قضايا وآراء

فرص التغيير بالصندوق الانتخابي في مصر

قطب العربي
من سينافس السيسي في الانتخابات القادمة؟- جيتي
من سينافس السيسي في الانتخابات القادمة؟- جيتي
لم يكن الجنرال أوغستو بينوشيه قائد الانقلاب العسكري في تشيلي (1973-1989) يتوقع للحظة واحدة أنه يمكن أن يُهزم أمام صندوق انتخابي، بعد أن وصل إلى الحكم عبر صندوق الذخيرة، لكن هذا ما حدث فعلا حين دعا لاستفتاء عام (تشرين الأول/ أكتوبر 1988)على بقائه في الحكم تحت ضغوط محلية ودولية، وجاءت نتيجة الاستفتاء بأغلبية رافضة لاستمرار حكمه. لقد حاول تجاهل تلك النتيجة، والتمرد عليها، وحاول فرض الأحكام العرفية لكن قادة المجلس العسكري رفضوا ذلك، واعترفوا بنتيجة الاستفتاء، فما كان منه إلا قبول تسليم السلطة لرئيس منتخب بعد تسوية سياسية ضمنت له خروجا آمنا.

تجربة تشيلي ليست الوحيدة ضمن تجارب أخرى للتغيير عبر الصندوق الانتخابي، ففي آذار/ مارس من العام الماضي فاز مرشح المعارضة في كوريا الجنوبية "يون سيوك- يول بالانتخابات الرئاسية على منافسه "لي جيه ميونغ" مرشح الحزب الحاكم، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020 فاز مرشح المعارضة في سيشل وافيل رامكالاوان على رئيس البلاد، وفي أيلول/ سبتمبر 2018 فاز مرشح المعارضة في جزر المالديف، إبراهيم محمد الصولي، على الرئيس المنتهية ولايته عبد الله يمين، وفي نيسان/ أبريل 2018 فاز زعيم المعارضة في سيراليون، جوليوس مادا بيو، في جولة الإعادة على مرشح الحزب الحاكم سامورا كامارا، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 فاز الحزب الذي كانت ترأسه زعيمة المعارضة أونغ سان سوكي بالأغلبية في برلمان ميانمار لتتولى هي رئاسة الحكومة قبل أن ينقلب عليها الجيش لاحقا، وقبلها بعام واحد فاز المرشح المعارض خوان كارلوس فاريلا برئاسة بنما.

من الواضح أن قطاعات من المعارضة المصرية تستلهم تلك التجارب، وترى إمكانية التغيير عبر الصندوق الانتخابي في انتخابات 2024، وقد زاد منسوب التفاؤل لدى تلك القطاعات بعد التغيير المفاجئ في نقابة الصحفيين مؤخرا، لكن الحالة المصرية وإن تشابهت مع نظيرتها التشيلية بالذات في جانب "الحكم العسكري" إلا أنها تختلف عنها في جوانب أخرى ساهمت في إحداث التغيير عبر الصندوق
والسؤال: هل يمكن استنساخ هكذا تجارب في مصر؟

من الواضح أن قطاعات من المعارضة المصرية تستلهم تلك التجارب، وترى إمكانية التغيير عبر الصندوق الانتخابي في انتخابات 2024، وقد زاد منسوب التفاؤل لدى تلك القطاعات بعد التغيير المفاجئ في نقابة الصحفيين مؤخرا، لكن الحالة المصرية وإن تشابهت مع نظيرتها التشيلية بالذات في جانب "الحكم العسكري" إلا أنها تختلف عنها في جوانب أخرى ساهمت في إحداث التغيير عبر الصندوق. وأقصد هنا الاحتجاجات السياسية والنقابية القوية، والإضرابات العمالية الواسعة، والقبول الأمريكي بالتغيير، واتحاد المعارضة، مع دعم الكنيسة المحلية وبابا الفاتيكان لها، وأخيرا قبول المجلس العسكري لنتيجة الاستفتاء.. إلخ، كما أنها تختلف عن بقية التجارب المذكورة في وجود متعددة أبرزها غياب الحد الأدنى من ضمانات نزاهة الانتخابات.

انتخابات مختلفة

المؤكد أن الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة صيف 2024 لن تكون كمثيلتيها في 2014 و2018 بحكم الظروف المحلية والإقليمية والدولية المحيطة بها، وقد بدأت الاستعدادات لهذه الانتخابات من طرف النظام الحاكم الذي يعتزم الاستمرار في مكانه، حتى وإن اضطر لإدخال تعديلات شكلية في المشهد الانتخابي (الإشراف القضائي الشكلي)، وكذا من بعض أطراف المعارضة الجاهزة للتعاطي مع الاستحقاق مهما كانت النتائج فهي "راضية بقليله"، والقليل هنا قد يكون بضع مقاعد في غرفتي البرلمان، أو ربما بعض المناصب من الدرجة الثالثة.

