قضايا وآراء

قاطعوا بلينكن فلا وساطة بعد اليوم

محمد جميل
المجازر مستمرة والتدمير مستمر، أغلقوا هواتفكم لا تستقبلوهم وليعلن أي فصيل على صلة بالأمر بأنه أغلق مكاتبه وقطع كل قنوات التواصل مهما كان شكلها حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.  (الأناضول)
المجازر مستمرة والتدمير مستمر، أغلقوا هواتفكم لا تستقبلوهم وليعلن أي فصيل على صلة بالأمر بأنه أغلق مكاتبه وقطع كل قنوات التواصل مهما كان شكلها حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا. (الأناضول)
الموقف العربي من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل بدعم من الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة على قطاع غزة خليط من العجز، والهوان، والخذلان، والخيانة.

سياسيون غربيون مثل دنيس روس وصحف غربية ذهبوا في كشف الموقف العربي وفق النمط المعروف وغير المفاجئ للجمهور العربي، فمعظمهم يقول شيئا في العلن من قبيل ضرورة وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية وبينهما ديكور عبارة عن بيانات شجب واستنكار لبعض المجازر وفق ما يطلبه الجمهور، أما وراء الأبواب المغلقة تدعم أنظمة هذه الدول إسرائيل في سحق الفصائل الفلسطينية وتحثها على إكمال المهمة مهما كان الثمن، بل تزود إسرائيل بما يلزمها من معدات عسكرية ومعلومات استخبارية.

قد يقول قائل إن هذا غير معقول فبالأمس كان وزيرا الخارجية الصفدي وسامح شكري في مؤتمر صحفي مع وزير خارجية الولايات المتحدة في العاصمة عمان حاسمين في موقفهما وركزا على ضرورة وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات، بل أكدا للوزير أنه بعد هذا العدد المهول للضحايا لا يمكن التذرع بحق "الدفاع عن النفس".

مواقف وزيري الخارجية الأردني والمصري محترمة ومقدرة وهي من أقوى المواقف التي سمعتها طوال 28 يوما من عمر الحرب، لكن هل وزراء الخارجية هؤلاء في واد وأنظمتهم في واد آخر؟ هل تعكس هذه المواقف موقفا عربيا صلب الأحداث؟ ولماذا لا تترجم هذه الأقوال إلى أفعال وهل عدم العرب الوسيلة لتنفيذ ما يقولونه في العلن؟

للإجابة على هذه الأسئلة نبدأ بموقف هذه الأنظمة، لنأخذ تصريحات السيسي في بداية الحرب وفي مؤتمره الصحفي مع المستشار الألماني تحدث باستهتار بالغ عن مصير الفلسطينيين في قطاع غزة في معرض رفضه تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، فمن جملة ما قاله إذا أراد الإسرائيليون تهجير الفلسطينيين فليهجروهم إلى النقب وعندما ينتهون من مهمتهم، يعيدونهم.

كان بإمكان السيسي أن يرفض مشروع التهجير بأسلوب يحفظ دور مصر الوطني وكرامة الشعب الفلسطيني الذي يرفض أي مشروع تهجير وهو بالأساس عمود النضال الفلسطيني طيلة عقود وفي هذه الحرب وغيرها.. ورغم جحيم القنابل المنصب على قطاع غزة لم نشاهد تدفق الفلسطينيين نحو معبر رفح ما يثبت أن الفلسطيني يفضل الموت على التهجير.

التصريحات المنمقة والمنتقاة، وإشاعة أن لقاء عباس بلينكن كان متوترا هو لإخفاء أين تتموضع السلطة منذ اللحظة الأولى للحرب العدوانية، لا غرابة من هذا الموقف فهذه سلطة منذ نشأتها بنت عقيدتها على التعاون الأمني مع إسرائيل الذي ألحق أفدح الخسائر بالقضية الفلسطينية.
لكن القدر أراد أن يفضح ما يكنه السيسي وما يقوله وراء الأبواب المغلقة للمسؤولين الغربيين بأنه لا مانع عنده من سحق الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة ولو أدى ذلك إلى تهجير الفلسطينيين إلى أي جهة غير مصر، ومن أجل أن يؤكد أنه لا يهمه ما يحدث خلف معبر رفح أغلق المعبر بجدران إسمنتية ومنع دخول أي قارورة مياه عبر المعبر إلا بموافقة إسرائيل.

