قبيل دخول شهر
رمضان المبارك انطلقت العديد من الدعوات من قبل مؤسسات تهتم بشأن مدينة القدس
المحتلة والمسجد
الأقصى المبارك، تطالب دائرة الأوقاف والشؤون الدينية بالقدس
المحتلة، والتي تتبع لوزارة الأوقاف في الأردن، والتي تشرف على إدارة المسجد
الأقصى، بفتح باب الاعتكاف من أول يوم في رمضان، للدفاع عن الأقصى في ظل تصاعد
الدعوات لاقتحامه في "عيد الفصح" اليهودي، والذي يتزامن مع منتصف رمضان
تقريبا.
الأوقاف تحدد
أيام الاعتكاف
وسادت حالة من
الجدل عقب تدخل قوات
الاحتلال لإخراج المعتكفين من المسجد الأقصى، حيث لم يسمح لهم
بالاعتكاف إلا في ليلتي الجمعة والسبت، مع العلم أن هذين اليومين لا يحصل فيهما
اقتحامات للأقصى من قبل المتطرفين اليهود، بينما يشهد المسجد اقتحامات في باقي
أيام الأسبوع، وهي الأيام التي تم إخراج المعتكفين فيها بالقوة.
دائرة الأوقاف
وعلى لسان مديرها العام عزام الخطيب، أوضحت في تصريح سابق لـ"عربي21"،
أن الاعتكاف يقام في العشر الأواخر من رمضان، إضافة لليلتي الجمعة والسبت فقط.
اقرأ أيضا: خاص | الاتفاق على منع الاعتكاف بالأقصى تم في "قمة العقبة"
وكان مصدر خاص
كشف لـ"عربي21" أن قرار منع الاعتكاف في باقي الأيام تم الاتفاق عليه في
"قمة العقبة" الأخيرة والتي حضرها ممثلون من الاحتلال والسلطة
الفلسطينية والأردن، لكن مصدرا من وزارة الأوقاف الأردنية نفى لـ"عربي21" وجود مثل هذا الاتفاق، مؤكدا أن "تعليمات الاعتكاف في
المسجد لم تختلف منذ احتلاله عام 1967".
وتابع بالقول
إن الوزارة أوضحت موقفها من خلال تصريح رسمي لوزير الأوقاف محمد الخلايلة، خلال
حوار تلفزيوني بثته قناة "المملكة" الأردنية، حيث قال الوزير: "جرى
العرف في المسجد الأقصى منذ عام 1967 أن تُفتح الأبواب للاعتكاف في العشر الأواخر من
شهر رمضان".
وأضاف الوزير:
"إخواننا في مجلس أوقاف القدس أدرى بهذا، تركنا لهم الخيار في مسألة فتح
أبواب المسجد الأقصى للاعتكاف"، متابعا بأنه "صدر قرار عن مجلس أوقاف القدس
بشأن فتح أبواب المسجد الأقصى ليلتي الجمعة والسبت للاعتكاف، فضلا عن العشر
الأواخر من شهر رمضان".
حقائق حول
الاعتكاف بالأقصى
ولما لهذه
القضية من أهمية بالغة لدى ملايين المسلمين، فقد سلطت "عربي21" الضوء على
طبيعة تنظيم الاعتكاف على مدار التاريخ في المسجد الأقصى المبارك، حيث أوضح أستاذ
دراسات بيت المقدس ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق في باب الرحمة بالمسجد
الأقصى، عبدالله معروف، أن "الاعتكاف في المسجد الأقصى عرف منذ زمن طويل، حيث
ورد ذكر المعتكفين والاعتكاف في المسجد الأقصى في مصادر تعود للقرن الثاني والثالث
الهجري، ومنها على سبيل المثال ما رواه "ابن أبي الدنيا" من أبناء
القرن الثالث الهجري بسنده عن رجل من الإسكندرية قال: "كنت أبيت في مسجد بيت
المقدس وكان قل ما يخلو من المتهجدين".
اقرأ أيضا: مصدر أردني لـ"عربي21": قمة العقبة لم تقرر منع الاعتكاف في الأقصى
كما يروي
"أبو الفرج الجوزي" في "صفة الصفوة" عن "أبي جعفر
السائح" ذكر اعتكاف النساء في المسجد الأقصى المبارك، وذكر روايتين تنصان على
أن "عددا كبيرا من النساء كن يعتكفن في المسجد الأقصى، وكان هذا معروفا في
القرنين الثالث والرابع الهجري، وفي ذلك رد واضح على بعض من يهاجم السيدات
المعتكفات في الأقصى هذه الأيام، بحسب معروف في حديثه الخاص لـ"عربي21".
