هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في 20 نوفمبر الماضي، وعلى هامش بطولة كأس
العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها قطر، رتّب الجانب القطري لمصافحة بين كل من
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبداالفتاح السيسي في أول لقاء
مباشر بينهما منذ العام 2013. لم يكن من
المفترض لهذا اللقاء الأول أن يكون سياسياً، لكن الرئيس التركي أشار في مقابله معه إلى أنّهما ناقشا لمدّة 30 إلى 45 دقيقة حل الخلافات بينهما.
وعقب اللقاء، أعلنت الرئاسة المصرية أن هذه
المصافحة أكدت على عمق الروابط بين الجانبين.
كما أوضح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، بسام راضي، أنه تم التوافق على أن
تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الطرفين. بدوره، أشار أردوغان إلى أن
تلك المصافحة كانت خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين، ،
لافتاً الى أنّ مطلب تركيا الوحيد يتعلّق بالوضع شرق البحر المتوسط.
تقارب القاهرة من الدوحة سمح على ما يبدو
بتسجيل خرف على مستوى الرئاسة التركية والمصرية. اليوم مصر بحاجة الى دعم اقتصادي
لم بعد الجانب الإماراتي أو السعودي يوفره لها بالشكل الذي كان عليه الامر منذ
العام 2013، وبالتالي تسعى القاهرة الى البحث عن مصادر جديدة للتمويل لمنع الانهيار
الشامل وتآكل الشرعية، وهي تضع عينها على قطر.
في المقابل، يبحث الجانب التركي عن تعظيم
المكاسب من خلال إبداء الاستعداد العلني للإنفتاح على جميع الجهات التي كان له
معها مشاكل متفاقمة، مستغلاّ التحولات الإقليمية والدولية التي دخلت على المعادلة
خلال العامين الماضين. علاوً على ذلك، يعمل حزب العدالة والتنمية على اغلاق الملفات الخلافية الإقليمية
ليقطع الطريق على المعارضة ويضرب برنامجها الانتخابي في الصميم، لاسيما على صعيد
السياسية الخارجية.
وفي هذا السياق، لا شك أنّ اللقاء تطوّر
لافت ومهم قياساً بما كان عليه الوضع قبل أقل من عقد من الزمان، لكن لا يمكن القول
انّه حاسم حتى هذه اللحظة. بمعنى آخر، هناك العديد من الخطوات التي يجب إتخاذها من
الطرفين حتى نستطيع أن نقول أنّ اللقاء كان له تأثير سياسي وأدى الى تغيير قواعد
اللعبة، من بينها رفع التمثيل الدبلوماسي وتعيين السفراء وتكثيف اللقاءات على
المستوى الوزاري بين المسؤولين.
من الناحية الاقتصادية، العلاقات التركية –
المصرية علاقات واعدة ومهمة ولديها إمكانية للنمو بشكل كبير. ما لا يعرفه كثيرون،
هو أنّ الجانب المصري أبقى على العلاقات الاقتصادية قائمة في أوج الخلاف السياسي،
وبرزت مصر كأكبر شريك إقتصادي لأنقرة في شمال أفريقيا، وتجاوز حجم التبادل التجاري
بين البلدين في مرحلة 5 مليار دولار، وهو مستوى لم يبلغه حتى إبان عهد الرئيس
الراحل مرسي. علاوة على ذلك، تحتل تركيا اليوم المرتبة الأولى في قائمة أكبر
مستوردي الغاز من مصر بواقع حوالي مليار دولار خلال الربع الاوّل من العام 2022
وبفارق كبير عن اسبانيا في المرتبة الثانية بواقع حوالي 400 مليون دولار .
لكن عُقدة العلاقات المصرية ـ التركية من
غير الممكن لها أن تُحل ما لم يتم الاتفاق على الوضع شرق البحر المتوسط، وتحديداً
ترسيم الحدود البحرية المصرية- التركية. نعم، بإمكان التطبيع بين البلدين أن يحقق
نقله نوعية، لكن ليس بالشكل المطلوب، ما لم يتم الاتفاق على هذا الملف. ويعد ملف
ترسيم الحدود البحرية من أبرز الملفات التي تحمل منافع مشتركة للجانبين، ذلك أن
ترسيماً بين الطرفين من شأنه أن يضمن مساحات واسعة لهما شرق البحر المتوسط وأن
يُفعل عمليات الاستكشاف والاستخراج.
لكن هناك عقبة ليست بصغيرة تنتظر هذا الملف،
ألا وهي اليونان.
بالرغم من أنّ إتفاق الترسيم البحري المصري
ـ اليوناني الذي جرى عام 2020 أبقى الباب مفتوحاً أمام ترسيم مصري- تركي، إلا أنّ
أي ترسيم ثنائي مع أنقرة سيتطلب من دون شك موافقة اليونان ان كان سيمس بما تدّعي
أنّه مساحة بحرية خاصة بها. وبالنظر الى مطالب اليونان التوسعيّة شرق البحر
المتوسط، من غير المتوقع أن توافق على تقارب مصري ـ تركي فضلاً عن ترسيم الحدود
البحرية.
هناك أيضا ملف ليبيا الذي لا يزال الجانب المصري يدير فيه حساباته وفق العقلية القديمة القائمة على الصراع الأيديولوجي والسياسي وليس على أساس المصالح المشتركة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ستستطيع مصر
إقناع اليونان بخلاف ذلك؟ لا شك أنّ مصالح مصر الاقتصادية والاستثمارية هي مع
الجانب التركي ـ من الناحية الرقميّة على الأقل ـ اذا ما قورنت بالمصالح المصرية مع
اليونان. هذا يعني انّه من المفترض ألا تجد القاهرة صعوبة في ترتيب الأولويات بين
الشركاء، لكن وضع مصر الاقتصادي الصعب وحاجة النظام المصري الى الشرعية الخارجية
تحد من قدراته على المناورة وجه داعمي اليونان نظراً لحاجته الدائمة اليهم. هذا
يعني أنّه ما لم يتم الاتفاق على تفاهم شامل في شرق المتوسط، ستبقى اليونان قادرة
على التأثير السلبي على العلاقات التركية- المصرية وعلى جذب القاهرة باتجاهها.
وربطاً بملف ترسيم الحدود البحرية شرق
المتوسط، هناك أيضا ملف ليبيا الذي لا يزال الجانب المصري يدير فيه حساباته وفق
العقلية القديمة القائمة على الصراع الأيديولوجي والسياسي وليس على أساس المصالح
المشتركة. حصول تبدّل في النزرة المصرية
تجاه ليبيا والتعلم من أخطاء المرحلة الماضية التي انتهت بهزيمة حفتر من شأنها أن
تفتح آفاقاً جديدة على مستوى التعاون الاقتصادي وتسرّع من التطبيع السياسي وتدفع
الجانبين للتركيز على أجندة المصالح المشتركة.