في طريق عودة بايدن من زيارته لإسرائيل نقلت وسائل إعلام أمريكية أنه تحدث إلى السيسي وأقنعه بفتح معبر رفح أمام قوافل إغاثة إنسانية بشكل محدود تحت رقابة كاملة من الإسرائيليين وبالفعل بعد 15 يوما من الحرب دخلت أعداد بسيطة من الشاحنات تزايدت مع الأيام إلا أنها لا تكفي مطلقا احتياجات السكان فبقيت نقطة في بحر من الاحتياجات.

وبقي حال معبر رفح على هذا الحال حتى اليوم شاهدا على خيانة نظام السيسي لا مساعدات إنسانية تتدفق بشكل يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تسببت بها آلة الحرب الإسرائيلية ولا إخلاء لآلاف الجرحى الذين يتهددهم الموت في أي لحظة بسبب انهيار المرفق الصحي في قطاع غزة.

كانت هناك زيارة لوفد من الكونغرس الأمريكي برئاسة عضو الكونغرس ليندسي غراهم لمصر، لم ترشح تسريبات عما دار بين السيسي وهذا الوفد.. فلنتخيل الوعود التي قطعها الوفد الأمريكي للسيسي مقابل تأمين الحديقة الخلفية لإسرائيل وخنق قطاع غزة وعدم اتخاذ مواقف تعرقل مهمة إسرائيل في القطاع، فغراهم في اليوم الأول لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول قال "لتكن حربا دينية".
 
وإذا أضفنا أن سامح شكري يقف على رأس جهاز الدبلوماسية المصرية ولم يقم باستدعاء السفير المصري للتشاور في الحد الأدنى في مثل هذه الأحوال كما فعلت دول تبعد عن قطاع غزة آلاف الأميال حيث قامت هذه الدول بطرد السفراء الإسرائيليين أو استدعاء سفرائها لدى الاحتلال بينما لا يزال العلم الإسرائيلي يرفرف وسط العاصمة المصرية كل هذا يؤكد أن النظام المصري متورط في حرب الإبادة على قطاع غزة.

أما الأردن فقد قمع المحتجين ومنعهم من الوصول إلى المناطق الحدودية، وبعد 28 يوما من بدء عملية الإبادة استدعت الخارجية السفير الأردني من إسرائيل للتشاور دون المساس باتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، كما أن المشروع الذي قدمه الأردن للجمعية الطارئة في جلستها العاشرة ممثلا عن المجموعة العربية لم يكن وفق الطموح ومستوى الجريمة التي ترتكب فولد القرار ميتًا.

أما الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين فحدث ولا حرج، قمع للمحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، ذباب إلكتروني يهاجم الضحية، ويروج لأكاذيب الاحتلال، صحفيون وكتاب مشهورون يتماهون مع أجندات الحرب والإبادة، منع المظاهرات، استثمارات مليارية في إسرائيل، إصرار على علاقات دبلوماسية (باستثناء السعودية) مستدامة وقوية وما خفي أعظم.

أما سلطة عباس فهي كالعادة تقوم بواجباتها الأمنية تقمع أي حراك مساند للقطاع وبالأمس سلمت أكثر من 3000 عامل من قطاع غزة لجأوا إلى رام الله للاحتلال لتعيدهم الأخيرة للقطاع بعد اعتقال وتعذيب، ولم تسع السلطة لتقديم ملف الإبادة الجماعية إلى محكمة العدل الدولية، وهناك قمة عربية دعت لها السلطة ستعقد في 11 نوفمبر/تشرين الثاني.. ونزعم أنها ستكون كما غيرها فعباس سيستغل هذا المنبر لتأكيد المجتر من الشعارات من قبيل الممثل الشرعي والوحيد ومصير سلطته بعد الحرب ودوره في إدارة غزة بعد الحرب.

وما يؤكد ذلك ما حدث خلال اجتماع جمع عباس وبلينكن عقد في رام الله أمس حيث شكر بلينكن عباس على دوره في الحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية، وعلى خلاف التصريحات العنترية التي انطلقت عقب الاجتماع على لسان الناطق باسم الرئاسة أن عباس طلب وقف إطلاق النار والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل فقد كشف مسؤول أمريكي أن عباس وافق أن يكون للسلطة دور في إدارة غزة بعد القضاء على حركة حماس.

إذًا التصريحات المنمقة والمنتقاة، وإشاعة أن لقاء عباس بلينكن كان متوترا هو لإخفاء أين تتموضع السلطة منذ اللحظة الأولى للحرب العدوانية، لا غرابة من هذا الموقف فهذه سلطة منذ نشأتها بنت عقيدتها على التعاون الأمني مع إسرائيل الذي ألحق أفدح الخسائر بالقضية الفلسطينية.

