مقالات مختارة

سياسات ترامب تُعمّق انقسام الداخل… وتقلق حلفاء الخارج!

عبد الله الشايجي
جيتي
جيتي
نجح دونالد ترامب في الأشهر العشرة الأولى من رئاسته منذ مطلع العام بإحداث شرخ كبير أكبر مما كان يتوقعه حتى أكثر المتشائمين بهز أركان النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ـ وزيادة حدة الاستقطاب ـ ما يثير كثيرا من علامات الاستفهام على صواب سياسات ترامب، الذي بدأ يتراجع عن رفع الرسوم الجمركية التي ترفع تكاليف المعيشة والتضخم وتعتبر ضريبة مبيعات!! ليبدأ بالتراجع ويخفض الرسوم!! ويرسل الحرس الوطني للمدن والولايات التي يحكمها الديمقراطيون-في محاولة لترهيبهم وإثبات عدم قدرتهم على فرض الأمن في مدنهم وولاياتهم. ويلجأ لمعاقبة والانتقام من خصومه بتسييس تعيينات وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالية FBI-لملاحقة خصومه الذين حاكموه لمخالفته القوانين بعد خسارته انتخابات الرئاسة عام 2020. ويرفض ترامب الاعتراف بخسارته حتى اليوم. ويكرر أن الانتخابات سُرقت منه.

ودأب على مهاجمة الرئيس بايدن ووصفه بالرئيس الأسوأ والأقل كفاءة. متجاهلاً تقييم المؤرخين أن الرئيس ترامب هو الأقل كفاءة من بين الرؤساء الأمريكيين في فترة رئاسته الأولى وحتى في الأشهر العشرة الأولى من رئاسته الثانية. وتأكيد الديمقراطيين وقيادات الحزب الديمقراطي-وآخرهم السناتور كريس ميرفي أن ترامب هو الرئيس الأكثر فسادا وتكسبا هو وعائلته. وآخر دلالات دعم ترامب للمتجاوزين عن القانون إصداره العفو الرئاسي عن فاسدين ومتجاوزين للقانون، وآخرهم النائب الفاسد والكاذب المدان جورج سانتوس.

وحسب آخر استطلاعات الرأي يشعر أغلب الأمريكيين أن وضعهم اليوم هو أسوأ مما كان عليه عند بدء رئاسته. وأن الأوضاع وخاصة الاقتصادية تنزلق نحو المزيد من الشرخ والانقسام. خاصة بعد فرض أعلى نسب الرسوم والتعريفات الجمركية على بضائع معظم الدول وخاصة الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك. ويرفض 65٪ من الأمريكيين زيادة الرسوم!!

فيما عاش الأمريكيون أطول إغلاق وشلل للحكومة الفيدرالية-43 يوما. وتعطيل الأعمال والخدمات، وفوضى المطارات وإلغاء وتأخير آلاف رحلات الطيران لعدم دفع أجور المراقبين الجويين وموظفي التفتيش. وتسبب الإغلاق بوقف توزيع المساعدات المالية لـ42 مليون أمريكي يعيشون على دعم المساعدات الغذائية الحكومية شهرياً.

وشكلت تداعيات انتصارات مرشحي الحزب الديمقراطي بعمدة نيويورك وحاكمية ولايتي نيوجيرسي وفرجينيا وتمرير استفتاء إعادة ترسيم خمس دوائر انتخابية في ولاية كاليفورنيا-وخسارة جميع مرشحي حزب ترامب الجمهوري الذين دعمهم ترامب-صدمة حقيقية وكشفت حالة الغضب الشعبي من سياسات ومواقف ترامب جرس إنذار لفرص احتفاظ الجمهوريين بأغلبيتهم الضئيلة في مجلس النواب والشيوخ في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر العام المقبل.