وبما أن الانتخابات لن تكون كسابقتيها فإن ذلك يستوجب من جميع قوى التغيير التعامل معها بالجدية التي تستحقها، وهنا ينقسم المشهد بين فريقين؛ أحدهما مستعد للمشاركة كما ذكرنا حتى لو كانت النتيجة معروفة سلفا، فهذا الفريق كان جزءا من منظومة 30 يونيو وكان شريكا في الحكم منذ 2013 قبل وقوع خلافات ليست جذرية مع أهل الحكم، وهو مقتنع بضرورة الاشتباك مع الانتخابات مهما كانت النتائج صغيرة، معتبرا إياها فرصة للتحرك وسط الجماهير واكتساب أنصار جدد، وتدريب كوادره ميدانيا، وبالمحصلة فإنه يرى أن "الحركة بركة"، وأنها أفضل من البطالة السياسية.
المؤكد أن الانتخابات الرئاسية المصرية المقررة صيف 2024 لن تكون كمثيلتيها في 2014 و2018 بحكم الظروف المحلية والإقليمية والدولية المحيطة بها، وقد بدأت الاستعدادات لهذه الانتخابات من طرف النظام الحاكم الذي يعتزم الاستمرار في مكانه، حتى وإن اضطر لإدخال تعديلات شكلية في المشهد الانتخابي (الإشراف القضائي الشكلي)، وكذا من بعض أطراف المعارضة الجاهزة للتعاطي مع الاستحقاق مهما كانت النتائج فهي "راضية بقليله"

وهناك فريق آخر يجاهر بالمقاطعة باعتبارها عملا ديمقراطيا أيضا في ظل مشهد عبثي محكوم المقدمات والنتائج سلفا، ويرى أن المشاركة ستكون تأدية لدور مرسوم في مسرحية عبثية، وستكون مساهمة في شرعنة النظام وإطالة عمره وليس الخلاص منه، وبالمحصلة ستكون خيانة للشعب الذي لن يغفر ولن يرحم.

الاشتباك الإيجابي

بين المشاركة الهزلية والمقاطعة السلبية هناك طريق ثالث يتمثل في حشد جهود قوى التغيير المصرية في الداخل والخارج نحو تغيير البيئة السياسية لتنتج انتخابات حقيقية، وهذه معركة يمكن أن توحد كل القوى الوطنية الجادة في مسار التغيير الديمقراطي السلمي، ويمكن أن تجد لها أنصارا حتى على الصعيد الدولي، وتتركز بشكل أساسي على تكثيف الضغوط لفتح المجال السياسي بالإفراج عن سجناء الرأي، وتحرير وسائل الإعلام من القيود المفروضة عليها، وإزالة النصوص الدستورية والقانونية التي تقيد حق الترشيح والتصويت الحر، وتوفير الحصانة للمرشحين ضد أي تهديد، وتشكيل لجنة وطنية مستقلة للانتخابات، والقبول برقابة دولية على الانتخابات منذ لحظات الترشيح وحتى إعلان النتائج.

ما سبق يمكن وصفه بالاشتباك الإيجابي مع معركة انتخابات 2024 بديلا للمقاطعة السلبية أو المشاركة الهزلية، وتلك المطالب لا يتم توجيهها للنظام الحاكم، بل تُطرح للرأي العام المحلي والدولي، وليس أمام النظام إلا قبولها كليا أو جزئيا وهذا أمر مستبعد، وفي حال قبول بعضها فإن ذلك يُعد مكسبا ضمن معركة ممتدة، أو رفضها وبذلك تتركه المعارضة أمام مرشحين هزليين كما حدث من قبل، ولا تشاركه في مسرحية عبثية، وتحرمه من ورقة الشرعية الشعبية التي يسعى إليها، وتواصل نضالها السلمي للتغيير.

تلك هي المعركة الحقيقية التي ينبغي أن تشغل المعارضة سواء في الداخل أو الخارج، والتي يمكن أن توحد قطاعات متنوعة من المعارضة، والقفز منها إلى الحديث مباشرة عن اختيار بديل مدني لمنافسة السيسي دون توفر الشروط الضرورية هو قفز في الهواء، وهو حرق مبكر لمن سيترشح وفق الظروف والشروط الحالية للانتخابات، ومن يقبل التنافس في ظل هذه الأوضاع فلا يلومنّ إلا نفسه حين يصفه البعض بأنه كومبارس مثلا.

