قضايا وآراء

العشرية السوداء.. من "شبه الدولة" إلى "اللا-دولة" (14)

حمزة زوبع
صفحة الرئاسة على فيسبوك
صفحة الرئاسة على فيسبوك
للدولة تعريفات عدة تكاد تكون جميعها متفقة على ثلاثة عناصر رئيسية، وهي الأرض أو الجغرافيا والناس، أي الشعب الذي يعيش فوق هذه الأرض وطريقة الحكم أو النظام السياسي. ومن بين التعريفات التي أدرجها موقع الموسوعة السياسية نجد تعريف المفكر الألماني ماكس فيبر (Max Weber)، إذ عرَّفها بأنها منظمة سياسية إلزامية مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار معين الأراضي، كما عرَّفت موسوعة لاروس (Larousse) الفرنسية الدولة بأنها: "مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة"، بالطبع هناك إضافة جديدة تتعلق بالاعتراف الدولي بهذه الدولة كشرط لتعامل دول العالم معها.

أما الحكومة أو السلطة الحاكمة فهي بمثابة مدير عام أو عضو منتدب من الشعب لإدارة أصول وموارد وممتلكات هذه الدولة، وتسيير دولاب العمل بها على النحو الذي يؤدي به الخدمات المطلوبة للشعب وهو المكون الأساس للدولة، فما الذي جرى في جمهوريات الضباط وحكم العسكر والجنرالات؟

تحولت الدولة بما فيها الأرض والفضاء والبحار والمحيطات والشعب والنظام السياسي إلى شيء واحد، فالحاكم هو الدولة والدولة هي الحاكم كما قال لويس الرابع عشر "أنا الدولة والدولة أنا" (l’etat c’est moi).

بدأ السيسي عشريته السوداء بتصور مختلف عن الدولة في تعريفها وتطبيقاتها السياسية إذ أنه قال ذات مرة وبوضوح إنه لا فرق بين السلطة والدولة وأن الدولة هي السلطة والسلطة هي الدولة، وكأنه يقول إن الذين يفرقون بين السلطة الحاكمة التي هي أنا وبين الدولة أناس فوضويون، ساعده على هذا الفهم ما تم حشو رأسه به من نماذج الحكم المستبدة في ثلاث دول، وهي سنغافورة وتشيلي والبرتغال أيام الطاغية انطونيو سالازار.

بدأ السيسي عشريته السوداء بتصور مختلف عن الدولة في تعريفها وتطبيقاتها السياسية إذ أنه قال ذات مرة وبوضوح إنه لا فرق بين السلطة والدولة وأن الدولة هي السلطة والسلطة هي الدولة

يرى المعتز بالله عبد الفتاح، الذي يعتبر المنظر الفكري والسياسي للسيسي، أنه ينبغي عدم التفكير في أي شيء قبل استقرار الدولة والحفاظ عليها. وفي مقال له بعنوان "معنى قول السيسي تثبيت أركان الدولة" نشر في صحيفة الوطن المصرية بتاريخ 10 نيسان/ أبريل 2015 أي بعد شهور من تسلم السيسي للسلطة، كتب يقول: "كتبت من قبل عن ثلاثة فلاسفة كبار: هوبز ولوك وميل، وهؤلاء الثلاثة مرتبطون بفكرة أن السياسة في أهم معانيها هي التوفيق بين الأهداف المتعارضة وليس المفاضلة بينها، لذا تسعى الدول للتوفيق بين وحدة الدولة وسيادتها واستمرارها، ثم بناء مؤسسات الدولة التي تضمن تحقيق الهدف السابق وتحقيق الهدف اللاحق وهو: الحفاظ على حريات وحقوق مواطنيها المادية والمعنوية".

ثم يضيف موضحا ما يقصده وما سوف يسير السيسي على هديه: "أولاً أبدأ بالكابتن هوبز، وهو فيلسوف كبير تنسب إليه فكرة "الدولة التنين"، أي الدولة القمعية التي يبررها شيء واحد، هو أن البديل هو حرب الجميع ضد الجميع". فالدولة التنين هي الدولة القمعية أو المستبدة، وهنا يستخدم أستاذ العلوم السياسية معتز بالله عبد الفتاح مفردة الدولة وليس السلطة بعدما أدمجهما معا؛ ربما إرضاء لمزاج الجنرال ورغبته في عدم الفصل العضوي بين السلطة التي من المفترض أن تكون طارئة وبين الدولة التي من الأساس هي ثابتة ومستمرة.

