تقارير

مقاومة الاحتلال كيف تُصان عن تهم الإرهاب؟ أفغانستان وفلسطين نموذجا

عادة ما تلجأ حركات وقوى مقاومة الاحتلال في سياق مواجهتها لجيوش الاحتلال إلى انتهاج حرب العصابات، بحكم اختلال موازين القوى..
عادة ما تلجأ حركات وقوى مقاومة الاحتلال في سياق مواجهتها لجيوش الاحتلال إلى انتهاج حرب العصابات، بحكم اختلال موازين القوى..
مقاومة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة والمتاحة حق مشروع، كفلته المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية، وهو دفاع مشروع في كل الشرائع والأديان السماوية كذلك، ومن حق الشعوب المحتلة أن تهبَّ وتتصدى لمواجهة قوى الاحتلال المعتدية على أرضها ومقدراتها وإنسانها وكرامتها.

وعادة ما تلجأ حركات وقوى مقاومة الاحتلال في سياق مواجهتها لجيوش الاحتلال إلى انتهاج حرب العصابات، بحكم اختلال موازين القوى، فهي تخوض معارك طويلة المدى لاستنزاف قدرات العدو، لتكبيده خسائر كبيرة وفادحة في المعدات والأرواح، ما يجبره على التفكير جديا في الانسحاب العسكري.

هذا ما حدث في حرب أمريكا في فيتنام، والتي استمرت لعشرين سنة (1955- 1973)، لم تستطع أمريكا خلالها بكل ترسانتها وقدراتها العسكرية الهائلة، كسر إرادة الفيتناميين، واستمرت مقاومتهم حتى أرغموا أمريكا على الانسحاب من فيتنام، وهو ما حدث للغزو السوفيتي لأفغانستان (1979)، وتصدي المجاهدين الأفغان له ومواجهته ببسالة، حتى أرغموه على الانسحاب (1989).

وكان الحال كذلك مع حركة طالبان بعد سقوط دولتها سنة 2001 على إثر الغزو الأمريكي لأفغانستان، فشرعت في مقاومة الاحتلال الأمريكي إلى أن أجبرته على سحب قواته العسكرية من أفغانستان في 2021، بعد أن تكبدت أمريكا خسائر مادية وبشرية فادحة، بلغت ترليونات الدولارات، وآلاف من القتلى والجرحى.

وفي قضية المسلمين الأولى، قضية فلسطين مرت المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني بعدة أطوار، إلى أن تسلمت راية المقاومة المسلحة حركات إسلامية جهادية، كحركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وهي التي تخوض اليوم غمار تلك المواجهات وكان آخرها، معركة "طوفان الأقصى" التي ما زالت مشاهدها وتداعياتها الدامية ماثلة أمام العالم بأسره.

وتُظهر تجارب الاحتلال ما تقوم به الدول الاستعمارية والمحتلة في إطار مواجهتها لقوى وحركات المقاومة إلى شيطنتها، فتسارع إلى وصفها بقوى الشر والإرهاب، في سياق حربها الإعلامية والنفسية الرامية إلى تشويه صورتها، وتنفير الرأي العام منها، وعدم وقوفه إلى جانبها في مقاومتها المشروعة ضد الاحتلال.

ووفقا للباحث الفلسطيني، وعضو جمعية المؤرخين الفلسطينيين واتحاد الكتاب، عبد العزيز عرار فإن "ما يسترعي الانتباه في عصرنا شيوع وصم المنظمات الإسلامية بالإرهاب الدولي، وتصوير عملها ونضالها ودورها بأنه مخالف للقانون الدولي الإنساني، وأنه عمل إرهابي، وأقرب الأمثلة حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، وحركة حماس في فلسطين، مع أن الأمم المتحدة أقرت حق تقرير المصير للشعوب بالاستقلال والتحرر".


                                    عبد العزير أمين جرار، باحث ومؤرخ فلسطيني

وأضاف: "لقد انطلقت تلك الدول التي تصف حركات المقاومة بالإرهاب من كونها ليست عضوا في الأمم المتحدة، وأنها تستخدم الإرهاب في عملها ونشاطاتها كالأعمال الاستشهادية (والانتحارية)، وهي طريق محتم للموت، بينما يعتمد القتال على النسبية والمثلية".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "في المقابل استغلت أمريكا ـ وحليفتها إسرائيل ـ حق النقض الذي تتمتع به في مجلس الأمن، فمارست إرهابها الذي شاهده العالم على شاشات القنوات الفضائية، وممارستها للإبادة الجماعية في أفغانستان والعراق وفلسطين، واستخدامها للأسلحة المحرمة دوليا كغاز الأعصاب في أفغانستان، وفي العراق، كما استخدمت إسرائيل القنابل الفسفورية وغيرها في غزة".

وطبقا لعرار فإن "خطورة الحرب الإعلامية تكمن في أن الدول الكبرى، ومعها ربيبتها وحليفتها إسرائيل، تمتلك قنوات ووكالات إعلامية عالمية، مما يجعل إعلامها هو الأقوى في الساحة العالمية، لا سيما أن الوكالات العالمية الكبرى مثل اليوناتيد برس وغيرها، هي أمريكية وأوروبية ولها تأثير كبير في صناعة الإعلام، إذ تبيع أخبارها للوكالات الأصغر في العالم، في ظل تبعية العديد من دول العالم للدول الكبرى، ومنها الدول العربية".

