كتاب عربي 21

بعد عام التحولات والتغيرات الكبرى: الإسلاميون وخارطة الطريق المستقبلية

قاسم قصير
هل يعكس دور الإسلاميين الحالي حجمهم في الشارع؟- جيتي
هل يعكس دور الإسلاميين الحالي حجمهم في الشارع؟- جيتي
مع اقتراب العام 2022 من نهايته، يمكن القول: إن هذا العام كان عام التحولات والتغيرات الكبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي، وذلك بسبب العدد الكبير من الأحداث التي شهدها والتي سيكون لها تأثير كبير على الخارطة السياسية في العالم والتحالفات القائمة وطبيعة الأدوار والمهام التي ستفرض على القوى الإقليمية والدولية، وكذلك على الأحزاب والقوى السياسية ومنها القوى والحركات الإسلامية.

فما هي أبرز الأحداث التي شهدها هذا العام وتأثيراتها الإقليمية والدولية؟ وأية خارطة طريق مستقبلية يمكن للإسلاميين اتباعها في الفترة المقبلة لمواكبة هذه الأحداث والتفاعل معها وكي لا يكونوا ضحية التحولات الإقليمية والدولية؟

بداية ما هي أبرز الأحداث والتطورات التي شهدها العالم في العام 2022؟

هذه الحرب ليست فقط بين روسيا من جهة وأوكرانيا من جهة أخرى، بل تقف مع أوكرانيا معظم الدول الغربية وخصوصا أمريكا وأوروبا، وستكون لهذه الحرب المستمرة حتى اليوم تأثيرات كبرى على خارطة القوى الإقليمية والدولية، والخوف الأكبر أن تتحول إلى حرب نووية

يمكن الإشارة إلى أبرز هذه الأحداث ومنها:

أولا: الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي يمكن اعتبارها أهم صراع دولي في العالم بعد الحرب الباردة بين روسيا وحلف الناتو، لأن هذه الحرب ليست فقط بين روسيا من جهة وأوكرانيا من جهة أخرى، بل تقف مع أوكرانيا معظم الدول الغربية وخصوصا أمريكا وأوروبا، وستكون لهذه الحرب المستمرة حتى اليوم تأثيرات كبرى على خارطة القوى الإقليمية والدولية، والخوف الأكبر أن تتحول إلى حرب نووية بعد أن تركت تأثيراتها على ملفات الطاقة والنفط والغاز وفي ظل مناخ بارد يسود أوروبا وأمريكا حاليا.

ثانيا: تفاقم النزاع الصيني- الأمريكي، إن بسبب الخلاف حول الموقف من تايوان أو لأسباب اقتصادية والعلاقة مع روسيا، لكن رغم تفاقم التوترات بين البلدين فقد حرصا على إبقاء خطوط التواصل وعقد قمة رئاسية بينهما، لكن آفاق الصراع مستمرة وكل الاحتمالات واردة في العام المقبل، وقد يتطور الصراع إلى حرب جديدة في منطقة شرقي آسيا تضاف إلى الحرب في أوكرانيا.

علامات استفهام كبرى حول مستقبل علاقات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهل سنكون أمام تغيرات كبرى في علاقات السعودية مع حليفتها الاستراتيجية أمريكا، أم أن ما يجري هو تنويع في الخيارات الاستراتيجية في ظل تراجع الدور الأمريكي عالميا

ثالثا: التحولات الجارية في دول الخليج والتقارب السعودي مع روسيا والصين، والتوافق على خطة خاصة بشأن أسعار النفط بدون التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما طرح علامات استفهام كبرى حول مستقبل علاقات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهل سنكون أمام تغيرات كبرى في علاقات السعودية مع حليفتها الاستراتيجية أمريكا، أم أن ما يجري هو تنويع في الخيارات الاستراتيجية في ظل تراجع الدور الأمريكي عالميا.

رابعا: التقارب بين عدد من الدول العربية (مصر، السعودية، الإمارات) مع تركيا، واللقاء الذي شهدناه في قطر بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وانعكاس ذلك على الموقف من الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية ودورهم في العالم العربي.

