الظاهرة الإسلامية السياسية ماضيا وحاضرا.. دراسات في تعرية الاستشراق

الكتاب: "أزمنة التاريخ: مباحث في كتابة التاريخ الإسلامي"
المؤلف: عزيز العظمة (ترجمة: علي الرضا خليل رزق)
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، الطبعة الأولى، أبريل 2020.

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن سلسلة ترجمان، كتاب "أزمنة التاريخ: مباحث في كتابة التاريخ الإسلامي"، وهو ترجمة علي الرضا خليل رزق، العربية، لكتاب د.عزيز العظمة " The Times of History: Universal Topics in Islamic Historiography".

د. عزيز العظمة هو كاتب ومفكر سوري، حاز الدكتوراه في الدراسات الشرقية (العلوم الإسلامية) من جامعة أكسفورد. درّس في عدد من الجامعات العربية، والأميركية، والبريطانية المرموقة، وحاز وسام الاستحقاق الجمهوري التونسي لخدماته في مجال الثقافة العربية. من مؤلفاته: ابن خلدون في البحث الأكاديمي الحديث (1990)؛ العلمانية من منظور مختلف (2008)؛ ظهور الإسلام في أواخر العصور القديمة  (2014).

أما المترجم علي الرضا خليل رزق، فحائز على درجة الماجيستير في اللغة العربيّة وآدابها (2014)، من الجامعة الأمريكيّة في بيروت. عمل مساعدًا بحثيًّا في عددٍ من المشاريع الدراسيّة عن التربية والتعليم عند المسلمين.

جاء الكتاب في 516 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا، من ثمانية فصول في أربعة أقسام، بالإضافة إلى مقدمة كتبها المؤرخ الأمريكي المعاصر، والأستاذ الفخري في جامعة كاليفورنيا، هايدن وايت.

في هذا الكتاب، يتطرق د. العظمة إلى تاريخ الشرق الأدنى، والتدين الإسلامي، والمشاكل التي يثيرها الجهد الرامي إلى تحديد طبيعة "الإسلام"، من خلال مجموعة من المقالات، اعتبرها د. هايدن وايت "شرح علمي مهول، مدعم بالشواهد، ومبرهن ببراعة عن علاقة الكتابة التاريخية النقدية الحديثة بالفهم الخاطئ السائد عن الشرق الأوسط الحديث" ص (10).

ارتبطت المشاغل الرئيسية، في هذا الكتاب، ارتباطًا جوهريًا بالأسئلة المتعلقة بتشكيل المقولات التاريخية بشكل عام، وبمواضيع البحث التاريخي بشكل خاص، وذلك ارتباطًا بأزمنة التاريخ: العلاقة بين الحاضر والماضي، ومعاني الزمنية، وجوانب التحقيب التاريخية، ومفاهيم الاستمرار والأصل، وممارسة التأريخ والكتابة التاريخية.

اقترح، العظمة، في هذا الكتاب، منهجًا تاريخيًا علميًا حديثًا، يختلف كليًا عن المذهب التاريخي الشاعري والتعاطفي الذي ساد في العصر الرومانسي. حيث ارتكزت مقاربته الخاصة في دراسة الشرق الأوسط على التمييز بين المفاهيم التي تم التواضع عليها في كتابة التاريخ، واستقت أسسها من القرن التاسع عشر، والمناهج التاريخية البنيوية التي قدمتها جماعة الحوليات الفرنسية (حلقة تضم دارسين فرنسيين اهتموا بدراسة التاريخ في فترة ما قبل الثورة الفرنسية) بعد الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى.

اشتمل، الكتاب، على مجموعة مقالات، نشرت سابقًا في العقد الممتد بين عامي 1994 ـ 2005، تناولت الزمان، والزمانية في تواريخ العرب والمسلمين، وغيرهم في مفاهيمها، وحقائقها التاريخية، على نحو يعالج التاريخ الواقعي، والخطاب التاريخي معًا، في سياق علاقاتهما الفعلية والوهمية بالحاضر، وذلك في الثقافات العربية والأوروبية.

سعى، الكاتب، من خلال هذه المقالات، إلى فك الغربة مع المواد التاريخية، التي تلقي بثقلها على التاريخ الإسلامي، بالصورة التي جرى فهمه بوصفه مقولة تصنيفية تأريخية، ومسمى يمثل مسارًا تاريخيًا شديد النمذجة.

جاء القسم الأول تحت عنوان، تصنيف تاريخي، وضم فصلين، اهتم، الأول، بدراسة مجازات الرومانسية التأريخية وزمنيتها، الحديثة والإسلامية، وفيه عرض، المؤلف، ثلاث محطات للنظرة الجوهرية عن التاريخ: الرومانسية المحدَثة وما بعد الحداثية، والإحيائية والقومية الثقافية، والرمزية.