وخلص الباحث الفلسطيني عرار إلى القول إن "نضالنا العادل والمشروع ليس بحاجة لشهادة من أعدائنا، حتى يمنحنا شهادة حسن سلوك، وهو الذي ثبت بالدليل القاطع كذبه في أكثر من مناسبة، وآخرها ادعاء قتل الأطفال من قبل حماس، وحرقهم وقطع رؤوسهم، وهو ما ثبت كذبه وتلفيقه".

لكن كيف يمكن لحركات وقوى المقاومة الإسلامية صيانة مقاومتها من تهم الإرهاب في ظل الحملات الإعلامية التي لا تتوقف عن وصمها بذلك؟ في إجابته نبَّه الداعية والباحث الإسلامي، عضو رابطة علماء الأردن، الدكتور محمد سعيد بكر إلى أن "كل من يدافع عن حقه بأسلوب ناعم أو خشن في زمان انقلاب الموازين يمكن أن يُتهم بالإرهاب، ولهذا فإن من تستبد به هواجس تلك التهمة والفرية لن يخطو خطوة واحدة في سبيل تحقيق الحرية والعدالة".


                      محمد سعيد بكر، داعية وباحث إسلامي، عضو رابطة علماء الأردن

وأضاف لـ"عربي21": "لكن ما نراه ونشاهده من خلال المتابعة الحثيثة لما يجري وجود أجنحة سياسية، وأخرى إعلامية فلسطينية تقف بقوة وراء المقاومة، وهي تسعى وتجتهد في تفنيد تلك الافتراءات، والحد من استخدام تلك التهم وإلصاقها بالمقاومة".

وتابع "كما نلاحظ ونرى محاولة حركات المقاومة القيام بهجوم معاكس بهذا الشأن، فتفضح إرهاب الصهاينة، ومن يقف إلى جانبهم، وما يقومون به من تدمير وإبادة بلا رحمة، فهي حرب مفاهيم ومصطلحات إلى جانب كونها حرب عقيدة ومصالح"، على حد قوله.

وفي سياق متصل رأى الكاتب والإعلامي المصري، أحمد عبد العزيز أنه "في ظل المعايير المزدوجة التي باتت تحكم العالم وتحركه، لم يعد ممكنا تعريفا الإرهاب تعريفا معياريا يقبل به الجميع، فما يراه طرف ما إرهابا، يراه الطرف الآخر حقا مشروعا للدفاع عن النفس".


                                           أحمد عبد العزيز، كاتب وإعلامي مصري

وأردف: "في تقديري أن هذه الإزدواجية في المعايير سببها الأول والأخير (الكفر) بالله، فالإنسان الكافر بالله، المتمرد عليه، يصنع لنفسه موازينه ومعاييره وتعريفاته الخاصة التي ما تصطدم بالفطرة الإنسانية، والشرائع السماوية الصحيحة، وإذا كان ذا قوة ونفوذ وتأثير فهو قادر على فرضها وتعميمها، بمنطق القوة لا بقوة المنطق، بطبيعة الحال".

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول "فوجود القوات الأمريكية في فيتنام والصومال، وأفغانستان، والعراق، وسوريا، يندرج تحت مسمى (الأمن القومي)، وليس تحت مسمى (الاحتلال)، ومن يقاوم هذا الاحتلال هو (إرهابي)؛ لأنه يهدد الأمن القومي الأمريكي، على الرغم من أن القانون الدولي، والفطرة الإنسانية يخالفان ذلك جملة وتفصيلا، إذ يكفلان للشعب الواقع تحت الاحتلال حق مقاومة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة".

وقال عبد العزيز "وبناء على ما سبق ذكره فإن حركات المقاومة والتحرير، لديها شرعيتان، الأولى دينية، إذا كانت مسلمة، والثانية فطرية إنسانية بغض النظر عن الدين الذي تعتقده.. وبالنسبة لنا (نحن المسلمين) لا تنفك الشرعيتان.. أما الشرعية الدينية فالأدلة عليها أكثر من أن تحصى في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وأما الشرعية الإنسانية فتتمثل في الالتزام بقواعد الحرب، وهي عندنا من لب الدين".

وأضاف: "فالأطفال والنساء والشيوخ والمرضى ليسوا هدفا.. والمتفرغون للعبادة (من أي دين)، ولا يحملون السلاح ليسوا هدفا.. والأشجار والأنهار والزروع ليست هدفا، والتمثيل بالجثث ليس مسموحا به، والأسير له حق الرعاية حتى يُبت في أمرة.. فإذا التزمت حركات المقاومة والتحرير بهذه الضوابط فقد حازت الشرعيتين (الدينية والإنسانية) رغم أنف الاحتلال".

وشدد في ختام حديثه على أهمية "إظهار حركات المقاومة التزامها التام بهذه الضوابط للعالم بكل وسيلة ممكنة، مقابل إظهار عدم التزام الاحتلال بها؛ لأنه يتحرك بمنطق القوة ولا يبالي، وقد استطاعت المقاومة الإسلامية في غزة قصف السردية الصهيونية الراسخة رسوخ الجبال منذ قرن إلا ربعا من خلال الفيديو، الأمر الذي أكسبها تعاطفا عالميا لم تعرفه من قبل".
التعليقات (1)