تمر
هذه الأيام الذكرى الثانية عشر لانطلاقة الثورات الشعبية العربية والتي بدأت في
تونس وامتدت إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، ومن ثم انطلقت في موجات جديدة
إلى لبنان والجزائر والعراق ودول أخرى، ولا زلنا إلى اليوم نعيش آثارها وتداعياتها
السلبية والإيجابية، حيث يشهد
العالم العربي أجواء قلقة ومخاوف متجددة من تداعيات
هذه الثورات ونتائجها، وليس هناك في الأفق أي وضوح حول المستقبل، وهل هناك آمال
بنهاية المخاض العربي وتحقيق أهداف الشعوب العربية بالحرية والكرامة الإنسانية
وتأمين الشروط الطبيعية للحياة؛ من سكن وعمل وتعليم وبناء أسرة والشعور بالأمان.
فإلى
متى يستمر المخاض العربي؟ وهل سنكون أمام موجات جديدة من الثورات الشعبية بسبب الأوضاع
الاقتصادية وعودة الديكتاتوريات والثورات المضادة؟ أم أن الإحباط واليأس سينعكسان
سلبا على حراك الشعوب العربية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية والتي تكون على
حساب الشعوب ومصالحها؟
إلى متى يستمر المخاض العربي؟ وهل سنكون أمام موجات جديدة من الثورات الشعبية بسبب الأوضاع الاقتصادية وعودة الديكتاتوريات والثورات المضادة؟ أم أن الإحباط واليأس سينعكسان سلبا على حراك الشعوب العربية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية والتي تكون على حساب الشعوب ومصالحها؟
في
لقاء في بيروت مع أحد المفكرين العرب الذين واكبوا الثورات الشعبية العربية خلال
السنوات الأخيرة، وصف الواقع العربي اليوم بأنه "مخاض مستمر لحين ولادة الفجر
الجديد، الذي سيظهر مهما طال ليل الظلم والديكتاتوريات، لأن مسار التاريخ ينطلق
نحو الأمام، ولا يمكن العودة إلى الوراء".
ويعود
هذا المفكر العربي إلى استعراض الثورات الشعبية في العالم، فيقول: "إن هذه
الثورات لم تحقق نتائجها الإيجابية في مرحلة واحدة وبشكل مباشر، فلكل ثورة مخاض
ومسار طويل، امتد أحيانا إلى مائة سنة، كما جرى مع
الثورة الفرنسية حتى استقرت الأوضاع
السياسية وتمت إقامة الجمهورية الثالثة والالتزام بالأفكار والمبادئ القائمة على
المساواة وحقوق الإنسان والحرية، ودفع الفرنسيون عددا كبيرا من الضحايا حتى يحققوا
أهدافهم الإنسانية".
ووفقا
لهذا المفكر العربي: "لكل ثورة شعبية وحراك شعبي في العالم حكاية خاصة لا
تنتهي، لكن المهم استمرار الإيمان بالانتصار والعمل لمواجهة الديكتاتوريات ورفض
الظلم، والحفاظ على الحريات، لأن الحرية هي القيمة العليا من أجل تقدم الشعوب
وازدهارها، لأنه بدون الحرية لا يمكن لأي شعب أن يتقدم إلى الأمام، وإذا كانت بعض
الأنظمة العربية تنجح في قمع شعوبها لفترة معينة فإنها لا يمكن أن تستمر بذلك
لفترات طويلة، ولا بد أن يستعيد الشعب حريته، وإذا كانت بعض الدول العربية تعاني
من تداعيات اجتماعية واقتصادية وحروب وصراعات بسبب الثورات الشعبية، فهذا مسار
طبيعي في تاريخ الشعوب لحين تحقيق الأهداف المطلوبة".
وعن
انعكاسات التطورات الإقليمية والدولية، وخصوصا الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على
الأوضاع العربية، يعتبر هذا المفكر العربي أن "لهذه الحرب تداعيات اقتصادية
كبيرة، ونحن نشهد ما يجري في العالم من آثار لها، والأمر ينطبق على العالم العربي،
حيث نشهد الأوضاع الاقتصادية المضطربة وارتفاع الأسعار، ولكن الأهم كيفية إدارة
الدول العربية لهذه
الأزمات، فنحن نحتاج لإدارة سليمة قادرة على استيعاب الأزمات
والبحث عن أشكال متعددة من التعاون والتنسيق لمواجهة مختلفة التداعيات، إضافة إلى المتغيرات
التي قد تحصل على صعيد التحالفات السياسية والعلاقات بين الدول، والتي قد تترك آثارها
على الواقع العربي اليوم".
