كتب

هل توجد نظرية تربوية عربية إسلامية؟ ما هي مقوماتها؟

كتاب يقترح تصوّرا عن معنى الأصالة التّربوية في سياق الثقافة الإسلامية
كتاب يقترح تصوّرا عن معنى الأصالة التّربوية في سياق الثقافة الإسلامية
الكتاب: البنائيّة الاستخلافية: بديل تربوي حضاري
المؤلف: د. مصدّق الجليدي
الناشر: الأصالة للنشر - الجزائر
الطبعة الأولى: أوت -أغسطس 2022
عدد الصفحات: 238

بالرغم من الجهد المبذول في دراسة الواقع التّربوي العربي، فيما يتعلّق بالكشف عن جذوره ومشكلاته واتجاهاته، ونفض الغبار عن الإسهام الحضاري العربي الإسلامي المتميز في مجال التربية، بما يراكم بناء نظرية تربوية عربية إسلامية متطوّرة، فإنّ هذا الجهد افتقد في كلّيته البعد الإجرائي واكتسى طابعا تأريخيّا أو نظريا خالصا، ولم يربطها بأوضاعنا التّربوية الحالية ربطا وثيقا. هذا ما يؤكّده الدكتور مصدّق الجليدي، أستاذ محاضر في الجامعة التونسيّة في التربية والحضارة الإسلاميّة، ورئيس فريق بحث "دراسات حضاريّة وإنسانيّة مجددة" بمركز البحوث والدّراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بسوسة، والخبير الدّولي في التّربية.

ومن بين الإسهامات الأدبيّة القيّمة التي اجتهدت في دراسة مشكلات الواقع التربوي واتجاهاته، نذكر كتاب "الفكر التّربوي العربي الإسلامي: الأصول والمبادئ"، الصّادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ـ المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، وكذلك كتاب "في التدريس الأصيل" لمؤلّفه الهاشمي زين العابدين، وأعمال المرحوم محمد الفاضل الجمالي الأربعة: وهي على التوالي: "آفاق التّربية الحديثة"، "تربية الإنسان الجديد"، كتاب "نحو تجديد البناء التّربوي" وكتاب "نحو تربية مؤمنة". كما يُعدّ كتاب "الفكر التّربوي عند العرب" لمؤلِّفَيه إبراهيم النجّار والبشير الزريبي، إضافة مُهمّة في الكتابات الأدبية العربية في مجال التربية.

في هذا الإطار، يتنزّل الكتاب الذي بين أيدينا للدكتور مصدّق الجليدي، الذي جاء بعنوان "البنائيّة الاستخلافية: بديل تربوي حضاري" الذي يقترح تصوّرا مدعوما بأدلة نصّية وتاريخية وفلسفية عن معنى الأصالة التّربوية في سياق ثقافتنا الإسلامية. ويرى الجليدي أنه بالرّغم من توفر العناصر المكونة للبنائيّة الاستخلافية في عديد الدراسات السّابقة، إلا أنها "لم تُصَغ ضمن رؤية منهجية صاهرة، انطلاقا من مفهوم الاستخلاف الإلهي للإنسان، وما يستتبع ذلك بطريقة منطقية وإجرائية من تحمّل الأمانة، واستخدام العقل والنّظر في خلق السماوات والأرض، للتمكن من التدخل النّاجع والأخلاقي في الآن نفسه في بناء هذا الكون وتعميره". 

بين التأويل المفتوح والقراءة المقاصديّة للشّريعة

يرى مؤلّف كتاب "البنائيّة الاستخلافية: بديل تربوي حضاري"، أن وضع ملامح التّربية الأصيلة وإعادة اكتشاف مقوماتها وبنائها، سيمكننا من "تحقيق الإضافة النوعية الثانية والمتمثلة في جعل تلك المقومات، معيارا نزن به معطيات الفكر التّربوي في التّراث وفي الفكر الإنساني الحديث، ضمن رؤية تأويلية مفتوحة، ولكنها مع ذلك مضبوطة بضوابط الشّريعة في معناها المقاصدي". ويستند الجليدي في ذلك إلى ما ذهب إليه محمّد الطّاهر ابن عاشور في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلاميّة"، من أنّ "حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان. ويشمل صلاحه صلاح عقله وصلاح عمله وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه". والغاية من إقامة هذا الميزان، هو تخيّر ما يمكن أن يكون صالحا لنظامنا التّربوي المنشود من القديم والحديث معا، وفق ما يقرّه ميزان التّربية الأصيلة، يضيف الجليدي.

بالإضافة إلى ذلك، يشير الجليدي إلى أنّ مقاربته البحثية الجديدة تسعى إلى بناء الفرد ذي التفكير المستقل والفعّال، الفرد الذي يكون عضوا في الجماعة المؤمنة، متحررا من نوازع الأنانية والفردانيّة، الذي يُسَخِّر قدراته المعرفية وطاقاته الوجدانية والبدنية والروحية لخدمة المجموعة ولخدمة الإنسانية، باعتبار أن أحبّنا إلى الله أنفعنا لعباده، وهذا مما تتطلبه أخلاق الاستخلاف في الأرض.