خامسا: توقف المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى، والتطورات الجارية في إيران من احتجاجات شعبية وتزايد حجم المعارضة الشعبية للنظام الإيراني، وتأثير ذلك على سياسات إيران في المنطقة والعالم ودورها في المرحلة المقبلة، إضافة للنقاشات الدائرة حول التجربة الإسلامية في الحكم.

سادسا: التقارب الروسي- التركي والمساعي الروسية لعقد قمة سورية- تركية بعد عقد لقاءات على مستوى الأجهزة الأمنية، وهذا سيكون له تأثير كبير على دور القوى الإسلامية السورية وخصوصا تلك التي تحظى بدعم تركي، إضافة للتطورات الجارية في منطقة شرق سوريا ودور الأكراد في المرحلة المقبلة.

سابعا: عودة حركة حماس إلى سوريا وإعادة تفعيل دور محور المقاومة بدعم ورعاية من حزب الله وإيران، والتقارب بين حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان، مما قد يعيد ترتيب العلاقات بين القوى والحركات الإسلامية في العالم العربي.

ثامنا: استمرار تفاقم الأزمات في عدد من الدول العربية، سواء لأسباب اقتصادية أو سياسية، كما يجري في مصر والأردن وتونس والعراق، مع استمرار أزمات اليمن وليبيا، مع سعي حثيث لترتيب الأوضاع في السودان.

تاسعا: الانتخابات النيابية التي جرت في الكيان الصهيوني وفوز اليمين المتطرف وتشكيل حكومة يمينية متطرفة، في ظل تصاعد دور المقاومة وفي ظل ازدياد القمع الصهيوني والتعدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، مما قد يدفع إلى المزيد من الصراع بين قوى المقاومة والاحتلال الصهيوني ويعيد الأولوية لهذا الصراع في المنطقة.

عاشرا: تفاقم الصراع بين موجة التطبيع الرسمية بين عدد من الدول العربية والكيان الصهيوني، وبين موجة الرفض الشعبي للتطبيع والتي تجلّت في أروع صورها خلال المونديال في قطر.

حادي عشر: التطورات التي يشهدها العالم على الصعد العلمية والاجتماعية والبيئية والأخلاقية والفكرية، والتي تفرض تحديات وأسئلة عديدة أمام الفكر الإسلامي والمشروع الإسلامي.
رغم بروز الدور الشعبي الكبير للإسلاميين في السنوات الماضية، فقد تراجع دورهم السياسي وواجهوا تحديات داخلية وخارجية، ولم يعد من المناسب استمرار سياسة المكابرة والإنكار والادعاء بتحقيق الإنجازات الشاملة. قد تكون هناك إنجازات محدودة في بعض الساحات، لكن الصورة الإجمالية ليست على ما يرام

هذه بعض الأحداث والمتغيرات التي شهدها ويشهدها العالم في العام 2022 والتي قد تتطور في اتجاهات جديدة في العام المقبل، وكل ذلك يفرض على القوى والحركات الإسلامية إعادة تقييم ومراجعة مواقفها وأدائها، سواء بما يتعلق في السنوات الماضية، أو من أجل وضع خارطة مستقبلية لدورها في المرحلة المقبلة وكيفية مواجهة مختلف التحديات السياسية والفكرية والتنظيمية والاجتماعية. فالمقاربة التي تمت خلال السنوات الماضية أدت إلى تفاقم الصراعات المذهبية والقومية وسقوط مفهوم الدولة الوطنية، وبروز تحديات مختلفة لم تكن قائمة سابقا.

ورغم بروز الدور الشعبي الكبير للإسلاميين في السنوات الماضية، فقد تراجع دورهم السياسي وواجهوا تحديات داخلية وخارجية، ولم يعد من المناسب استمرار سياسة المكابرة والإنكار والادعاء بتحقيق الإنجازات الشاملة. قد تكون هناك إنجازات محدودة في بعض الساحات، لكن الصورة الإجمالية ليست على ما يرام، طبعا دور قوى المقاومة قد يكون الأفضل في مواجهة العدو الصهيوني، لكن هناك فشل كبير في السياسات الاقتصادية والاجتماعية وبناء الدولة.

