قضايا وآراء

المستعمرات الصهيونية وسياسة تعطيش الفلسطينيين

نبيل السهلي
العطش يتهدد الفلسطينيين بسبب سياسات الاحتلال.. (الأناضول)
العطش يتهدد الفلسطينيين بسبب سياسات الاحتلال.. (الأناضول)
في الوقت الذي تستمر فيه الدولة المارقة "إسرائيل" على مدار الساعة بمصادرة أراضي الفلسطينيين وبناء المستعمرات عليها وكذلك الجدار العازل الذي يعتبر أكبر وأخطر معلم استعماري احتلالي؛ استصدرت السلطات الإسرائيلية عشرات القرارات الجائرة بعد عام 1967، بغية التمدد المائي في عمق الضفة الغربية، ومن أهم تلك القرارات، القرار العسكري الإسرائيلي الصادر في السابع من يونيو/ حزيران من العام المذكور والذي يقضي بالسيطرة على جميع مصادر المياه الموجودة، واعتبار تلك المصادر ملكاً للدولة المارقة وللمؤسسات ذات الصلة.

تعطيش الفلسطينيين

بعد احتلال باقي الأراضي الفلسطينية في الخامس من حزيران / يونيو 1967، تم إصدار أوامر لاحقة من قبل السلطات الإسرائيلية تم من خلالها التحكم بجميع مصادر المياه الفلسطينية بشكل فعلي، وكانت البداية بمنع تراخيص خاصة بحفر آبار جديدة من قبل الفلسطينيين أو إصلاح القديم منها، وقد أدى ذلك إلى السيطرة على نسبة كبيرة من حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في الضفة الغربية.

وتبعاً لذلك باتت قضية نقص المياه في الأراضي الفلسطينية مع زحف الجدار في عمق تلك الأراضي تنذر بأزمة حقيقية وخطر كبير على مستقبل حياة الفلسطينيين ونشاطهم الزراعي والاقتصاد الفلسطيني الأسير بشكل عام، الأمر الذي سيؤدي إلى تهميش دور القطاع الزراعي الفلسطيني وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم ظاهرة الفقر المدقع التي يعاني منها في الأساس نحو 60 بالمئة من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية كنتيجة مباشرة لإلحاق الاقتصاد الفلسطيني لخدمة الاقتصاد الصهيوني.

تبعاً للسياسات المائية الإسرائيلية بات شبح العطش والجوع يلوح في الأفق بين الفلسطينيين، في وقت أدارت فيه إسرائيل ظهرها لكافة القرارات والاتفاقيات الدولية وفي المقدمة منها اتفاقية جنيف لعام 1949
وتكثف اللجان الإسرائيلية المسؤولة عن المياه نشاطها لنهب مزيد من المياه في الضفة الغربية، حيث يندرج النشاط المذكور ضمن سياسة إستراتيجية لا تنفصل عن السياسة الاستعمارية الإسرائيلية الهادفة إلى بسط السيطرة على أكبر مساحة من الأرض وعلى كافة مصادر المياه وأقل عدد من السكان الفلسطينيين. وعلى الرغم من ندرة المياه في فلسطين بشكل عام مقارنة بالنمو السكاني المرتفع فإن أزمة المياه بين الفلسطينيين أخذت منحى خطيرا بعد عام 1967، واتسعت الأزمة المائية لتشمل عدداً من الدول العربية، خاصة بعد سيطرة إسرائيل على مياه نهر الأردن والحاصباني وغيره، وفي سوريا بانياس وجبل الشيخ الذي يعتبر أبا المياه، كما سيطرت على جميع الأحواض المائية في فلسطين.

حقائق صادمة

استطاعت السلطات الإسرائيلية عبر مخططات وسياسات دؤوبة بناء 176 مستعمرة احتلالية في الضفة الغربية بما فيها 26 مستعمرة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة عام 1967 حيث يتركز في تلك المستعمرات نحو 727 ألف مستعمر صهيوني خلال العام 2023، جنباً إلى جنب مع  السيطرة على 81 في المائة من حجم مصادر المياه الفلسطينية خلال الفترة (1967 ـ 2023)، حيث تشير معطيات  إلى أن حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في المنطقتين تصل إلى نحو (750) مليون متر مكعب سنوياً.

وعلى الرغم من وجود اتفاقية حول تحويل إسرائيل لثمانين مليون متر مكعب من المياه في السنة للفلسطينيين، لكن السلطات الإسرائيلية تنصلت منها؛ ومع الارتفاع المستمر لمجموع سكان الضفة والقطاع الذي وصل إلى أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون فلسطيني خلال العام الحالي عام 2023، سيزداد الطلب على المياه، لكن من الواضح أن المشكلة المائية ستكون بوتائر عالية في قطاع غزة، نظراً للكثافة السكانية والمساحة الضيقة التي لا تزيد عن 364 كليومتراً مربعاً.

أدت الأوضاع التي خلفتها سياسات الاحتلال الإسرائيلي المائية إلى حدوث مشكلة صحية بسبب تلوث مصادر المياه نتيجة للسحب الزائد للمياه الذي يؤدي إلى دخول المياه العادمة إلى المياه المستعملة. وستستمر إسرائيل في مخططاتها من أجل السيطرة على مزيد من مياه المنطقة العربية، حيث تشير الدراسات إلى أن إسرائيل تستهلك حالياً أكثر من 90 في المائة من المياه المتجددة سنوياً لأغراض الاستهلاك المختلفة المنزلية والزراعية والصناعية.

وفي ضوء احتمال اجتذاب أعداد محتملة من المهاجرين اليهود في السنوات القادمة وزيادة الطلب على المياه، من المقدر أن ترتفع نسبة العجز المائي الإسرائيلي لتصل إلى مليار متر مكعب سنوياً، وبالتالي ستبحث إسرائيل عن خيارات للسيطرة على مصادر مائية عربية لتلبية حاجاتها المائية.

وتبعاً للسياسات المائية الإسرائيلية بات شبح العطش والجوع يلوح في الأفق بين الفلسطينيين، في وقت أدارت فيه إسرائيل ظهرها لكافة القرارات والاتفاقيات الدولية وفي المقدمة منها اتفاقية جنيف لعام 1949، ونتيجة لذلك بات المستعمر الإسرائيلي في الضفة الغربية يستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني صاحب الأرض.

واللافت أن الدولة المارقة إسرائيل تعتمد سياسات ممنهجة لفرض الأمر الواقع التهويدي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك عبر احتلال مزيد من الأرض وبناء المستعمرات عليها وجذب المهاجرين اليهود إليها عبر إغراءات مالية سخية وجعل البنى التحتية نموذجية في المستعمرات بالاعتماد على مياه الفلسطينيين لتخديم تلك المستعمرات وتعطيش الفلسطينيين بغرض إبعادهم عن أراضيهم للإخلال بالميزان الديموغرافي لصالح الصهاينة في نهاية المطاف.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
التعليقات (0)