تم استدعاء الشيخ مصطفى العدوي الداعية
السلفي المعروف للتحقيق معه، ثم بعد ساعات من استدعائه تم الإفراج عنه بكفالة عشرة
آلاف جنيه، على ذمة القضية التي استدعي لأجلها، والاتهام الموجه له ـ كما ذكر موقع
جريدة الشروق
المصرية ـ أنه صرح بتصريحات متعلقة بحكم زيارة
المتحف المصري الكبير،
والذي تم افتتاحه منذ بضعة أيام.
ما قاله العدوي سواء اتفقت معه أو اختلفت،
هو مجرد
رأي، فقد طالب من يزور المتاحف المصرية، أن تكون نيته الاتعاظ، وألا تكون
نيته التعظيم، لأن من هؤلاء من كان كافرا بالله، متجاوزا حد التجبر والطغيان،
ومنهم من كان مدعيا للألوهية.
وبغض النظر عن كلام العدوي، هل يصح فقها أم
لا، وهل تتفق معه أم لا؟ لكنه لم يكن رأيا متطرفا، ولم يطالب بتحطيم هذه
التماثيل،
بل أجاز الزيارة والمشاهدة، من باب نيل العظة، وهو كلام علمي يقبل كرأي، وهو
بالنسبة لأتباع هذا التيار الفكري هو رأي
متقدم، وشديد الاعتدال.
ردود الأفعال التي واكبت استدعاء العدوي ثم
إقصاؤه، تستوجب وقفة، لأنها كانت كاشفة لعدة جهات. فقد كشفت أن هذه السلطة والتي
ظلما ظن أتباعها أنها بلغت أوج القوة والسيطرة، تأتي الأحداث لتكشف هشاشتها، فماذا
يمثل خطاب العدو يمن تهديد، وهو يتحدث على اليوتيوب، وليس له قناة فضائية كبرى،
وهذا النظام صادر كل القنوات الدينية وغيرها، وأصبحت تابعة للمخابرات، ومع ذلك تظل
المنصات الشخصية والمستقلة التي يطل منها بعض الدعاة ذات تأثير أقوى وأكبر.
بغض النظر عن كلام العدوي، هل يصح فقها أم لا، وهل تتفق معه أم لا؟ لكنه لم يكن رأيا متطرفا، ولم يطالب بتحطيم هذه التماثيل، بل أجاز الزيارة والمشاهدة، من باب نيل العظة، وهو كلام علمي يقبل كرأي، وهو بالنسبة لأتباع هذا التيار الفكري هو رأي متقدم، وشديد الاعتدال.
بل بلغ من ضعف هذه السلطة، أن فوجئ الناس
بأن قناة العدوي على اليوتيوب، والتي كانت معظمها فيديوهات متعلقة بفتاوى عن
العبادات، والمعاملات، وندر أن تتعرض لأمر سياسي، وأقصى ما تتعرض له ربما قضية
غزة، وما يجري على أرضها، ومع ذلك فوجئ الناس بحذف كل الفيديوهات التي على القناة،
ولا ندري هل قام الأمن بذلك عند استدعاء العدوي، أم قام بذلك ابنه، أم الشيخ نفسه،
وأن ذلك جاء عبر ضغوط، فليس من السهل على من يقوم بهذا الجهد أن يحذفه من نفسه،
فهو يمثل لصاحبه قيمة يصعب التفريط فيها.
وكان استدعاء العدوي، وحذف فيديوهاته، ومن
قبل منعه من الفتوى، كاشفا لفئة تمثل شريحة مشايخ السلطة، من ذوي التوجه الصوفي،
أو التوجه السلطوي، من أتباع الشيخ علي جمعة وغيره، فكم الشماتة التي كانت على
صفحاتهم على الفيس بوك، كاشفة لمستوى قميء من التعامل، ومن استعداء السلطة للتنكيل
بمن يخالفونهم الرأي.