وأضاف:
"عادة الاعتكاف في الأقصى على مدار العام كانت معروفة في المسجد الأقصى
ومستمرة فعليا في العهد العثماني وفي فترة الاحتلال البريطاني وفي فترة الحكم
الأردني، ولم تتوقف إلا بعد الاحتلال
الإسرائيلي للمسجد الأقصى في 1967".
وأكد الباحث،
أنه "لا توجد سجلات تذكر أن عادة الاعتكاف في الأقصى اقتصرت على العشر
الأواخر من رمضان في فترة الاحتلال الإسرائيلي إطلاقا، فهذا الأمر لم يذكر لا في
مذكرات أي شخصية من شخصيات القدس، ولا في أي قرارات إدارية، وهذا يدل على أن مسألة
الاعتكاف لم تكن تتعلق بزمن محدد في المسجد الأقصى".
وقال
لـ"عربي21": "أي زعم بأن العادة جرت أن الاعتكاف يجري في العشر
الأواخر من رمضان، هو أمر مردود ولا يوجد له أي سند، وهذا الأمر لا يعد ولا بأي
شكل من الأشكال من أساسيات "الوضع القائم" في المسجد الأقصى،
فـ"الوضع القائم" في المسجد الأقصى يعني بقاء الأوضاع على ما كانت عليه
قبل الاحتلال؛ وبموجب ذلك فإن المفترض حسب أساسيات الوضع القائم أن المسجد الأقصى
مفتوح 24 ساعة لعبادة المسلمين فقط، ولا يسمح لغيرهم بدخوله أو التعبد فيه
إطلاقا".
إرادة سياسية
تتحكم بالأقصى
ونوه معروف إلى
أن "ما يجري الآن في المسجد الأقصى مخالف لهذا الوضع القانوني، ويبدو أنه
يتعلق بالدرجة الأولى بإرادة سياسية أكثر منها مسألة إدارية تتعلق بتنظيم شؤون
المسجد الأقصى".
من جانبه، أكد
الباحث المختص في شؤون المسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة، زياد ابحيص، أن
"الادعاء بأن تعليمات فتح باب الاعتكاف ثابتة منذ 1967 تناقض الوقائع
التاريخية؛ لعدة حقائق منها؛ أن العرف التاريخي حتى آخر رمضان قبل الاحتلال
الصهيوني الذي جاء نهاية 1966 وبداية 1967، هو فتح أبواب الأقصى للاعتكاف في كل
ليالي السنة وفي جميع ليالي رمضان؛ وهذا أمر تجمع عليه المصادر التاريخية".
وأوضح في
حديثه لـ"عربي21"، أن "الوضع القائم" وفق القانون الدولي،
يعني بقاء المسجد الأقصى على ما كان عليه قبل الحرب؛ أي قبل الخامس من حزيران/ يونيو
1967، وهذا يعني حكما أن يبقى فتح الأقصى للاعتكاف وفق العرف السابق، وهو على
مدار العام"، منوها إلى أن "المقصود بـ"الوضع القائم"، ما كان
قائما قبل بدء حرب عام 1967؛ أي أن تبقى جميع المقدسات على ما كانت عليه في 4
حزيران/ يونيو 1967".
ورأى ابحيص،
أن "إحالة مصادر الأوقاف لعام 1967 كمرجع تاريخي دون هذا التحديد، تثير
الاستغراب والتساؤل حول مدى جدية مسؤولي الأوقاف الحاليين، وحول مدى إدراكهم
للحيثيات التاريخية والحقوقية للمسجد الأقصى الذي يتولون المسؤولية عنه"،
بحسب تقديره.
روايات تتناقض
مع الواقع
ولفت إلى أن
"قوات الاحتلال منعت فعليا كل أشكال الاعتكاف في الأقصى حتى عام 1970، حين
عاد الاعتكاف في ليلة الـ 27 رمضان حصرا، واستمر الاعتكاف محصورا بليلة الـ27
رمضان فقط حتى مطلع التسعينيات من القرن العشرين، حيث فرض فتح الاعتكاف في العشر
الأواخر فرضا في مواجهة بين المرابطين وقوات الاحتلال، التي استسلمت للأمر الواقع
بدءا من عام 1996".
اقرأ أيضا: استنكار لمنع الاعتكاف بالأقصى.. أوقاف القدس توضح لـ"عربي21" موقفها
وبين المختص،
أن "الاعتكاف بقي محل مواجهة بين شرطة الاحتلال التي تحاول التضييق عليه
والمرابطين الذين يحاولون فرضه؛ ففي 2014 حاولت شرطة الاحتلال منع الاعتكاف تماما
في العشر الأواخر، وهو ما انتهى إلى إحراق مركز الشرطة المغتصب في الخلوة
الجنبلاطية في صحن الصخرة، ونتيجة ذلك، تركت قوات الاحتلال الاعتكاف في 2015، ولم
تتدخل فيه فبدأ منذ اليوم الأول لرمضان؛ وكان العام الوحيد الذي فرض فيه الاعتكاف
طوال الشهر منذ 1967".
