سؤال يطرحه من يتتبع تاريخ
الانقلابات
العسكرية، والتي تقوم على الغدر بحاكم، أو شعب، فما من انقلاب عسكري إلا وله
شركاء، وسرعان ما نرى هؤلاء الشركاء يختفون من الصورة التي جمعتهم بقائد الانقلاب.
وهو ما نلاحظه كذلك في الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، والذي قاده عبد
الفتاح السيسي، في 3 يوليو 2013م، وقد كانت معه قوى مدنية وعسكرية، فأين ذهب أبرز
هؤلاء الشركاء للانقلاب؟
الانقلاب العسكري تم إعلانه بعزل
الرئيس المدني المنتخب، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور مكانه، والذي ظل
رئيسا مؤقتا قرابة تاسنة، وصدر قرار فض رابعة بإمضائه، ثم تولى السيسي الحكم، وبعدها
اختفى تماما من الساحة إلا في بعض مناسبات، لا يدعى إليها برغبة من السلطة، وكل ما
قامت به نحوه أن جعلت محطة مترو باسمه، ثم خرج من الرئاسة دون عمل قضائي.
بل إنه بدأ يشعر بعد ذلك بأنه رمي بلا
أي فائدة تذكر، وكثرت شكواه لمن لهم اتصال بالسيسي من قريب أو بعيد، أنهم أصبحوا
قليلي الاهتمام به، ويبدو هذا سبب ظهوره كل فترة في مشهد احتفالي، حينما تكثر
شكواه، أو يصل كلامه للدوائر المقربة من السيسي.
أما اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية
الذي تعاون في فض رابعة، فبعد قرابة العام والنصف خرج من الوزارة، ولم يعد يظهر، بل
ربما كان أحمد جمال الدين الوزير الذي سبقه في الوزارة أكثر ظهورا في الإعلام
والتواجد السياسي مستشارا أمنيا أكثر منه، وقد حكى لي شيخنا القرضاوي رحمه الله،
أنه ذهب للعمرة بعد تولي الملك سلمان بدعوة منه، في شهر رمضان، ويوجد مكان مخصص
لضيوف الملك، وغالبا ما يكونون من كبار الشخصيات، وعند دخول القرضاوي للصلاة، فوجئ
من كانوا معه، بمحمد إبراهيم وقد ارتدى جلبابا أبيض، وذهب للاعتكاف والصلاة في
العشر الأواخر من رمضان، فقالوا للشيخ: أتدري من هذا؟ إنه محمد إبراهيم وزير
الداخلية السابق!!
وقد كان غدره بمرسي واضحا وقت توليه
الوزارة، فقبل انقلاب الثالث من يوليو، وقد اجتمع عدد من السياسيين المؤيدين
لمرسي، وأخبرهم أحد السياسيين بأن هناك بلطجية يتم إعدادهم للمعاونة في الأحداث
التي تسبق الانقلاب، وأن وزير الداخلية متواطئ معهم، فهون مرسي من شأن الرجل،
وبأنه أقل من ذلك، فوضعوا اختبارا يؤكد صحة دعواهم، بأن هذه قائمة بأهم مائة بلطجي
من قيادات البلطجية في
مصر، لو نشط وقبض عليهم، فساعتها يكون صادقا.
الغدر وأهله، لا يرعون موقفا لمن يشاركهم فيه، بل يظل بداخلهم دافع للانتقام وإنهاء من وقف معهم، لأنه يذكرهم دوما بفضله عليهم في هذه الغدرة، فضلا عن عقاب الله تعالى لكل من شارك في مثل هذه الجرائم، بأي مستوى من المشاركة.
تسلم الوزير القائمة، وبعد أسبوع
سألوه، أين يا معالي الوزير أسماء كبار البلطجية الذين سلمناك أسماءهم؟ فقال: لقد
نظمنا حملة للقبض عليهم، لكن فلانا هذا هرب ونحن نقبض عليه، وفلان الآخر لم نجده
في العنوان المذكور، وفلان ونحن نقبض عليه قفز من الشباك وهرب، وفلان كذا، مائة
اسم لم يعثر على شخص واحد منهم، وهو ما اتضح لهؤلاء السياسيين تآمره في الانقلاب.
أما الفريق صدقي صبحي والذي كان رئيسا
للأركان وقت الانقلاب، وتم ترقيته لدرجة وزير الدفاع، والذي نص الدستور الذي وضعه
السيسي سنة 2014م، بتحصين صدقي صبحي، ومع ذلك بعد سنوات قليلة تم عزله، واختفى
تماما عن الأضواء والساحة العسكرية والسياسية، دون تعاطف أدنى مستوى عسكري معه، أو
أي ذكر له على أي مستوى، مقارنة بقيادات أخرى في الجيش عندما عزلت، ظلت الناس
تذكرهم بالخير، مثل المشير أبو غزالة مثلا.
أما القوى المدنية التي ساندته، فإن من
أفاق منهم واكتشف جرائم الانقلاب واتخذ الموقف الصحيح، فهم ما بين مطارد، وسجين،
ومقتول. أما من ظل على قيد الحياة، فقد جرت إهانته، وتسليط الإعلام السيساوي للنيل
منه، سواء بالتخوين، أو بالمطاردة بقوائم إرهاب، ومصادرة أموال، أو منع من السفر
إن كان خارج السجن.
فأما الأستاذ حمدين صباحي، الذي كان
معارضا أيام مبارك، وأحد شركاء يناير، وأحد المرشحين للرئاسة، والذي حل ثالثا في
انتخاباتها، فإنه رشح في أول انتخابات للسيسي، ولم يجرؤ على التراجع، وإمعانا في
إهانته، فقد كانت الأصوات الباطلة أعلى نسبة منه، ثم مؤخرا ما جرى له من لقائه
ببشار الأسد، كان كافيا لإسقاط ما تبقى منه في أعين من لا زالوا يقدرون ماضيه قبل
الانقلاب.
أما الدكتور محمد البرادعي، فرغم
استقالته يوم الفض، وهو ما لا يعفيه عن المسؤولية التامة، لأن الاستقالة جرت بعد
الفض بساعات، وإن أعذر عن الفض، فإنه لا يعذر ـ وقد كان نائب الرئيس ـ عن مذابح
الحرس الجمهوري، والمنصة، ومذابح أخرى في مناطق مختلفة، تمت وهو في السلطة، ورغم
مواقفه تلك، لمجرد رفضه فض رابعة، نالت منه ألسنة السلطة، وخونته، ولا تزال كلما
جرى ذكره على الألسنة، أو غرد على تويتر، إلا وأشبعوه اتهامات وإساءات لا حدود لها.
ليس ما ذكرناه عن شركاء الانقلاب من
قبيل الشماتة، بل من قبيل العبرة والعظة، أن الغدر وأهله، لا يرعون موقفا لمن
يشاركهم فيه، بل إنه يظل بداخلهم دافع للانتقام وإنهاء من وقف معهم، لأنه يذكرهم دوما
بفضله عليهم في هذه الغدرة، فضلا عن عقاب الله تعالى لكل من شارك في مثل هذه
الجرائم، بأي مستوى من المشاركة.
[email protected]