إشكاليّة الكتاب

يرى الدكتور الجليدي أنّ تراجع أداء النظم التّربوية العربية والوعي بخطورة ذلك راهنا ومستقبلا، دافع للتفكير في الأسباب والحلول معا. مضيفا أنّ التجربة العلمية والحضارية الإسلامية، تدلّ أن الخلل الحاصل في أدائنا العلمي والحضاري الراهن، لا يمسّ في شيء روح الثّقافة الإسلامية التي تولّدت عنها أصالتُنا التّربوية، التي كانت مصدر إلهام وإبداع عظيمين طوال قرون مديدة من تاريخ أمتنا المجيد. ومن هنا يتجه التفكير إلى البحث بإيجابية وتفاؤل كبيرين عن شروط استئناف فعلنا الحضاري وريادتنا العلمية. والمدخل إلى هذا بحسب رأيه، هو "القيام بعملية إصلاح عميق وجذري لأنظمتنا التّربوية، والقيام بعملية مراجعات وتقييمات علمية وموضوعية لها ولتراثنا الفكري التّربوي وللتّراث التّربوي الإنساني الحديث معا، من دون مركّبات نقص ولا استعلاء".

وبناء على ما سبق، يطرح الجليدي الإشكالية الرئيسية الآتية: ما هي مقومات التّربية الأصيلة في الثقافة الإسلامية، وإلى أي حدّ تحقّقت في الفكر التّربوي في التّراث؟ وما موقع الفكر التّربوي الإنساني الحديث منهما معا؟ وتتولّد من الإشكالية المذكورة الأسئلة التالية: ما هي مقومات التّربية الأصيلة في الثقافة الإسلامية (القرآن والسنة أساسا)؟ وما هي المظاهر الحضارية الناتجة عن تشرّب المسلمين لمعنى الأصالة التّربوية؟ وإلى أي حدّ تطابقت مختلف الاتجاهات التّربوية في التّراث الإسلامي مع روح التّربية الأصيلة في الثقافة الإسلامية؟ وما هي مقومات التّربية في الفكر الإنساني الحديث، وإلى أي حدّ تلتقي مع مقومات التّربية بمعناها الإسلامي الأصيل من جهة، وبمعناها التّراثي التاريخي من جهة ثانية؟ وأخيرا: ما هي القيمة المضافة التي سيفرزها هذا العمل بناء على كل ما سبق، والتي من المنتظر أن يحققها النظام التّربوي المنشود؟ والسؤال الأخير، هو التحدي الأبرز الذي تصدى هذا الكتاب لرفعه. 

بنية الكتاب

تمحورت محاور البحث الأساسية للكتاب حول أقسام ثلاثة: معطيات الفكر التّربوي في التّراث، معطيات الفكر التّربوي الإنساني الحديث، ومقارنات بين الفكر التّربوي في التّراث والفكر التّربوي الحديث والنتائج المستخلصة منها. أمّا القسم الأوّل؛ فقد تناول موقع الإسلام من تاريخ البشرية وأسس التّربية الأصيلة في الثقافة الإسلامية ومقوّماتها، إلى جانب تعداد ما حفل به التراث من معطيات تؤسس للفكر التّربوي المنشود. في حين عني القسم الثاني بتعداد خصائص التّربية الحديثة، وأهم أفكارها ومبادئها، ثمّ أتى على نماذج من الفكر التّربوي الغربي الحديث.
 
وشمل القسم الثالث جوانب الالتقاء والتمايز بين كلّ من معطيات الفكر التّربوي في التّراث ومعطيات الفكر التربوي الإنساني الحديث، فضلا عن وضع الفكر التّربوي الإنساني الحديث في ميزان الأصالة التّربوية الإسلامية. وانتهى إلى تحديد القيمة المضافة المرتقبة من النظام التّربوي المنشود، وسبل تنزيل سمات الأصالة التّربوية على أرض الواقع، وضبط العوائق التي قد تعيق تنزيلها.

تحليل مفهوم البنائية الاستخلافية

يشير الجليدي إلى أنّ مفهوم البنائية الاستخلافية يظهر لأول مرة في الأدبيات التربوية الحديثة الأصيلة، وذلك بحسب مواكبته المستمرة واللصيقة لأدبيات البحث والتنظير التربوي في العالم الإسلامي وفي العالم ككل. وقد اجتررح مفهوم البنائيّة الاستخلافيّة جمعا إجرائيا بين نظرية نفس_ معرفية، وفلسفةٍ وجودية وأخلاقية. أي وَصْلا بين الطبيعي والثقافي والروحي في الإنسان.
  
