كيف تتواءم السلفية مع تهميشها وتصعيد تيارات إسلامية أخرى؟
بسام ناصر20-Dec-2212:18 PM
1
شارك
خبراء: الحركة السلفية تعيش في الوقت الراهن حالة أشبه ما تكون بالحرب البينية
تعيش السلفية المعاصرة بتياراتها المختلفة حالة من التهميش المقصود،
في ظل سياسات رسمية عمدت إلى محاصرتها، وسعت إلى تقليص دوائر حضورها وتأثيرها،
بحرمانها من منابر ومساحات دعوية كانت متاحة لها من قبل، بوصفها محاضن تربوية
ودينية ساهمت في تفريخ الفكر التكفيري والعنفي بحسب دوائر غربية وعربية.
وبات واضحا أن السلفية بتياراتها المقبولة لدى الأنظمة الرسمية،
والتي كانت تتمتع بهوامش مريحة من الحركة والدعوة، لم تعد هي الخيار المناسب في
الوقت الراهن لدى تلك الأنظمة، وهو ما دفعها إلى تصعيد تيارات إسلامية أخرى، تندرج
في غالبها تحت عناوين الأشاعرة والماتريدية والمذهبية والتصوف كخيار بديل يلبي
الشروط والمواصفات الرسمية للمرحلة الراهنة.
ونظرا لأن التيارات الجديدة، المرشحة من قبل الأنظمة لملء الفضاء
الديني، بينها وبين السلفيات المعاصرة خلافات منهجية وعقدية شديدة، وشهدت
علاقاتهما صراعات حادة تاريخيا وواقعيا، وكانت مشحونة بالسجالات العقائدية
الساخنة، فإن الدائرة باتت تضيق أكثر وأكثر على السلفية، بعد أن أضحت في مرمى خصوم
طالما عانوا من مهاجمة السلفيين لهم، بذريعة انحرافهم العقدي، وترويجهم للعقائد الفاسدة،
فما يحدث أقرب ما يكون إلى تصفية الحسابات، وفق مراقبين.
أمام هذه المعطيات الجديدة فإن السلفية تواجه تحديات كبيرة، تتمثل في
المحافظة على وجودها وحضورها، والمحافظة على مكتسباتها السابقة، فكيف ستتواءم مع
هذا الواقع الجديد؟ وهل ثمة تحولات ملحوظة في الخطاب والممارسات السلفية للتكيف مع
التحديات الراهنة؟ وهل بات السلفيون يستشعرون ضرورة ذلك التغيير للمحافظة على الحد
الأدنى من تواجدهم وحضورهم؟.
في أتون الجدل العقائدي الدائر بين الأشاعرة والماتريدية من جهة
والسلفيين من جهة أخرى، وفي مواجهة اتهام الأشاعرة للسلفيين بالتجسيم في الصفات
الإلهية، وجد السلفيون أنفسهم مضطرين للدفاع عن منهجيتهم واختياراتهم العقدية، بعد
أن كانوا في العقود السابقة هم من يبادر إلى مهاجمة الأشاعرة والمتصوفة والمذهبية.
وكان لافتا قبل عدة شهور تخصيص الأصولي والفقيه المغربي، مولود
السريري محاضرات وصف فيها عقائد السلفيين في إثبات الصفات الإلهية الخبرية
بالتجسيم، وهي مناقشات في علم الكلام والمنطق واللغة والفلسفة، الأمر الذي استفز
السلفيين، ودفع بعض طلبة العلم منهم للرد عليه، ومناقشته في اتهامه لهم بالتجسيم.
وفي ذات الإطار دافع مشهور حسن سلمان، أحد رموز السلفية في الأردن،
عن اعتقادهم في إثبات الصفات الإلهية على حقيقتها وظاهرها، مطالبا من يتهمونهم من
الأشاعرة وغيرهم بالتجسيم أن يحسنوا فهم معتقدهم على وجهه الصحيح، ويسمعوا منهم
قبل أن يحكموا عليهم، مبينا أن (شيخ الإسلام) ابن تيمية حينما يثبت المكان لله،
إنما يريد بذلك (المكان العدمي) لا الحسّي.