هذا هو الأساس الذي بنى عليه السيسي فكرته عن الدولة، واعتبر كل تفريق بين الدولة والسلطة أو الدولة والنظام وتحديدا رأس السلطة مخالفة لمفهوم الدولة وضارا باستقرارها وخطرا على استمراريتها على قيد الحياة. وقد صرح السيسي بذلك علانية معتبرا أن هذا خطر كبير وعظيم (أي التفريق بين الدولة والنظام)، كما استخدم فوبيا إسقاط الدولة للتخويف من إسقاط النظام نفسه قبيل حملة التجديد له لولاية ثانية.

تأرجح تعريف الدولة وتصنيفها عند الجنرال السيسي مرارا وتكرارا لكنه ظل متمسكا بفكرة الربط بين وجوده واستمراريته في الحكم وبين استقرار واستمرار الدولة

تأرجح تعريف الدولة وتصنيفها عند الجنرال السيسي مرارا وتكرارا لكنه ظل متمسكا بفكرة الربط بين وجوده واستمراريته في الحكم وبين استقرار واستمرار الدولة، حتى أن معتز بالله عبد الفتاح قال قبيل التجديد للسيسي في 2018 إن بطن البلد مفتوحة والسيسي يجب أن يكمل مسيرته من أجل غلق هذه المشاريع التي شبهها ببطن الدولة المفتوحة، وبهذه المناسبة فقد اقترح معتز بالله تغيير الدستور حتى يتمكن السيسي من استكمال عملية الجراحة في البلد وتعديل فترة الحكم لست سنوات، وقد كان بالفعل.

يعتقد السيسي أن الشعب المصري شعب متمرد وأنه لا بد من استخدام القوة في مواجهة الخروج على السلطة باعتباره خروجا على الدولة، وأنه يجب وضع كل من يعارض النظام في قفص أعداء الدولة وعدم التمييز بينهم ولا التفريق في المعاملة، فلا سياسة ولا معارضة بل تطرف وإرهاب وعنف يجب مواجهته بالعنف والقوة الغاشمة، وهي الكلمة المفضلة لدى السيسي تجاه الداخل ولكنه يتحاشاها حين الحديث عن كيفية مواجهة خطر سد النهضة أو الدفاع عن اختراق الحدود من هنا أو هناك.

كما يحلو للسيسي التخويف من أي تحرك ضد سلطته باعتبار أن أي تحرك (مظاهرات مثلا أو التغيير عبر الانتخابات) سيواجه باستخدام الجيش الذي وصفه بأنه يستطيع أن يفرد خلال ست ساعات ويغطي كل مصر، وليس على الحدود أو لمواجهة أي عدو خارجي كما جرى من أسر لجنودنا في السودان مؤخرا. ويرى السيسي أن العدو داخلي دائما، وهذا إرث ورثه السيسي عن المشير طنطاوي الذي أذعت له مقطعا في برنامجي (مع زوبع) وهو يتحدث عن خطورة العدو الداخلي الذي يعمل لمصلحة نفسه ووصفه بأنه خائن وأخطر من عدو الداخل، وقال إحنا جاهزين للتدخل في أي وقت.

عمد السيسي منذ اللحظة الأولى إلى جمع كل السلطات في يده بدءا من السيطرة على اختيار واستمرار القيادات العليا للقوات المسلحة، مرورا بالقيادات الوسطى وانتهاء بالإشراف المباشر على اختبارات دخول الكليات العسكرية وحتى غير العسكرية كما فعل في اختبارات العاملين بوزارة النقل ووزارة التربية والتعليم.

لا يكتفي السيسي بالسيطرة على المؤسسات الأمنية والعسكرية بل يحرص على إحكام قبضته حول المؤسسات الاستخباراتية، وعلى رأسها المخابرات العامة التي وضع على رأسها مدير مكتبه السابق عباس كامل وزرع في داخلها اثنين من أبنائه وهما محمود وحسن، والأول يتمتع بصلاحيات وعلاقة مع بعض دول الجوار وعلى رأسها الكيان الصهيوني كما نشرت بعض الصحف، كما وضع ثالث أبنائه (مصطفى) في أحد أهم الأجهزة الرقابية وهو الرقابة الإدارية التي يتمتع العاملون فيها بالضبطية القضائية وصلاحيات واسعة. 