نحن أمام عالم جديد يتشكل ويتغير ونحتاج لخارطة طريق جديدة من قبل القوى الإسلامية تكون قادرة على مواجهة مختلف التحديات، فهل من يتصدى لطرح مشروع إسلامي جديد لمواجهة كل هذه التحديات؟

twitter.com/kassirkassem
التعليقات (1)
التصحيح الديني
الأربعاء، 28-12-2022 06:22 م
السؤال الكبير وتصحيح المسار أما السؤال الكبير فهو: هل من المعقول و المقبول ان يقال ان كل ما قاله واجتهد به العلماء الاوائل والمعاصرون هو من ثوابت الدين؟ وهل كل تفاصيل الحياة المعيشية الدنيوية اليوميه للنبي عليه الصلاة والسلام، واجتهادات من أتى بعده من الخلفاء والائمة والعلماء هي من ثوابت الدين؟ ان هذه الأمة في حاجة ماسة اليوم الى قراءات جديدة للتنزيل الحكيم كتلك التي قام بها بعض المفكرين المعاصرين، (ومنهم مثلا المفكر الكبير د محمد شحرور)، والتي من شأنها احداث ثورة فكرية دينية شاملة، تؤدي لتصحيح القناعات المجتمعيه للعقل العربي، والى احياء الأمة بعد سباتها الطويل. لقد انعزلت أمة العرب عن بقية امم الارض المتحضرة لمئات السنين. وكان من نتائج هذا الانعزال، انها اصبحت عاحزة عجزا شبه تام عن انتاج المعرفة. وكانت الثقافة الدينية الموروثة الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الانعزال. فالموروث الديني كرس وقبل بوجود الترادف في كتاب الله، والترادف يفتقد الى الدقه. والموروث الديني رسخ فكرة القياس وجعل العقل العربي عقلا قياسيا، فهو يحتاج دائما الى نموذج او نسخة اصليه للقياس عليها وذلك يمنعه من الابتكار. والموروث الديني جعل العقل العربي مكبلا بفكرة المسموح والممنوع فهو يسأل دائما عن "حلالية" كل جديد (أي هل هو حلال ومسموح استخدامه والتعامل معه)، مما قيد انطلاقه في انتاج المعرفه. وذلك اضافة الى التناقضات الكثيرة في كتب الموروث الديني، مع ايات التنزيل الحكيم، سواء بين الطوائف المتعدده او ضمن الطائفة الواحده، مما اثر سلبا في تشكل العقل الجمعي العربي واختلاف طوائفه وتناحرها. وكان السبب الرئيسي لذلك التناقض هو قيام ائمة وعلماء المسلمين (الاوائل والمعاصرين ومن مختلف الطوائف)، بنقل اسلوب الحياة الدنيوية للنبي وصحابته، على انه جزء من الدين، واعطوا ذلك صفة القداسة والشموليه والعالميه والابديه. فكان من تنيجة ذلك ان اصبحت المحرمات بين ايدينا بالمئات بل بالالاف بدلا عن اقتصارها على الاربعة عشر محرما المنصوص عليها في كتاب الله تعالى (وهي المبينة في الايات151،152 سورة الانعام، اية 3 سورة المائده، اية 33 سورة الاعراف، اية 23 و 24 سورة النساء، اية 275 سورة البقرة)، وكلها تؤكد ان المحرمات محصورة في الايات المذكورة ولا يمكن الاجتهاد فيها، وأن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في التحريم. فكل ما حرمه علماء الفقه في كتبهم خارج المحرمات الالهية المبينة في الايات المذكوره ما هو الا منهيات او محظورات لاترقى الى درجة التحريم. اننا كمسلمين (والبشرية جمعاء في كل العصور والى يوم القيامة) مأمورون باتباع النبي عليه الصلاة والسلام، في كل ما امر به او نهى عنه، من مقام الرسالة، وذلك في نطاق الاوامر والنواهي الربانيه وما يوافقها. لكن اوامر النبي عليه الصلاة والسلام ونواهيه