لو أن الأنظمة العربية كانت راغبة في إنقاذ غزة ووقف الإبادة الجماعية لفعلوا ما فعله الغرب من حشد لدعم إسرائيل على كل المستويات السياسية والعسكرية فالدبلوماسية الأمريكية لم تهدأ ومارست كل أنواع العربدة والتهديد على الدول التي تحيد عن موقفها من الأزمة.

نحن لا نريد من قادتنا أن ينخرطوا كما انخرط نظراؤهم في الغرب لا سمح الله، ويهددوا ويرسلوا البوارج والأسلحة ويعلنوا أن من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن النفس! نريد منهم فقط أن يحدثوا حالة من التوازن في المشهد، أن يشكلوا خلية أزمة على سبيل المثال عالية المستوى للقيام بما يلزم من إجراءات على المستوى الدولي، منها مثلًا زيارة روسيا والصين ودول أخرى في العالم الإنساني لتنسيق الجهود والمواقف ووضع خطة عمل يتم صياغتها في مشروع قرار يقدم للجمعية العامة في جلستها العاشرة الطارئة يعتمد على استخدام الحماية الدولية لتنفيذ ما جاء فيه.

إن خيانة غزة وخذلانها هو خيانة وخذلان من النظام العربي الرسمي في المقام الأول لكن هؤلاء لا يدركون أن ما يجري في صفوف الناس على مستوى الإقليم والعالم من تعبئة هو تعبئة أشبه ما يجري في الجيوش استعدادًا للحرب! فالكل يسمع ويرى ما يحدث في قطاع غزة ولم تعد هناك قدرة لدى الناس على التحمل أكثر من هذا.
لعل العرب يدركون أهمية هذا الحراك لكنهم شطبوه من أجنداتهم عن سابق إصرار وتصور، فلا يعقل في ظل هذا الظرف التاريخي الخطير أن تترك الولايات المتحدة وحلفاؤها يلعبون في المنطقة ويفرضون أجنداتهم دون أن يكون لباقي القوى أي موقف، في أزمات أقل شأنا ذهب العرب إلى هذه الدول عندما أدارت لهم الولايات المتحدة ظهرها ألا تستحق غزة وهي تعيش إبادة جماعية على الأقل زيارة مجاملة لهذه الدول لإشعارهم أنهم قوى عظمى ولاعبون أساسيون في هذا العالم الذي تحكمه شريعة الغاب لعل وعسى يتحركون في اتجاه ما لوضع حد لنزيف الدماء.

إن خيانة غزة وخذلانها هو خيانة وخذلان من النظام العربي الرسمي في المقام الأول لكن هؤلاء لا يدركون أن ما يجري في صفوف الناس على مستوى الإقليم والعالم من تعبئة هو تعبئة أشبه ما يجري في الجيوش استعدادًا للحرب! فالكل يسمع ويرى ما يحدث في قطاع غزة ولم تعد هناك قدرة لدى الناس على التحمل أكثر من هذا.

أخيرًا إلى الوسطاء المحترمين الذين همهم حقن دماء الفلسطينيين ووقف هذه الحرب الظالمة وفي ضوء الموقف العربي المتآمر، أنتم أخبر الناس بعد شهر من الإبادة بموقف الولايات المتحدة والغرب الاستعماري عموما فهم لا زالوا أسرى أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول يتباكون على الإسرائيليين.. وبكل وقاحة بلينكن بعد هذا العدد المهول من الضحايا والدمار يصر على استمرار الحرب مع تخفيض عدد الضحايا المدنيين.. أيوجد صفاقة وصلف أكثر من هذا؟

لذلك حتى تحرروهم من أوهام السابع من أكتوبر/تشرين الأول لا بد من التواصل مع قوى دولية وأخرى إسلامية وعربية غير متورطة فيما وصلت إليه الأمور في قطاع غزة وبذل كل المحاولات لكسر الموقف الأمريكي، كذلك والمهم قطع الاتصالات مع الجانب الأمريكي فلا فائدة من استمرار التفاوض على أي شيء ففي كل الأحوال في ظل هذا الموقف، المجازر مستمرة والتدمير مستمر، أغلقوا هواتفكم لا تستقبلوهم وليعلن أي فصيل على صلة بالأمر بأنه أغلق مكاتبه وقطع كل قنوات التواصل مهما كان شكلها  حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

سلامًا على غزة في الأولين والآخرين، ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون..
التعليقات (1)