بالنسبة للعلاقات العسكرية الخارجية، يفرض السيسي هيمنته ويمنع منعا باتا تواصل أي قيادة عسكرية مصرية مع الولايات المتحدة ولا دول الخليج، وخصوصا الإمارات والسعودية، وذلك خشية التآمر عليه كما فعل هو مع الرئيس الشهيد محمد مرسي وكما فعل وزير دفاعه الحالي (محمد زكي) حين كان رئيسا للحرس الجمهوري مع الرئيس الشهيد محمد مرسي أيضا، كما يهدف السيسي من هذه القبضة السيطرة على عمولات السلاح.

لا يقيم السيسي وزنا للدستور المصري ويرى أنه كُتب بحسن نية رغم أن من كتبوا دستور 2012 كانوا نخبة منتقاة من خيرة أبناء الوطن، ورغم أن لجنة الخمسين من أبرز مؤيدي الانقلاب قامت بتعديله في 2014 إلا أن السيسي قام بتعديل الدستور في 2019، لكي يستمر في السلطة حتى 2030، وهو يسعى الآن حسب التقارير لكي يقوم بتعديلات جديدة.

وحتى دستور 2014 الذي جاء بالسيسي لم يحترمه في تطبيق ما نصت عليه مواده فيما يتعلق بحصانة منصب وزير الدفاع التي صيغت من أجله، فبعد ترشحه للرئاسة قام بتغيير وزير الدفاع، رفيق دربه والأقدم منه في الترتيب العسكري صدقي صبحي، كما أنه ضرب بالدستور عرض الحائط فيما يتعلق بميزانيات الصحة والتعليم ولم ينفق على هذين القطاعين الحيويين ما نص عليه الدستور من نسب وهي 3 و4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، بينما أطلق يد الجيش ومؤسساته للإنفاق بدون رقيب أو حسيب، حتى أطلق بعض الباحثين مصطلح جمهورية الضباط على النظام الحاكم في مصر ووصْفها بأنها فوق الدولة، وبالتالي تم تقزيم الدولة الحقيقية لصالح جمهورية الضباط الجديدة.

يرى السيسي الدولة في السلطة، ويرى السلطة في الدولة والاثنان توأم ملتصق لا يجب فصله عن الآخر، وهو يقول وبكل صراحة إن كلامه فوق كل كلام وصوته يعلو فوق كل صوت

حين وقع السيسي اتفاقية المياه في الخرطوم عام 2015 لم يكن التوقيع بهدف حماية مياهنا في النيل ولم يتم عرض ما وقع عليه على مجلس الشعب أو البرلمان، بل قام متطوعا بمحاولة لتقديم نفسه على أنه رجل سلام، قافزا على حقوق مصر التاريخية واحتياجاتها المتزايدة للمياه من أجل أن تصفق له أفريقيا، وقد فعل واستفادت إثيوبيا ولم تستفد مصر ولم تنجح مصر في وقف بناء السد وملء الخزانات رغم لجوئها للأمم المتحدة والدول الكبرى والدول الخليجية الممولة للسد. لم يستشر السيسي أحدا في مؤسسات الدولة لأنه لا يرى تلك الدولة التي نراها جميعا، بل يرى دولته هو التي يحلم بها وهي دولة الفرد الواحد الذي اجتمعت فيه الجغرافيا والحكمة والسلطة والقوة والموارد والشعب، واتخاذ القرارات المهمة دون استطلاع والبدء في تنفيذ مشاريع دون دراسات جدوى كما هو متعارف عليه. شاهد توقيع السيسي على اتفاقية التفريط في مياه النيل.

