بعد تواصل الاحتجاجات الشعبية في
إيران، التي اندلعت قبل شهرين
ونصف؛ احتجاجا على السياسات الحكومية، لا سيما ما يتعلق منها بفرض مظاهر التدين في
مناحي الحياة العامة، اتخذت الحكومة الإيرانية مؤخرا قرارات في سياق إجراءاتها
وسياساتها الرامية لاحتواء الاحتجاجات، والحد من توسع جغرافيتها، والسيطرة على
تداعياتها.
وكان لافتا إعلان المدعي العام الإيراني حجة الإسلام محمد جعفر
منتظري إلغاء شرطة الأخلاق، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية
(إيسنا) في 4 كانون أول/ديسمبر 2022، وقال منتظري؛ إن "شرطة الأخلاق ليس لها
علاقة بالقضاء وألغاها من أنشأها".
وفي ذات الإطار قررت السلطة القضائية ومجلس الشورى مراجعة قانون
الحجاب، الذي أصبح إلزاميا منذ 1983، وهو القانون الذي فُرض بعد مرور أربع سنوات
على الثورة الإسلامية في 1979، وتأتي هذه التحركات وفق مراقبين عقب تصاعد وتيرة
الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت منذ شهرين ونصف.
يعكس قرار الحكومة الإيرانية حل شرطة الأخلاق، وإعلانها عن مراجعة
قانون الحجاب، استجابتها لبعض مطالب المحتجين، لتهدئة الأوضاع، واحتواء
الاحتجاجات، لكن هل تعكس تلك القرارات استجابة حقيقية لمطالب المحتجين، أم إنها
تعبر عن
توجهات آنية ظرفية اضطرارية؟ وهل من الوارد لجوء النظام الإيراني مضطرا
لإلغاء سياسة فرض مظاهر التدين في الفضاء العام الإيراني؟
في تعليقه على قرار الحكومة الإيرانية حل شرطة الأخلاق، رأى الباحث
المصري المتخصص في الشأن الإيراني، الدكتور مسعود إبراهيم حسن، أنه "قرار
تكتيكي يأتي في إطار سياسة النظام الإيراني لاحتواء الاحتجاجات الشعبية، التي لم
يتوقع استمرارها إلى هذا الوقت؛ لأنه كان يعول على أنها لن تستمر أكثر من أسبوع أو
عشرة أيام، وأنها ستنفض بعد ذلك كما حدث من قبل في احتجاجات 2009، و 20017، و
2019".
وأضاف: "ومن المعروف أن الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات كانت وفاة
الفتاة الكردية، مهسا أميني على أيدي شرطة الأخلاق، وكان متوقعا أن يقوم النظام
بعد استمرار الاحتجاجات وتصاعد وتيرتها، وتوسع جغرافيتها، برد فعل إيجابي لاحتواء
الاحتجاجات، لكن صمت النظام تجاهها زاد من حدتها، بل أدّى إلى رفع سقف مطالب
المحتجين، إلى درجة رفعهم شعارات تطالب بإسقاط النظام، وشعارات أخرى تطالب بموت
الديكتاتور، المرشد العام للثورة الإيرانية، علي خامنئي".
مسعود إبراهيم حسن، باحث مصري متخصص في الشأن الإيراني
ووصف قرار حل شرطة الأخلاق بأنه "لا يسمن ولا يغني من جوع؛ لأنه
جاء متأخرا للغاية، بعد أن فهم الشعب الإيراني أنها مجرد لعبة لاحتواء الاحتجاجات،
التي أحرجت النظام بعد انتشارها في مناطق إيرانية واسعة، ولم يعد النظام قادرا على
السيطرة عليها، أو إنهائها كما تمكن من فعل ذلك في مرات سابقة".
وأردف في حديثه لـ
"عربي21": "سلوك النظام الإيراني في
مواجهة الاحتجاجات، واتخاذه قرار حل شرطة الأخلاق، ومراجعة قانون الحجاب، لا يعكس
استجابة حقيقية لمطالب المحتجين، بل هو إجراء تكتيكي ظرفي، يهدف النظام من ورائه
لاحتواء هذه الموجة المشتعلة من الاحتجاجات الواسعة على سياساته".
وقرأ الباحث المصري حسن في الانتفاضة الإيرانية الراهنة، "أنها
تعبر بوضوح عن ثورة حقيقية ضد النظام، وثورة مطالبة بالحرية، ومن اللافت أن ارتفاع
سقف مطالب المحتجين (إسقاط النظام) يمثل أمرا مخيفا للنظام، وهي تختلف عن مطالب
الاحتجاجات السابقة، التي كانت في أغلبها مطالب فئوية واقتصادية، أما هذه
الاحتجاجات، فقد وحدت غالب شرائح الشعب الإيراني ضد النظام، التي تعكس معاناة
الشعب الإيراني بسبب السياسات الديكتاتورية التي مارسها النظام طوال العقود
الماضية".