وقد هاجوا وماجوا بحجة الدفاع عن تراث مصر،
وهو تماثيل الفراعنة، وهو ما جعل أسامة الأزهري وزير الأوقاف يعلو في تطبيله
للسيسي والسلطة، فيصف الفراعنة بأنهم كانوا مؤمنين، وأن فرعون موسى عليه السلام،
لم يكن مصريا، لأن الشعب المصري طوال عمره يقدر مقام الألوهية، كل ذلك جاء في سياق
الدفاع عن المتحف الوطني، والرد على الرافضين لهذا الحفل، بدعوى أنهم ليسوا
وطنيين، وليسوا محبين للتراث.
وهم أنفسهم الذين يدعون التصوف، لم ينبسوا
ببنت شفة، حين قام السيسي بهدم قبور الأولياء والصالحين والعلماء في مدافن مصر
الفاطمية، كالعز بن عبد السلام، وعالم القراءات ورش، وغيرهم من العلماء والأولياء،
فاشتد نكيرهم على رافضي تراث الفراعنة، بينما الصمت عمن أزال وعبث بقبور الأولياء،
ولو كان هادم هذه القبور سلفيا أو إخوانيا أو معارضا للسيسي، لهاجوا وماجوا، وظلوا
يشهرون في وجهه حديث: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب.
بل إن دار الإفتاء المصرية كان لها فتوى
تحكم بأن من يهدم هذه القبور، فليأذن بحرب من الله ورسوله، ولينتظر عظيم عقاب
الله، ولما قام السيسي بهدم المقابر صمتت دار الإفتاء، بل قامت بحذف الفتوى من
أرشيفها، رغم أنها موجودة في الكتب التي طبعت عن الدار.
كان استدعاء العدوي، وحذف فيديوهاته، ومن قبل منعه من الفتوى، كاشفا لفئة تمثل شريحة مشايخ السلطة، من ذوي التوجه الصوفي، أو التوجه السلطوي، من أتباع الشيخ علي جمعة وغيره، فكم الشماتة التي كانت على صفحاتهم على الفيس بوك، كاشفة لمستوى قميء من التعامل، ومن استعداء السلطة للتنكيل بمن يخالفونهم الرأي.
الجهة الثالثة التي تعرت تماما، وانكشف
أمرها، في قضية استدعاء الشيخ مصطفى العدوي، هم مدعو التنوير، الذين إذا قام أحدهم
بالهجوم على الثوابت، وتم استدعاؤه، أو مطالب بمنع برنامجه، يخرج هؤلاء باسم
الدفاع عن حرية الرأي، ولم نر لهؤلاء أي كلمة تعطي الحق للعدوي في أن يخالف ما
يتجهون إليه، أو يقول رأيا لا يعجب السلطة، ولو لم يكن قاصدا لذلك، فتنادي بحقه في
عدم المساس به، أو مصادرة منبره، أو مسح فيديوهاته.
بل على النقيض رأينا تحريضا على الرجل،
وشماتة فيما يحدث معه، وأن على السلطة أن تكمل على بقية هؤلاء المشايخ، ولا تترك
أحدا منهم، دون استدعاء وإقصاء، وكثير من الأحداث يكشفهم، بأنهم أدعياء لا أصلاء
في دعوى التنوير والتجديد، فالموقف من حماية الحريات الفكرية لا يكون بحرية النيل
من الثوابت الدينية، بينما يحرضون على من يخالف توجههم.
كنا نشكو من قبل من العنف اللفظي الذي
يمارسه غلاة السلفية، سواء على الأزهريين والصوفية والإخوان، ولما ضعفت حالة
السلفية، وأصبحت الصوفية الآن مدعومة من السلطة، ومدعومة من الإمارات، تحول غلاة
الصوفية إلى نفس الموضع، بممارسة العنف اللفظي، والتحريض على مخالفيهم، سواء كان
المخالف سلفيا أو إخوانيا، أو أزهريا لكنه ليس على نهج التصوف السلطوي، وكأن أقدار
الناس أن تنتقل من غلو إلى غلو، ومن تحريض لتحريض، في ظل غياب الخطاب الوسطي،
والمؤسسات التي ترعاه.
[email protected]