اقترح، العظمة، في الفصل الثاني، الإسلام وتاريخ الحضارات، أن تصاغ تفسيرات الظاهرة الإسلامية السياسية ماضيًا، وحاضرًا بلغة أزمنتها، وأمكنتها، بعيدًا عن توظيف أنماط ثقافية ملزمة. وبدأ، الفصل، بنقاش حول مفهوم الحضارة، تلاه محور حول التصور المسبق للإسلام.

ضم القسم الثاني "الزمن الرمزي والتنميط والاستحواذ على الماضي"، فصلين، قدم، الفصل الثالث، عناصر لنظرية عامة من التراث في خطاب شرعي، وجاء تحت عنوان "الخطاب الملتهم للزمن: دراسة في الاستيلاء الكهنوتي ـ الشرعي على العالم"، أما الفصل الرابع، فقد اهتم بدراسة النصوص الإسلامية التأسيسية منذ العصور القديمة المتأخرة وصولًا إلى عصر الحداثة.

أما القسم الثالث "تاريخ المستقبل"،  فضم فصلان، أيضًا، جاء الفصل الخامس بعنوان "القياس الإلهي للوقت والزمن المتبدد"، فيما تناول الفصل السادس موضوع  "بلاغيات الخطاب الحسي".

تحت عنوان "ارتباكات الإلهام التاريخي: مآزق تاريخ المؤرخين ومنظوراته"، جاء القسم الرابع. في الفصل السابع، "الفكر السياسي الإسلامي: التأريخ المعاصر وإطار التاريخ" نظر، العظمة، في موضوع نمذجة التاريخ بالرجوع إلى المنهج البحثي الحديث. فيما قدم، الكاتب، في الفصل الثامن"الملكية التوحيدية"  عناصر لتاريخ موضوع محدد، ألا وهو التصورات الملكية التوحيدية في فضاء الحقبة المتأخرة من العصور القديمة (الجاهلية) وتاريخ الخلافة الإسلامية، وذلك بطريقة تطمح إلى التغلب على جملة من الصعوبات التي اعترت الرؤى والتصورات الناشئة عن أفكار متسرعة من فصام الشرق والغرب.

مثل، هذا الكتاب، إسهامًا فريدًا في الكتابة المعاصرة للتاريخ وفلسفة التاريخ، أنه ينخرط مباشرة في النقاشات الأساسية حول كتابة التاريخ، في السنوات العشرين الماضية، وهو لا يقوم بهذا بصورة مجردة أو نظرية فحسب، بل بشكل عملي، أيضًا، من خلال تطبيق مبادئه النقدية على مجموعة محددة من الكتابات التي تبحث في المجتمعات، والأديان، والثقافات المختلفة التي تشكل الثقافة العربية.

درس، العظمة، من زوايا موضوعاتية ومفهومية متعددة، مسألة التحقيب وارتباطها بمسألة التصنيف التاريخي، وهو الموضوع الذي يرتبط بشدة باستعملات الماضي، ونمذجة العلاقات الزمنية، وتصورات الاستمرار(التي يجدر بها ألا تختلط بمسألة الهوية) والانفصال، والأهم من ذلك كله هو تحديد مفهوم التراث بشكل عام.

ثمة بعض الملاحظات، على الكتاب، تتعلق بصعوبة الألفاظ والمصطلحات، وكثرتها دون تفسيرها، ما يجعل قراءة الكتاب صعبة لغير المختصين، كما أن الترجمة لم تكن سلسة في معظم أجزاء الكتاب. فضلًا عن أن كل فصل لم يكن نتيجة لما قبله ومقدمة لما بعده.

في النهاية، يمكن النظر إلى، هذا الكتاب، بوصفه إسهامًا عظيمًا في المشروع الذي أشاعه الراحل إدوارد سعيد لتفجير أسطورة "الاستشراق"؛ لكن وايت، يرى أن، هذا الكتاب، أبعد من مجرد إكمال مشروع سعيد الفكري، أو توسيعه. ويرجع، وايت، السبب إلى أن سعيد، على الرغم من مكانته العلمية، لم يكن يمتلك العدة البحثة اللازمة لتعرية الاستشراق، وإن كان قد أحسن تقديمه بوصفه منتجًا لجهد سعى إلى تقديم تبرير أيديولوجي ل "تعدي" الغرب على نحو ربع سكان العالم. "لقد كان مشروع، سعيد، ذا حساسية أدبية، ولم يكن مدركًا لتاريخ هذه القطعة من العالم". ص (14)

وبعد، فقد مثل، هذا الكتاب، إسهامًا فريدًا في الكتابة المعاصرة للتاريخ وفلسفة التاريخ، أنه ينخرط مباشرة في النقاشات الأساسية حول كتابة التاريخ، في السنوات العشرين الماضية، وهو لا يقوم بهذا بصورة مجردة أو نظرية فحسب، بل بشكل عملي، أيضًا، من خلال تطبيق مبادئه النقدية على مجموعة محددة من الكتابات التي تبحث في المجتمعات، والأديان، والثقافات المختلفة التي تشكل الثقافة العربية.