يرى السيسي الدولة في السلطة، ويرى السلطة في الدولة والاثنان توأم ملتصق لا يجب فصله عن الآخر، وهو يقول وبكل صراحة إن كلامه فوق كل كلام وصوته يعلو فوق كل صوت (ما تسمعوش كلام حد غيري أنا). وفي معرض حديثه عن بيع جزيرتي تيران وصنافير اللتين حكمت المحكمة المصرية بمصريتهما استعان السيسي بمقولة لأمه ونصيحة منها: "أمي قالت لي ما تخدش حاجة مش بتاعتك"، وذلك عوضا عن الاستعانة بكلام الخبراء، ورفض السيسي ذلك الحكم تماما كما رفض تطبيق أحكام الدستور على النحو الذي أسلفته، وهي جريمة يعاقب عليها الدستور والقانون ولكن كليهما تحت قدميه منذ اعتلائه السلطة.

في يوم 5 أيار/ مايو 2016 خرج السيسي عن الورقة المكتوبة وقال للشعب بمنتهى الاستخفاف: "احنا مش في دولة حقيقية خللوا بالكم، طلوا (انظروا) على بلدكم، صحيح دي أشباه دولة مش دولة حقيقية بنتكلم عن دولة قانون دولة مؤسسات دولة بتحترم نفسها والعالم بيحترمها".

لم يكن الرد على ما زعمه السيسي مقتصرا على قنوات المعارضة ولا على الأصوات المتبقية من ثورة يناير 2011، ولكن خرج كاتب معروف أنه من رجال العصر البائد عصر مبارك المخلوع، وهو محمد علي إبراهيم وكتب مقالا بعنوان "يا ريس من الذي حوّلنا لشبه دولة"، انتقد فيه السيسي. ثم اختفى (أي الكاتب) حتى توفاه الله في 2020. ومن بين ما جاء في المقال: "نعم مصر شبه دولة في عهدك لأنكم تركتم إثيوبيا تتلاعب بنا كيفما شاء لها الهوى، وتبني سدها رغما عن إرادة أكبر دولة أفريقيا بسبب الروح الانهزامية! تصريحات حكومتك.. وأحيانا سيادتك تؤكد أننا في أيدي "هواة" سياسة.. ومسؤولين تحت التمرين.. نعمل إيه.. إثيوبيا ستدير السد وحدها وترفض الآن أي تغييرات في مواصفاته أو تخزينه.. من الذي حوّلنا لشبه دولة؟!". 

لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي ينال فيها السيسي من كبرياء مصر "شبه الدولة"، بل وصلت الوقاحة مداها حين وصف الأمة المصرية بأنها أمة العَوَز (الحاجة)، بل إنه كان يرى نفسه الشخص الذي سيُخرج هذه الأمة من العوز ولكن الناس عاجلوه بالمطالبة برحيله، كما قال في ملأ من الحضور المصريين والأجانب أثناء انعقاد المؤتمر الوطني السادس للشباب في عام 2018: "لما آجي اخرجكم من العوز وأخليكم أمة ذات شأن بفضل الله سبحانه وتعالى تعملوا لي هاشتاج ارحل يا سيسي، أزعل والا مزعلش؟".

هل كان السيسي صادقا في وصفه مصر وشعبها بهذين الوصفين (شبه الدولة وأمة العوز)؟ الروائي والكاتب عز الدين فيشير يرى أن مصر شبه دولة منذ انقلاب 1952، وذكر في مقابلة مع يسري فودة في عام 2016 على القناة الألمانية دويتشة فيلة أنه "دي أول مرة رئيس مصري يقول كلام بهذه الصراحة عن الدولة المصرية، وأنا بمنتهى الصراحة وفي تقديري المتواضع أنه كلام دقيق للغاية وإن ده لب المشكلة في مصر، مصر طبعا ولو لم تكن شبه دولة ما كانتش الثورة حصلت في 2011، أنا محتاج كمواطن وكسياسي أعرف معنى الكلام ده إيه، الدولة مؤسساتها مش شغالة بالقدر اللي المفروض تشتغل به مؤسساتها بمعناها الواسع، النظام السياسي لو كان شغال ماكنش الناس تنزل الشارع من خلال النظام السياسي، لو الاقتصاد شغال مكنش ده يبقى ده الحال لو المؤسسات التعليمية لو كمؤسساتك الأمنية شغالة مكنش هيبقى فيه تعذيب ولا..". 