يبدو العالم العربي اليوم في مخاض جديد، سواء بسبب تداعيات الثورات الشعبية المستمرة إلى اليوم، أو بسبب المتغيرات الإقليمية والدولية. وكل ذلك يفرض على المفكرين العرب والقوى السياسية والحزبية من مختلف التيارات والاتجاهات، إعادة تقييم الواقع العربي اليوم وتحديد الأولويات والأهداف التي ينبغي العمل عليها في المرحلة المقبلة
ومن
خلال هذه القراءة التقييمية، يبدو العالم العربي اليوم في مخاض جديد، سواء بسبب
تداعيات الثورات الشعبية المستمرة إلى اليوم، أو بسبب المتغيرات الإقليمية
والدولية. وكل ذلك يفرض على المفكرين العرب والقوى السياسية والحزبية من مختلف
التيارات والاتجاهات، إعادة تقييم الواقع العربي اليوم وتحديد الأولويات والأهداف
التي ينبغي العمل عليها في المرحلة المقبلة.
وبالعودة
إلى العقود الثلاثة التي شهدها العالم العربي منذ احتلال صدام حسين للكويت
والاحتلال الأمريكي للعراق وما جرى من أحداث وتطورات طيلة السنوات الماضية، فقد أطلق
مركز دراسات الوحدة العربية آنذاك مشروع النهضة العربية الذي يرتكز على
الديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقلال والتطوير العلمي والوحدة، ويبدو اليوم أننا
بحاجة إلى إعادة وتقييم أهداف المشروع النهضوي العربي من خلال دراسة التطورات الجارية
في العالم العربي وعلى الصعيد الإقليمي والدولي.
فما
يشهده العالم العربي من
تحديات وعلى ضوء نتائج الثورات الشعبية العربية، لا بد من
تحديد الأولويات اليوم وإعادة التواصل بين المفكرين العرب من أجل البحث عن النقاط
المشتركة ووضع رؤية جديدة قادرة على الإجابة عن الأسئلة والتحديات الجديدة، إضافة
لمراجعة المرحلة الماضية وتقييم دور القوى والحركات القومية واليسارية والإسلامية.
نحن اليوم أمام مخاض جديد، والعالم يتغير، وما يجري في أوكرانيا سيكون له تداعيات كبيرة على الصعيد الدولي والإقليمي، كل ذلك يفرض على العرب، شعوبا وأنظمة ومفكرين، إعادة البحث في موقع ودور العرب على الخريطة العالمية، مع العلم أنه لا يمكن لأية دولة عربية أن تواجه كل هذه التحديات لوحدها
نحن
اليوم أمام مخاض جديد، والعالم يتغير، وما يجري في أوكرانيا سيكون له تداعيات كبيرة
على الصعيد الدولي والإقليمي، كل ذلك يفرض على العرب، شعوبا وأنظمة ومفكرين، إعادة
البحث في موقع ودور العرب على الخريطة العالمية، مع العلم أنه لا يمكن لأية دولة
عربية أن تواجه كل هذه التحديات لوحدها. وهذا يتطلب العودة للتعاون العربي أولا
والتكامل الإقليمي مع دول الجوار ثانيا، مع أهمية حماية الدولة الوطنية. وفي المقابل
فإنه لا يمكن استمرار القمع والظلم وانتهاك حقوق الإنسان، فبدون الحرية وحماية
حقوق الإنسان وتأمين شروط الحياة الطبيعية لا يمكن لأي شعب أن ينهض مجددا.
وفي
خلاصة الصورة، يبدو أن المخاض العربي سيستمر في الفترة المقبلة، ونحن بحاجة للمزيد
من النضال والتفكير والعمل للخروج من هذا النفق المظلم.
twitter.com/kassirkassem