إضافة إلى تلك الوقائع، ثمة عشرات المقالات والمنشورات والمصورات
التي يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تهاجم السلفيين وتصفهم بالمجسمة
والمشبهة في الصفات الإلهية، ما يستفز السلفيين ويدفعهم للرد والدفاع، وهو ما
يشير، حسب مراقبين إلى انتقال السلفيين من مواقع انتقاد الأشاعرة والماتريدية
والصوفية ومهاجمتهم، إلى موقع الدفاع والرد، بعد أن باتت منهجيتهم وعقائدهم
مستهدفة بصورة مكثفة ومباشرة.
في قراءته لأسباب إقصاء السلفيين، وتقديم اتجاهات دينية أخرى، رأى
الباحث المصري في الفكر السياسي، الدكتور محمد جلال القصاص أن "إقصاء
السلفيين وتقديمهم يتوقف على الدور الذي يمكنهم القيام به لاستقرار السلطة
السياسية، فبالنظر لمستوى الفعل السياسي (المستوى السلطوي) نجد أنه يحتاج
دائما لخطاب ديني داعم له".
وأضاف: "بعد (الربيع العربي) اتجهت السلطات لتقديم التصوف
والتدين الرسمي (كالأزهر مثلا، وإقصاء السلفيين، وربما يكمن السبب في ظهور حالة
الثورية والرفض السياسي لدى قطاع عريض من السلفيين، وفي ذات الوقت ضعف الاتجاه
الداعم للسلطة منهم (الجامية/ المداخلة).. أما إذا ما نظرنا من مستوى أداء السلفيين
أنفسهم نجد عدة ملاحظات رئيسية خاصة بهم".
وتابع الباحث القصاص حديثه لـ"عربي21" موضحا تلك الملاحظات
بالقول: "خلاف ونزاع داخل كل نسق سلفي (سلفية جهادية، سلفية علمية) يصل إلى حد
الاستقواء بالمخالف على بعضهم، بل يصل لحد القتال المسلح كما في الجماعات (الجهادية..
داعش والقاعدة مثلا)، وخلاف مع المجاورين لهم في الظاهرة الإسلامية كالإخوان
والصوفية والأشاعرة".
محمد جلال القصاص.. باحث مصري
وأردف: "وكذلك وجود حركة انقسام وانشطار لا تكاد تهدأ، وظهر هذا
جليا في مشاركتهم السياسية بعد الربيع العربي، ففي مصر مثلا: بدأوا بحزب واحد
(الفضيلة)، ثم حزبين ثم أربعة، وخلال عام واحد زادوا على العشرة، ولو أتيحت الفرصة
لربما صار لكل مجموعة صغيرة حزبا خاصا بهم كما هو حال الشيوعيين" على حد
قوله.
وعن كيفية تعامل السلفية مع واقع تهميشها وتصعيد تيارات دينية أخرى،
أجاب القصاص بالقول: "سوف تكمن السلفية في مكانها على القيم التي تؤمن بها،
وستكون حركتها في المساحة التي تتاح لها داخليا أو إقليميا أو عالميا، كما حدث
مرارا من قبل، ولن تستطيع المبادرة من ذاتها لانعدام الأدوات السياسية (كالأحزاب
والحضور في قيادة المؤسسات) والاجتماعية.. في ظل وجود خطاب تبريري لتقبل الهزيمة والانكماش،
ومن ثم تبرير الحركة حيث المتاح فقط".