عناد النظام الحاكم سيدفع الكثيرين إلى خيار المقاطعة، بحيث لا تقتصر على معارضة الخارج فقط، وقد تصاعدت الأصوات المنادية بذلك في الداخل فعلا، ولكن من الحكمة في حال وجود مرشحين جادين حتى لو ضمن حد أدنى من ضمانات النزاهة، أن تترك لهم فرصة المحاولة
ترشح طنطاوي

هذا الحديث يستدعي حالة النائب السابق أحمد طنطاوي، وهو الوحيد الذي أعلن اعتزامه خوض المنافسة حتى الآن (أعلن عن عودته إلى مصر يوم 6 أيار/ مايو المقبل لتقديم بديل مدني حسب تصريحه). وطبيعة شخصية طنطاوي لمن يعرفونه عصية على التطويع، وبالتالي ليس من السهل قبوله لفكرة المرشح الكومبارس، التي يدرك هو قبل غيره ويلاتها على من قبلوها. وقد ظهرت مخاوف أذرع النظام منه مبكرا، وانطلقت تنهش فيه، وتهيئ الرأي العام لقبول اعتقاله بمجرد وصوله إلى مطار القاهرة بدعوى ارتكابه جريمة التخابر أثناء وجوده في لبنان، وحتى لو افترضنا أن السلطات ستسمح بعودته، فإن التحدي الأكبر أمامه سيكون في جمع التوكيلات المطلوبة لترشحه (20 نائبا برلمانيا أو 25 ألف توكيل شعبي من 15 محافظة على الأقل).

عناد النظام الحاكم سيدفع الكثيرين إلى خيار المقاطعة، بحيث لا تقتصر على معارضة الخارج فقط، وقد تصاعدت الأصوات المنادية بذلك في الداخل فعلا، ولكن من الحكمة في حال وجود مرشحين جادين حتى لو ضمن حد أدنى من ضمانات النزاهة، أن تترك لهم فرصة المحاولة، ومن الحكمة عدم المشاركة مع كتائب وأبواق النظام في حرقهم شعبيا.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (2)
مصري
الأحد، 30-04-2023 12:59 م
طبعا مستحيل
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 11-04-2023 04:43 ص
*** 1- النجاح في إسقاط حكم الانقلاب العسكري للجنرال الدكتاتور بينوشيه في شيلي عبر استفتاء في 1988، وسبع حالات أخرى ذكرتها المقالة لانتخابات معاصرة، حققت نجاحات نسبية ونهايات سعيدة ولو مؤقتة عبر صناديق الانتخاب، اجريت من عام 2014 إلى 2022، وفتحت أبواب التغيير والإصلاح السياسي في سبع دول مختلفة، باستثناء حالة ميانمار، التي أغفل الكاتب ذكر أنها فتحت الباب لأفظع حملات الإبادة والتطهير العرقي والنفي الشامل ضد مسلمي الروهينغيا في ميانمار في 2017، وبالتواطؤ والمشاركة الكاملة في تلك الجرائم ضد الإنسانية التي مورست ضدهم من رئيسة الوزراء أونغ سان سوكي المنتخبة وحكومتها وحزبها العنصري، قبل أن ينقلب الجيش عليها لينفرد حفنة من جنرالاته بالسلطة، وذكرت المقالة بعض المقومات الإيجابية التي توفرت لنجاح إجراء تلك الانتخابات، التي تمثل أقرب الأساليب السياسية لضمان المشاركة الشعبية الواسعة في إصلاح وإدارة شئون البلاد، ونجاح إجراء انتخابات بنتائج غير مزورة وتتوفر لها الحد الأدنى من ضمانات النزاهة، تتطلب قبلها تهيئة الأجواء والظروف السياسية والقانونية والأمنية والشعبية اللازمة لنجاحها والمشاركة المجتمعية الواسعة فيها، وإلا تصبح تلك الانتخابات الصورية المدبرة، كانتخابات الرئاسة المزورة في 2014 و 2018، التي اعطت الفرصة لحكومة الانقلاب العسكرية لإكسابها صفة شرعية مزورة ولو صورية، ومكنت من تمكن سلطة استبدادية قمعية فاسدة وعميلة، تواصل جرائمها في قمع شعبها، ومواصلة نهبه وإفقاره بتنسيق ومشاركة مع جهات داخلية في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والاقتصاد وأعضاء الحكومة العميقة الفاسدة، وبالعمالة مع تحالفات خارجية تعمل على نهب ثروات البلاد لصالحها، والغريب أن الكاتب قد أهمل ذكر الانتخابات الأهم في تاريخ مصر، التي أجريت بعد ثورة 2011، وهي أول انتخابات نزيهة للرئاسة وللمجالس التشريعية في تاريخ مصر الحديث، فضلاً عن الاستفتاءات الدستورية، التي توفرت لها جميعاً ضمانات النزاهة والحيادية، وأثبت فيها الشعب وعيه بأهمية المشاركة فيها كمرشحين وناخبين، حيث بلغ عدد الناخبين ما يزيد على الأقل عن عشرة أضعاف أعداد المشاركين في أي انتخابات ملفقة اجريت قبلها تحت سيطرة الحكومات الاستبدادية، فهل تتوفر في مصر اليوم الظروف التي تمكن من إجراء مثل تلك الانتخابات النزيهة مرة أخرى؟.