلاق معبر رفح بعد صمتهم عن اقتحام رفح مثلما صمتوا على اقتحام شمال غزة ووسطها قبل ذلك؟

فشل الأنظمة العربية بتحسين الأوضاع المعيشية

ومن هنا فإن إعادة ترتيب البيت العربي أمر مطلوب وحيوي عند الحديث عن السعي لتخفيف معاناة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، فهؤلاء القادة لم يفعلوا شيئا مع استمرار إسرائيل في قتل سكان الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة، ونفس الصمت مع توالي اقتحامات اليهود لباحة المسجد الأقصى، والذي تكرر مع الهجوم البري على غزة في تشرين أول / أكتوبر الماضي، وظل مستمرا حتى الآن رغم استمرار عمليات النزوح التي طالت تسعة أفراد من كل عشرة من سكان غزة حسب تصريح الأونروا، بل لقد طالب بعضهم إسرائيل بسرعة القضاء على المقاومة حسبما صرح قادة إسرائيليون .

هل سمع أحد تصريحا لمسؤول عربي ينتقد تصريح نتنياهو بالكونغرس أن الصراع بالشرق الأوسط ليس بين الحضارات ولكن بين البربرية والتحضر؟ ألم يعني ذلك اتهام العرب بالبربرية؟ وهل سمع أحد تصريحا لقيادي بإحدى الدول الإسلامية يرد فيه على تصريح نتنياهو بأنه لن يتم تقسيم القدس مرة أخرى وأنها عاصمتهم الأبدية؟ أليس ذلك نسفا لمساعي حل الدولتين التي تتشدق بها نظم عربية وإسلامية والتي رفضها الكنيست مؤخرا؟

ولذلك فإن تغير الأنظمة الدكتاتورية العربية يمثل شرطا أساسيا لتخفيف معاناة سكان فلسطين، حتى ولو بوجود أنظمة عربية محايدة بالفعل، وليست متواطئة مع إسرائيل وتشارك في إمدادها بالمعلومات الاستخباراتية وتتصدى للصواريخ والطائرات المُسيرة اليمنية والإيرانية المتجهة لإسرائيل، وتسهل مهمة الطائرات الإسرائيلية لقصف الحديدة.

إن الاستناد على وعود أمريكية أو أوروبية أو حتى من قبل دول عربية تدعي سعيها لوقف إطلاق النار بغزة، هذه أوهام سبق تريددها مرات عديدة خلال الشهور العشرة الماضية، والمتوقع حاليا أن يستمر رئيس الوزراء الإسرائيلي في عمليات الإبادة الجماعية التي لم تعد وسائل الإعلام المصرية والعربية الرسمية تتحدث عنها..
وربما يتعلل الكثير من العرب بسوء أحوالهم الاقتصادية وترقبهم لتحسنها من خلال استمرار تلك الأنظمة الدكتاتورية، وعدم انخراطها في معاداة إسرائيل، وهنا نتساءل هل تحسنت أحوال سكان المغرب الاقتصادية؟ وهل تحسنت أحوال المصريين بعد 11 عاما من الحكم الحالي الحليف لإسرائيل؟ أم تزداد معدلات الفقر والغلاء وتراجع مستوى  الخدمات الأساسية؟ وقس على ذلك بأحوال الشعوب العربية  التي قامت بالتطبيع مثل السودان .

الحرب مستمرة بدعم أمريكي

ومن هنا فتوجيه الاهتمام للتغيير عربيا ووجود أنظمة ديمقراطية، ووقف الحروب الأهلية باليمن وليبيا والسودان والصومال وغيرها تعد أمورا جوهرية، ليس فقط من أجل القضية الفلسطينية بل ولتحسين أحوال المواطنين العرب المعيشية وتنظيف مواردها من أجل مصلحتها، أما أن نترك هذا المسار ونركز اهتمامنا على أكاذيب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو موقف الكونغرس المعروف سلفا لأناس يسعون لإرضاء منظمة أيباك اليهودية من أجل الفوز بإنتخابات مجلس الشيوخ أو النواب .

أو نستغرق في الأوهام التي تستند على تصريحات جوفاء من قبل مسؤلين أمريكيين، مثل القول بسعي بايدن لوقف إطلاق النار قبل رحيله لتحقيق إنجاز بفترته، أو تصريح نائبته هاريس خلال مقابلتها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنها لن تصمت تجاه المعاناة في غزة، أو نحو ذلك مما قيل عن مسعى مصري لوقف إطلاق النار يستند على دخول المساعدات وحرية الحركة للفلسطينيين وانسحاب إسرائيل من منذ رفح.

إن الاستناد على وعود أمريكية أو أوروبية أو حتى من قبل دول عربية تدعي سعيها لوقف إطلاق النار بغزة، هذه أوهام سبق تريددها مرات عديدة خلال الشهور العشرة الماضية، والمتوقع حاليا أن يستمر رئيس الوزراء الإسرائيلي في عمليات الإبادة الجماعية التي لم تعد وسائل الإعلام المصرية والعربية الرسمية تتحدث عنها، وسيظل مستمرا في ذلك حتى تظهر نتائج الإنتخابات الأمريكية ويضمن استمرار دعمه أمريكيا بالعتاد والمال والغطاء السياسي أيا كان الفائز بها من أحد الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري .
التعليقات (0)