ولفت الانتباه إلى ما اعتبره أمرا مهما وخطيرا، والمتمثل بـ"سقوط قدسية رجال
الدين في الشارع
الإيراني ورمزيتهم، بل سقوط قدسية ورمزية رأس النظام، وهي كلها مؤشرات تؤكد وجود
تحولات وتغيرات في الثورة الراهنة في إيران، نتيجة تلكؤ النظام في اتخاذ ردود فعل
إيجابية تجاه الاحتجاجات، ومطالبات المحتجين".
واستبعد أن تؤدي استجابة الحكومة الإيرانية الآنية، المتمثلة بحل
شرطة الأخلاق، ومراجعة قانون الحجاب إلى إلغاء سياسة فرض مظاهر التدين في الفضاء
العام الإيراني، ووصف ذلك بـ"المستحيل؛ لأن حدوثه يعني ببساطة تفريغ الثورة
الإسلامية الإيرانية من مضامين أساسية وضعها الخميني مع قادة الثورة حينذاك، ما
يعني انتهاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية وزوالها".
تأسست شرطة الأخلاق في إيران عام 2005، وتعرف باسم (جشت إرشاد)، وهي
جهاز تابع للشرطة الإيرانية، وأغلب عناصرها من قوات الباسيج، التي تشكل جيشا
موازيا للجيش النظامي، وهي مخولة بإلزام النساء في الأماكن العامة باتداء الحجاب،
المعروف في إيران باسم (الشادور)، ولديها صلاحيات لاعتقال وعقوبة كل من يخالف قانون
الحجاب، وهي المسؤولة عن مقتل الشابة مهسا أميني.
من جهته قال الكاتب والباحث العراقي، إياد العطية: "اكتشف الشعب
الإيراني مؤخرا ازدواجية النظام في تعامله مع قضايا المسلمين، ونيته في التوسع
والسيطرة على المنطقة. لقد شاهد الشعب الإيراني نفاق حكومته وتناقضها في تعاملاتها
مع الملفات المختلفة في المنطقة؛ فقد حارب 8 سنوات ضد العراق بحجة قتاله لنظام
البعث باعتباره نظاما كافرا، وفي الوقت نفسه تحالف مع الحزب نفسه في سوريا".
إياد العطية، كاتب وباحث عراقي
وأضاف: "كما أعلن رفضه لسياسة أمريكا في المنطقة، وادعى
معارضتها، وصرح بمعاداتها، لكنه في الوقت نفسه سهل وتعاون في دخول قواتها إلى
العراق وأفغانستان، وكذلك كان سلوكه في ملفات أخرى تعكس نفاق النظام ودجله"، على حد قوله.
وتابع: "ومن جهة أخرى، فإن سياسة نظام الملالي أثقلت الشعب
الإيراني، وأصبحت نسبة كبيرة منه تعيش تحت خط الفقر، بسبب تمدد النظام وتدخله
المباشر في ملفات خطيرة خارج حدوده، بكلفتها الباهظة جدا، ما انعكس بشكل مباشر على
حياة المواطن الإيراني، الأمر الذي ولد انفجارا كبيرا في الشارع الإيراني".
وردا على سؤال
"عربي21" حول دوافع النظام الإيراني في حل
شرطة الأخلاق، ومراجعة قانون الحجاب، لفت العطية إلى أن "استجابة النظام لبعض
مطالب المحتجين ما هو إلا إجراء تكتيكي، يهدف إلى امتصاص غضب الشارع وتهدئته؛ لأن
بنية النظام قائمة منذ تأسيسه على هذه السياسة، ورفعه لشعار تبني قضايا المسلمين
وتطبيق الشريعة في المنطقة لا يعدو أن يكون ضربا من ضروب المخادعة والتزوير".
وأنهى كلامه بالتأكيد أن "النظام الإيراني لن يتخلى عن
الشعارات والمضامين الدينية، التي تعبر عن قضايا جوهرية ومركزية في بنية نظامه
السياسي والديني، وهو لن يغير سياساته التوسعية في المنطقة كذلك، ولن يتراجع عن
مشاريعه بسبب الاحتجاجات الراهنة، واستجابته لن تكون أكثر من إجراءات آنية لتهدئة
الأوضاع، والسيطرة عليها".