وذكر أنه من
"بداية 2016، عاد تقييد الاعتكاف للعشر الأواخر وبدأت الأوقاف الإسلامية تلعب
دورا مباشرا في هذا التقييد، وفي 2022، حاولت الأوقاف حصر الاعتكاف في العشر
الأواخر على لسان مدير المسجد الأقصى على السماعات في ليلة التاسع من رمضان، لكن
المعتكفين لم يستمعوا له وفرضوا استمرار الاعتكاف الذي كان قد بدأ في ليلة السابع
من رمضان".
وتساءل المختص
في شؤون القدس: "كيف يمكن القول إن التعليمات هي ذاتها منذ احتلال 1967 أمام
تلك الوقائع؟ وما سر إصرار الأوقاف على إضفاء المشروعية على قرار منع الاعتكاف في
الأيام العشرين الأولى من رمضان (ما عدا ليلة الجمعة والسبت)، عبر روايات تتناقض
مع الواقع القانوني والتاريخي وبما يتناقض مع الموقف الشرعي ومع الإرادة
الشعبية؟".
وتابع:
"علاوة على التناقض الأهم والأبرز الذي تثيره تعليمات مدير الأوقاف؛ هل كانت
شرطة الاحتلال في يوم الأحد الماضي تخلي المعتكفين من الأقصى تنفيذا لقرار
الأوقاف، أم إن قرار الأوقاف جاء بإملاء مسبق من الشرطة الصهيونية؟"، بحسب
قول ابحيص.
"أوقاف
القدس" توضح
ولأجل معرفة
الأسباب التي دفعت الأوقاف لقرارها القاضي باقتصار الاعتكاف في الأقصى على ليلتي
الجمعة والسبت والعشر الأواخر من رمضان، تواصلت "عربي21"، مع مدير عام
دائرة أوقاف القدس، الشيخ عزام الخطيب، الذي أوضح أن المسجد الأقصى تديره
"مؤسسة مسؤولة، وهناك 22 عضو مجلس أوقاف، وهؤلاء الأعضاء كلهم علماء وشخصيات
مقدسية، هؤلاء يقدرون الظروف في مدينة القدس وظروف المسجد الأقصى المبارك، علما بأن
منهم من له خدمات تزيد على الـ50 عاما في القدس".
وأضاف في
تصريح خاص لـ"عربي21": "أعضاء مجلس الأوقاف يقدرون كل حركة في
القدس وفي كافة النواحي، ومنذ عام 1967، هناك اعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، ويضاف
إلى ذلك أيام الخميس والجمع، لكون المصلين يأتون من خارج القدس؛ ومن الأردن، وغزة
ومن بعض الدول العربية والإسلامية، فرأينا من واجبنا استمرار فتح المسجد للاعتكاف
في أيام الخميس والجمع، وأحيانا يتم فتح مساجد البلدة القديمة بالقدس بسبب الأعداد
الكبيرة".
وقال الخطيب:
"هذه القرارات ليس بالجديدة على الأوقاف الإسلامية، وهذا كان قرار مجلس
الأوقاف، ونرى أنه القرار الصائب".
وحول سبب عدم فتح المسجد للاعتكاف في باقي أيام الأسبوع، قال الخطيب: "هذا موضوع سياسي لا أستطيع أن أتحدث فيه، هنالك بعض الأمور فوق طاقتنا، لا أكثر ولا أقل".
وحول ما إذا كان لسلطات الاحتلال الإسرائيلي أي تدخل بالأمر كرر الخطيب قوله إن "الأمر فوق طاقتنا".
وفي رسالته
للمسلمين، قال: "التمسك والوصول إلى المسجد الأقصى، شرف عظيم لكل المسلمين،
ويجب أن لا يكون فقط في رمضان ولا في أيام الجمع فقط، يجب أن يكون طوال العام، وكل
من يستطع الوصول إلى المسجد الأقصى، عليه أن يأتي، هذا أمر مهم، فالمسجد الأقصى
أول القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشرفين"، مشددا على أهمية
الاهتمام بشؤون المسجد الأقصى طوال العام وخاصة في الجانب الإعلامي.
وردا على سؤال
"عربي21" حول أن الاعتكاف تاريخيا في المسجد الأقصى كان مفتوحا على
الدوام، قال الخطيب إنه يعمل في الأوقاف منذ 50 عاما، وإن الاعتكاف كان يقتصر على
العشر الأواخر في رمضان، ولم يكن هنالك اعتكاف حتى في أيام الخميس والجمع، حتى في
فترة ما قبل احتلاله.