وشدد على أن السلفية "تحتاج لتحولات جذرية كي تكون مبادرة، وكي
تخرج من إطار التوظيف، وهذا يتطلب نوعية جديدة من النخبة المعلمة سياسيًا
واقتصاديًا بجانب التعليم الشرعي، وهذا يتطلب مناهج جديدة، وأرى أن هذا بعيد في الأفق
المنظور، لذا فإنها ستبقى ضمن أدوات السلطة، وفي أحسن الأحوال قوى معارضة كامنة
تدعم الحراك المعارض بعد ظهوره في الواقع كما حدث في (الربيع العربي)".
من جهته قال الباحث الأردني، المهتم بالحالة السلفية، إياد شتيوي: "تعيش الحركة السلفية في الوقت الراهن حالة أشبه ما تكون بالحرب البينية فلا
تكاد ساحة من ساحات بلاد المسلمين إلا وتشهد سجالات تبديع وتخوين وتجهيل بين أتباع
هذه المدرسة حيث يمارس كل فريق حقه، كما يدعي أولويته في حيازة ختم التوقيع عن فقه
السلف، وحيازة الفهم الصحيح للكتاب والسنة المبالغة في الترويج لإرث ابن
تيمية".
إياد شتيوي، باحث أردني مهتم بالحالة السلفية
وتابع: "أضف إلى ذلك ظهور تيار شبابي قوي جدا في نقده للسلفية
المعاصرة إن كان في ثابتها الأعظم، الالتزام بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وذلك
بإظهار خيارات لا تقل قوة عن اختيارها، أو على الأقل وجود فهم آخر له حظ من الكتاب
والسنة وسلف الأمة، كما في مسألة الخروج على الحاكم".
وأردف في حواره مع "عربي21": "يضاف إلى ذلك كله قدرة
هذا الفريق على إبراز تناقضاتها بإظهار ما كانت عليه، وما آلت إليه كما في متابعة
بدايات ربيع المدخلي ونهاياته، وكل ذلك بات متاحا على مواقع التواصل الاجتماعي،
مما أدّى إلى اتساع الرؤية لدى عامة الناس".
وخلص شتيوي في ختام حديثه إلى القول إن "كل ذلك وغيره أضعف الحركة
السلفية، وأدّى إلى تهميشها وتراجعها حتى باتت في حالة دفاع أو تبرير، لا سيما بعد
تصعيد تيارات واتجاهات إسلامية أخرى، تعد من خصومها الدينيين، وربما تسعى مستقبلا
للبحث عن المجمعات والمشتركات بعد أن كانت رائدة في الاستعلاء".
للأسف تفرق ونزاع يدمي القلب، وبدل رص الصفوف والتنافس في نصرة دين الله وإعلاء كلمته، تستنزف الجهود في مماحاكات عبثية تزيد الفرقة حتى داخل الصف الواحد...كنت في لقاء مع مجموعة من الغيورين على الدين، فطرحت سؤالا عما إذا كانت طالبان تستطيع إعلان إقامة دولة الخلافة فأجابني أحدهم بأن على طالبان أولا تصحيح عقيدتهم...ما السبيل إلى وأد هذه الخلافات؟ لم يمنح ديننا مفتاح الجنة والنار لهذه الفرقة أو تلك، خاصة حين يتم الجدل في مسائل ظنية لا يكاد ينتهي الجدل فيها الأمس واليوم وغد. الآية الكريمة تقول : (إن الدين عند الله الإسلام) ولا تقول إن الدين عند الله الإيمان....والهدي النبوي يعلمنا أن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وأن المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص...فما بال هؤلاء القوم يتناطحون في التفرقة بين صفوف المسلمين وتوهين شوكتهم، بينما شرع الله معطل وعواصم الكفر تتحكم في كل شاردة وواردة في بلاد المسلمين، وقواعد جيوشها تصول وتجول في ديار المسلمين!! وها الي هود يجاهرون بنيتهم في تقسيم الأقصى الشريف كما قسموا بالأمس القريب الحرم الإبراهيمي في الخليل في فلسطين!! اللهم إهدنا إلى أرشد أمرنا، واكفنا شرور الفرقة والابتعاد عن حبل الله المتين.