يترأس السيسي المجلس الأعلى للسياحة ومجلس أمناء المتحف المصري والمجلس الأعلى للاستثمار والمجلس العسكري والصناديق السيادية وميزانية الدولة عن بكرة أبيها والتسليح، ويشرف على الزكاة والعمل الخيري والمشاريع العقارية وإدارة المرور على الطريق الدائري، ويناقش المهندسين فوق الكباري والجسور وعلى الطرق العامة، كما أنه يقود حملة تجديد الخطاب الديني ويعلن أنه مسؤول عن دين المصريين والحملة على الإرهاب، ولا يسمح بالمعارضة أو إبداء الرأي كما فعل مع الأستاذ الجامعي الذي اقترح عليه ذات مرة وقف زيادة أسعار البنزين وزيادة الحد الأدنى للأجور، فقام بإهانته على الملأ (انت دارس الكلام اللي انت بتقوله)، ولم نسمع خبرا عن هذا الرجل الذي كان نائبا بالبرلمان أي ممثلا عن الشعب.
 
وتدريجيا انتقل إلى مربع جديد، وفي نهاية المطاف خلع السيسي يده من كل شيء معلنا أن بقاء الدولة المصرية أمر خارج عن السيطرة البشرية، ولكنه غير قلق على مستقبل البلد لأن الله سبحانه وتعالى مطلع علينا

في محاولة للهروب من المحاسبة يراوغ السيسي، فتارة يقول إنه درس البلد خمسين عاما- شاهد مع أنه لا يؤمن بدراسات الجدوى وتارة يقول أنا رجل مش سياسي، وتارة يحاول صرف النظر عن موقعه ومسؤوليته كرئيس دولة (والله ما أنا رئيس)، وتارة يقول إنه ليس برئيس، على طريقة معمر القذافي الذي سحله شعبه.

لا يرى السيسي في الصورة إلا نفسه ولا يسمح لأحد غيره بالظهور أو التعليق، بل يعمد إلى إهانة كبار المسؤولين في الدولة من محافظين ووزراء على الهواء مباشرة، وكذلك فعل مع شيخ الأزهر غير مرة والكل يتذكر حين عاتبه بطريقة واضحة قائلا له "تعبتني يا فضيلة الإمام".

بمرور الوقت ومع شعور السيسي بأن الأمور ذهبت في اتجاه آخر غير الذي كان يرجوه أو يتمناه أو يحلم به، وليس كما درسه لأنه لا يؤمن بالدراسات ولا بالعلم، تحرك السيسي نحو عالم الغيب وبات يكلم المصريين عن علاقته بمصر التي تحدثه وتأتيه في المنام، وعن الحكمة التي علمه الله إياها والفهم الذي نزل على قلبه (ففهمناها سليمان) والصلة التي تربطه بالسماء، وكيف أنه جاء بإرادة الله وأن لا فضل لأحد عليه ولا يستطيع أحد تغييره سوى بإرادة الله، وأن يد القدر التي تحرك الأمور ونحن لا نراها ولا نعلمها. ثم وتدريجيا انتقل إلى مربع جديد، وفي نهاية المطاف خلع السيسي يده من كل شيء معلنا أن بقاء الدولة المصرية أمر خارج عن السيطرة البشرية، ولكنه غير قلق على مستقبل البلد لأن الله سبحانه وتعالى مطلع علينا. وفي أحدث تصريحاته رفع في وجه الشعب المنديل الأبيض وهو يقول "الدولة المصرية تحتاج إلى قرار إلهي"، رغم وجوده على رأس السلطة فيها منذ عشر سنوات.
 
من شبه الدولة إلى ما يمكن تسميته اللا-دولة على الإطلاق يحاول السيسي جاهدا العبور مستخدما تعبيرات وأوصافا أكثر جاذبية، مثل الجمهورية الجديدة التي وعد بالإعلان عنها في 30 حزيران/ يونيو 2020 (هوريكم دولة تانية)، ولكن وكبقية الوعود لم يتحقق من هذه الجمهورية إلا بقاء السيسي على رأس السلطة منفردا، وكأنه مخلد أبد الدهر، وهذه هي مشكلة فرعون في الأساس، والذي انتهى به المطاف غريقا في عرض البحر بعد أن ظن أن بمقدوره العبور كما عبر موسى عليه السلام هو وقومه أمام عينيه.
التعليقات (0)