تعد
المفاوضات المطروحة على حركة
حماس من قبل الوسطاء، لحظة دقيقة وخطيرة
في الصراع الدائر مع الكيان الصهيوني. هذه المفاوضات مختلفة عن مثيلاتها السابقة،
فقادة الكيان في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، كانوا مختلفين عن حكام
إسرائيل
اليوم؛ كانوا يجمعون بين الخلفية الصهيونية والثقافية السياسية التي تجعلهم يأخذون
بعين الاعتبار الحد الأدنى من الحقوق والضوابط مثلما حصل في اتفاق أوسلو. أما هذه
المرة، فقد اختلف الوضع جذريا، إذ تواجه حماس اليوم عصابة عنصرية لا تتقيد
بعهود، ولا تقر بحقوق، ولا تعترف بأخلاق؛ إذ يتشكل أقصى اليمين الديني الصهيوني من
مجموعات خارج القانون، تعمل على ابتلاع ما تبقى من فلسطين التاريخية اعتمادا على
القوة والسلاح.
يتفق الجميع حول الاعتقاد بأن حصول المفاوضات مرهونة بإرادة
نتنياهو وبقرار
شخصي منه، فهو صاحب القرار الحاسم في هذه المسألة التي ستحدد مصيره السياسي، لهذا سيستمر
في البقاء على رأس الحكومة حتى موعد الانتخابات الأمريكية، اعتقادا منه بكونها
ستسفر عن عودة ترامب، المؤيد دون تحفظ لمواصلة الحرب على
غزة حتى آخر مقاتل في
حماس. هذا ما صرح به خلال حملته الانتخابية.
يتفق الجميع حول الاعتقاد بأن حصول المفاوضات مرهونة بإرادة نتنياهو وبقرار شخصي منه، فهو صاحب القرار الحاسم في هذه المسألة التي ستحدد مصيره السياسي، لهذا سيستمر في البقاء على رأس الحكومة حتى موعد الانتخابات الأمريكية؛ اعتقادا منه بكونها ستسفر عن عودة ترامب المؤيد دون تحفظ لمواصلة الحرب على غزة.
ورغم أهمية صعود كل من حزب العمال في بريطانيا واليسار في فرنسا، إلا أن
تأثيرهما على السياسة الإسرائيلية يبقى محدودا، مع ذلك ليس مستبعدا حصول مفاوضات
في تاريخ قريب.
لهذا، من حق المقاومة أن تكون حذرة رغم تعلقها الشديد بالمفاوضات كآلية
للتوصل إلى تسوية مؤقتة، فالنتائج التي ستترتب عن ذلك ستكشف إلى أي حد كان الهجوم
المباغت الذي تم الإقدام والقيام به يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان ضروريا
لقلب المعادلة العسكرية والسياسية مع العدو. فالعبرة في كل معركة تحسب بخواتمها،
خاصة أن حصيلة المواجهة كانت ثقيلة في الأرواح وفي البنية التحتية، فكل تنازل قد
تقدم عليه المقاومة عن الحقوق، ستحاسب عليه تاريخيا.
هناك سباق مع الزمن، فمن جهة تعب الغزيون من حرب لا ترحم، حيث تكاد مدينتهم
تمسح تماما من الخارطة، ومن جهة أخرى، يسعى المستوطنون على قدم وساق نحو إقامة ما
تسميها التوراة "مملكة يهودا والسامرة" على أراضي الضفة الغربية. هذا
جزء من خطة قديمة تم الشروع في تنفيذها منذ قيام الكيان الصهيوني، مع حرص خاص على
تمكين هذه المملكة المزعومة من استقلالية واسعة عن "دولة إسرائيل"، يحكمها ويسيّرها غزاة قادمون من مختلف الآفاق.
واستغل هؤلاء أجواء الحرب الدائرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر للقيام باختراق
جغرافي واسع النطاق في عملية تسريع غير مسبوقة في تاريخ الاستيطان باستعمال القوة لترهيب
السكان الفلسطينيين. وأمام هذا الخطر الوجودي الزاحف، بدأ أغلبية سكان الضفة
يطالبون بالدفاع الشرعي لحماية أرواحهم وأراضيهم ومزارعهم. فاستطلاع الرأي الأخير
كشف عن أن النسبة الأكبر (٤٥ في المئة) من سكان الضفة الغربية، يعتقدون
بأن "الوسائل الأكثر فاعلية والأكثر واقعية في الوقت ذاته لمكافحة هذا
الإرهاب؛ تتمثل في تشكيل مجموعات مسلحة من قبل سكان المناطق المستهدفة".
وافترضنا أنه تم تبادل المختطفين الإسرائيليين، من الذي يستطيع بعد ذلك منع الآلة العسكرية الإسرائيلية من استئناف قصفها الوحشي للمدنيين؟ ومن سيجبر الصهاينة على فتح الحدود وتمكين الغزاويين من العودة إلى بيوتهم والقيام بترميمها؟
فهؤلاء المستوطنون لم يعد ينفع معهم محاولات إقناعهم باحترام
القوانين والحقوق؛ لأنهم جاؤوا معبئين بأفكار عنصرية غذت فيهم رغبة السرقة والنهب
المنظم، وطرد السكان بكل الوسائل المتاحة لديهم. ورغم خطورة هذه السياسة
الاستعمارية، ما يزال الغرب يتعامل معها عبر إصدار البيانات التي لم تعد تسمن ولا تغني
من جوع.
هناك مؤامرة ضخمة على الفلسطينيين، والذين يتآمرون كثر، ولكل
مصلحته وحساباته. فما حققته المقاومة من صمود نادر في سياق إقليمي منهار لا يطمئن
الكثيرين، وهو ما من شأنه أن يزيد في تسميم المناخ التفاوضي وتعقيده. الأهم من ذلك، هو التساؤل حول مدى قدرة الوسطاء على توفير الضمانات لأي اتفاق يتم التوصل إليه.
فالرئيس الأمريكي الذي يعد الحلقة الأقوى في المعادلة، ضاعت
هيبته واستخف به نتنياهو، حتى أصبح أشبه بالدمية التي لا تفقه ما الذي يدور حولها
وباسمها. فلو افترضنا أنه تم تبادل المختطفين الإسرائيليين، من الذي يستطيع بعد ذلك منع
الآلة العسكرية الإسرائيلية من استئناف قصفها الوحشي للمدنيين؟ ومن سيجبر الصهاينة
على فتح الحدود وتمكين الغزاويين من العودة إلى بيوتهم والقيام بترميمها؟
المفاوضات مع الصهاينة ضرورة، وفي الآن نفسه مغامرة خطيرة وغير
مضمونة.