ويؤكد في هذا الإطار، أنّ التوجه إلى رفع الحواجز المعرفية بين مختلف العلوم الإنسانية وفروعها، وبناء معرفة علمية مركّبة قادرة على تعقّل المعقّد من الظواهر الإنسانية، توجّه يتكرّس اليوم أكثر فأكثر انطلاقا، خاصة مع بعض أعمال عالم الاجتماع والأنتروبولوجيا إدغار موران. فأما النظرية التي انطلق منها، فهي النظرية البنائية التي ظهرت في صيغتها الصريحة الناضجة الأولى، بفضل ولادة مفهوم الإنسان في السياق الحديث، وتطور علوم الحياة والوعي لدى عالم البيولوجيا ومؤسس الإبستمولوجيا النشوئية جان بياجيه (1936؛ 1937؛1964) ثم تطورت إلى بنائية معرفية اجتماعية (مع دواز ومونيي السويسريين، 1981؛ 1997)، وإلى بنائية ثقافية (مع ڥيغوتسكي الروسي، 1934 وجيروم برونر الأمريكي، 1990)، فإلى نيوبنائيات néoconstructivsme مثل البنائية النقدية) مع تايلور، 1996 و1998)، وأخيرا إلى بنائية مفتوحة (مصدق الجليدي، 2008)، وإلى بنائية بَنّائيّة. أما المرجعية الثانية لمفهوم البنائية الاستخلافية، فهي فلسفة في التوحيد الاستخلافي، فيقول؛ إنّه استلهمه من القرآن الكريم ومن الأنتروبولوجيا العمرانية الخلدونية، ومن روح الحضارة الإسلامية في أطوارها الأصيلة المبدعة.

النظام التربوي والتنمية الشاملة المتوازنة والمستديمة
 
يؤكد الدكتور الجليدي أنّ القيمة المضافة الأساسية المرتقبة من النظام التّربوي المنشود، هي إعادة التوازن إلى تكوين الإنسان الخليفة، ومدّه بأسباب حفظ ذلك التوازن والمرور به إلى درجات أرقى فأرقى، وهو ما يعني التنمية الشاملة المتوازنة والمستديمة للمؤمن وللأمة وللجنس البشري قاطبة؛ إذ يرى أنّه في الوقت الذي يمدّنا القرآن الكريم بمقومات التّربية الاستخلافية الشاملة الثابثة، لرسوخها في معاني التكريم الإلهي للإنسان وتخويله حمل أمانة الحرية والمسؤولية، والقدرة على إعمار الكون المسخر له أفرادا وجماعات، تأتي تجربة أسلافنا النيّرين وتجربة أحفادهم المستنيرين مدعومة ومعمقة بتجارب الإنسانية الحديثة، في مناحيها المتوافقة مع معنى الأصالة التّربوية، لتمدنا بفهم أكثر فأكثر وضوحا لكيفيات تمثل معاني الاستخلاف تربويا، وبأشكال أكثر فأكثر إجرائية لتنزيل تلك المعاني في أرض الواقع مع كل أصناف الفاعلين التّربويين: قادة ومؤلفين ومكونين ومعلمين ومتعلمين. 

ويُجمل الجليدي القول؛ إن "أنسب شكل إجرائي لتنزيل معنى الاستخلاف تربويا في حدود ما جاد به الفكر الإنساني في الوقت الحاضر، هو تطبيق المنهج البنائي الذي يمنح الفرد المتعلم ما يستحقه من الثقة في قدرته على البناء الذاتي للمعارف بتيسير مدروس من المعلم، ولكن مع توسيع معنى هذه البنائية، حتى تستوعب كل مكونات بناء الشخصية عرفانيا ووجدانيا واجتماعيا وأخلاقيا وروحيا". ذلك أنّ البنائية الاستخلافية هي ذات الأساس الروحي الرفيع، ولكنها المقبلة في الوقت نفسه على الحياة وعلى إدارة شؤون العالم على هدي من مقاصد الوحي وقواعد العقل وسلامة الوجدان، ضمن الدائرة الواسعة للانتماء الروحي والوظيفي للجماعة المؤمنة والجماعة الإنسانية. وهي المجسدة فعليا للمعنى العميق لتجربة المعراج والعودة النبوية إلى الأرض بمشروع كوني مفتوح إلى ما لا نهاية، وهو مشروع تنزيل تجربة الروح السامية في المتعين الإنساني، وهو ما تختلف به عن التجربة الصوفية المعلقة في سماء المعنى، وعن كل التجارب المادية المفتقدة لكل أساس روحي، يضيف الجليدي.

التعليقات (1)
أبو فهمي
الجمعة، 21-10-2022 04:41 م
لا أحد يريد مزيدا من النظريات فـ """"" غثاء السيل """"" لا يقرؤون """""!!!!!!!! واذا قرؤا """"" لا يفهمون """"" واذا فهموا - لا سمح الله - لايعرفون ما يفعلون!!!!!!!!!!!!!!!. المثل يقول :::::::::: دق المي وهي مي :::::::::::. كفانا نظريات وفلسفات !!! نريد أفعال !.