المتعلقة بالممارسات المعيشيه اليوميه، فنحن مخيرون في الاخذ بها او الاجتهاد فيها بما ينفعنا وبما لا يخالف التنزيل الحكيم، لأنها اوامر ونواهي تحمل الصفة المدنيه ضمن نطاق حكمه المدني من مقام النبوه، وهدفها تنظيم الحلال فيما يتعلق بمجتمعه المدني ودولته المدنيه في زمانه فقط، ولا تحمل صفة الشموليه ولا العالمية ولا الابدية، باستثناء ما كان منها يتعلق بشعائر الصلاة والزكاة، حيث امرنا الله تعالى بطاعة الرسول فيهما بشكل منفرد (واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). لقد كاد فقهاء الاسلام الاوائل والمعاصرين ان يؤلّهوا رسول الله (عليه الصلاة والسلام). وكان من نتائج ذلك أن طغت محورية الحديث النبوي المنقول، على محورية كلام الله تعالى. واصبح ينظر لاحاديث النبي وتشريعاته على انها وحي ثان مواز للتنزيل الحكيم ومطابق له في القدسية، وربما اعلى منه في بعض الاحيان. واستندوا في ذلك على تفسيرهم للاّية الكريمه "وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى". واعتبروا ان تفسيرهم ذلك لهذه الاية هو تفسير نهائي غير قابل للمراجعة ولا للتصحيح، رغم ان هذا التفسير للآّية الكريمة لم يصدر عن النبي، ولم يرد عنه انه قال ان كل ما يقوله هو وحي من الله. فمعظم كتب الموروث الديني ماهي الا صناعه انسانية بحته، بمعنى انها لاتعدو كونها اجتهادات بشرية قائمة على ما تم جمعه من الاحاديث (بصرف النظر كونها احاديث صحيحة او مفتراه) وفي حدود ما سمح به السقف المعرفي في العصور الاولى. أما التشريع النبوي الانساني (الصادر من مقام النبوه)، فقد كان ينحصر في تقييد المطلق او اطلاق المقيد ضمن دائرة الحلال الواسعه. فالنبي عليه الصلاة والسلام معصوم عن الخطأ من مقام الرسالة فقط، وليس من مقام النبوة (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك...) – (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخره...). لقد أعطى الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام (وللبشرية من بعده كذلك) حق الاجتهاد في التشريع الانساني الدنيوي، دون ان يجعل لذلك الاجتهاد صفة القداسة والشمولية والعالمية والابدية. وكانت تلك هي العلة الكبرى وراء كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين (أي لا نبي بعده). والا، فان البشرية كانت ستكون دائما بحاجة الى انبياء جدد. وباعطائه سبحانه للبشرية ذلك الحق في التشريع، فقد قضى بان محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين. ان الحقيقة الكبرى التي غفل عنها فقهاء الاسلام قديما وحديثا هي ان الاسلام قد دشّن عصر ما بعد الرسالات، أي عصر صلاحية الانسانية للتشريع لنفسها فيما لا يخالف التنزيل الحكيم. وبغير ذلك فان البشرية كانت ستبقى دائما بحاجة الى انبياء جدد. ذلك، بالطبع، مع تسليمنا الكامل بأن كل فكر جديد هو خاضع للقبول او الرفض او التصحيح او التخطئة. ولكن لنتذكر دائما بأنه ليس كل رأي او فكر جديد هو دائما قادم من متاّمر او عدو. (كانت هذه قبسات من بعض ما فهمته من فكر المصلح العبقري الكبير الدكتور محمد شحرور رحمه الله. واعادة النشر لهذه المقالة متاح بغرض فتح باب النقاش بشكل اوسع وتعميما للفائده)