وشهدت الولايات المتحدة قبل شهر حوالي 2000 احتجاج ومظاهرات في مئات المدن الأمريكية احتجاجا على سياسات وتجاوزات ترامب شعارها-لا «لحكم الملوك والاستبداد في أمريكا؟

ويستمر استنزاف رصيد ترامب والحزب الجمهوري بما تعيشه الولايات المتحدة هذه الأيام من تداعيات خطيرة منذ نشر الديمقراطيين حوالي 20 ألف رسالة إلكترونية يظهر اسم وعلاقة الرئيس ترامب في ملفات جيفري إبستين عميل الموساد الإسرائيلي قبل عقدين من الزمن وربط اسم ابستين وشريكته ماكسويل بشبكة الاتجار بالفتيات القاصرات لتقديمهن للمتنفذين من سياسيين ومسؤولين أمريكيين ومن عدة دول حول العالم بهدف ابتزازهم-وتسخير جهودهم لخدمة مصالح خارجية وخاصة إسرائيل.
يُتوقع أن يشهد الحزب الجمهوري تمردا وانشقاقات كبيرة ضد ترامب

ويُتوقع أن يشهد الحزب الجمهوري تمردا وانشقاقات كبيرة ضد ترامب بالتصويت هذا الأسبوع على مقترح للديمقراطيين في الكونغرس بنشر جميع رسائل جفري إبستين الإلكترونية. ما قد يكشف حقيقة علاقته مع ترامب! ويعمق الانقسامات داخل حزبه الجمهوري، التي تنعكس على تراجع الرضا الشعبي عنه. واحتمال خسارة الجمهوريين أغلبيتهم في الكونغرس، وبالتالي تتعطل أجندة ومشاريع قوانين ترامب، وتُشكيل لجان تحقيق حول العديد من القضايا والتجاوزات والتعيينات.

ويصعّد ترامب بحرب غير معلنة بشن 20 هجوما على قوارب قرب سواحل فنزويلا تدعي وزارة الدفاع التي أطلقت اسم «عملية رمح الجنوب» لمحاربة إرهاب المخدرات ضد الشعب الأمريكي. يترافق بحشد قوات عسكرية غير مسبوقة في البحر الكاريبي، وسط مخاوف من تخطيط إدارة ترامب لشن عمليات عسكرية داخل فنزويلا!

وتورد صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عقد الرئيس ترامب ووزير الدفاع ومسؤولين عقدوا اجتماعات ومداولات في البيت الأبيض لدراسة سيناريوهات وتحضيرات وخطط لشن عملية عسكرية محتملة ضد فنزويلا. وأكد الرئيس ترامب أنه اتخذ قراره حول فنزويلا، لكنه لن يعلنه في الوقت الحالي. وهناك تساؤلات هل يغامر ترامب بعمل عسكري لصرف الأنظار عن مأزقه الداخلي؟!

يُضاف لذلك قرع ترامب طبول التصعيد والتلويح بشن عمليات عسكرية تتجاوز فنزويلا، لتشمل نيجيريا بتهمة استهداف المسيحيين ضحايا الإسلاميين المتطرفين(تهمة تنفيها نيجيريا) وكذلك ضد جنوب أفريقيا بسبب المعاملة العنصرية ضد أقليات الأفركانيز-المستوطنين البيض!!

وهكذا تبدو الولايات المتحدة برئاسة ترامب تصارع على جبهتين: صراع وانقسام واستقطاب في الداخل، والترويج لانتصارات وهمية، والتهديد والتلويح بشن هجمات وحروب غير شرعية في الخارج. في تعدٍ وتجاوز للأعراف والقانون الدولي واستفزاز الحلفاء الذين ينتقدون سياسات وتهديد وانتقام واعتداء ترامب على سيادة الدول من فنزويلا إلى نيجيريا وجنوب أفريقيا وغيرها.

هذا يُعمق تراجع الثقة بالحليف الأمريكي من حلفائها في الخارج.

تؤكد دراسة: «The Foreign Policy Fallout U.S. Government Shutdown and Global Credibility Risks» ـ أن الاستقطاب الداخلي في أمريكا وخاصة تداعيات الإغلاق يُرسل رسالة «لا تستطيع الولايات المتحدة إدارة شؤونها الداخلية. ما يُضعف قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها الخارجية، أمنيا ودبلوماسياً».

وهذا يدفع الحلفاء للتشكيك بقدرة الولايات المتحدة على الالتزام بالدعم أو التعاون، وهذا قد يدفعهم للبحث عن شركاء لدعم أمنهم بسبب الانكفاء الأمريكي والانشغال بالانقسام والاستقطاب الداخلي. ولتشكيكهم بقدرة الحليف الأمريكي على الالتزام بالاتفاقات. وهذا قد يشجع منافسون إقليميون قد يستغلون الانشغال الداخلي لتوسيع نفوذهم.

القدس العربي
التعليقات (0)