الطاقة هي الشغل الشاغل للعالم من أقصاه إلى أقصاه ولبنان ضمنيا، في زمن الجوع والقحط
اللبناني والعالمي، بينما الحديث عن الأرقام المفزعة بعد أسبوع رفع الدعم عن الاتصالات بكل أشكالها وطيران أسعارها بسرعة البرق، وربطة الخبز التي بيعت في السوق السوداء اليوم، مع تأكيد الحديث عبر المؤسسات الدولية عن خطورة المرحلة، حيث قالت وكالة الأمم المتحدة إن مستويات الجوع في العالم زادت مرة أخرى عن العام الماضي بعد ارتفاعها في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، حيث تثير حرب أوكرانيا وتغير المناخ مخاطر المجاعة والهجرة الجماعية على نطاق غير مسبوق. وعلى ما يبدو فالأمور مستمرة سوءا.
وقالت منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، في إصدار عام 2022 من تقرير الأمم المتحدة للأمن الغذائي والتغذية، إن ما يصل إلى 828 مليون شخص، أي حوالي 10 في المئة من سكان العالم، تأثروا بالجوع العام الماضي، بزيادة قدرها 46 مليون نسمة عن عام 2020، ونحو 150 مليون شخص عن عام 2019، ولا يزال العداد يرتفع بفعل
الأزمات المتلاحقة وعلى رأسها أزمة الطاقة التي باتت تقلق الكوكب وتكثف إجراءاته واجتماعاته المتلاحقة. ولكن الحلول غير متوفرة حتى الساعة برغم العقوبات والضغوطات والقمم السابقة والقادمة، في محطات باتت فاعليتها أقل في ضبط مؤشرات الاقتصاد العالمي المتهالك يوما بعد يوم، والأرقام شواهد.
ومن جوع العالم إلى جوع السلطة ونهمها في لبنان حيث حكومة الولادة من الخاصرة التي لن تبصر النور بسبب وزارة الطاقة وما فيها وما لها وما عليها، حيث فعلها الرئيس المكلّف نجيب
ميقاتي بتقديمه تشكيلته الوزارية إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد ساعات على انتهاء استشاراته مع الكتل النيابية للاطّلاع على تصوّراته للحكومة المقبلة، في سرعة قياسية مقارنة مع المدّة التي يستغرقها الإقدام على خطوة كهذه، وفق تجارب السنوات الماضية، ولا سيّما خلال عهد الرئيس ميشال عون.
وفي تلكم القفزة إشارة واضحة إلى طول زمن المراوحة القادمة والمستمرة، وتاليا هذه السرعة لا تعني حكماً أنّ الحكومة سترى النور، بل ربما لتعقد الواقع المعقد في تركيبته القائمة أصلا، خاصة إذا ما علمنا الرغبة الميقاتية في انتزاع حقيبة الطاقة من التيار الوطني الحر الذي كان على رأس الوزارة لسنوات خلت. من هنا يطرح السؤال: هل تغيير وزير الطاقة هو لتحييد الفريق المعني عن الدخول في الحكومة، وبالتالي ظهور إشكالية وزير الطاقة لبقاء القدم على قدمه أو لتطيير فرصة ولادة حكومة جديدة، وهذا الأرجح.
إن الأجواء توحي وقبل الاستحقاق الحكومي بصعوبة تبلوره بانتظار الاستحقاق الرئاسي القادم، والذي يتحكم فيه أكثر من لاعب محلي وإقليمي ودولي. وعليه، لمَ الإصرار الميقاتي على أخذ حقيبة الطاقة في زمن البازارات غير المرغوب بها دوليا لمقايضة الحكومة بتكتيكات وتوازنات داخلية؟ فالواقع المر بكل موبقاته الاقتصادية والمالية والنقدية يؤكد أن الأمن الاجتماعي في خطر حقيقي، وأن البلاد ملقاة على قاعدة مهزوزة وقد تقع في محظور انفلات الأمن الاجتماعي كل يوم، فماذا وراء المماطلة؟
لا شك أن الرئيس ميقاتي يريد حقيبة الطاقة وفق مقاييس مهنية وشفّافة تعتمد الحوكمة، وهي المعيار الأساسي لجدّية السلطة اللبنانية في الإصلاحات البنيوية. وهذا المعيار هو نفسه الذي يصرّ عليه المجتمع الدولي منذ مؤتمر سيدر في نيسان/ أبريل 2018، إذ يعتبر مشكلة الكهرباء في لبنان فضيحة مدوّية لأنّها أحد الأسباب الرئيسة لتنامي العجز، وتفاقم الدين وفجاجة الفساد، واستطراداً لانزلاق البلد نحو الأزمة الاقتصادية والمالية الكارثية التي يمرّ فيها منذ عقود. وكم من مرة تحدث المسؤولون الأوروبيون وتحديدا الفرنسيين داعمي الرئيس ميقاتي؛ لإيجاد مخارج في وزارة الطاقة التي تشكل بداية الحل لقطاع يستنزف الخزينة.
ولكن للمفارقة في زمن أسعار الطاقة وضعف الإمدادات وخطر المجاعات؛ أنه لا زال الأفرقاء اللبنانيون يريدون حقيبة الطاقة، فهل اطلع أحدهم على ما حذر منه بنك جي بي مورغان من أن أسعار
النفط قد تقفز إلى 380 دولارا للبرميل، إذا دفعت العقوبات الأمريكية والأوروبية روسيا إلى تخفيضات انتقامية في إنتاج الخام؟ وهنا عن أي كهرباء وبنزين ومازوت ومولدات في لبنان سنتحدث؛ إلا لعنة الطاقة والكهرباء والنقل والرغيف والوزارة وساكنيها حيث لا دولارات ولا دعم ولا من يحزنون؟!
وعليه وبالنظر إلى الموقف المالي لموسكو، يمكن لروسيا أن تخفض إنتاج النفط الخام اليومي بواقع خمسة ملايين برميل دون الإضرار باقتصادها بشكل مفرط، ما قد يسفر عن نتائج كارثية لمعظم دول العالم على غرار أزمات الغذاء والرغيف حول العالم.
وأكثر من ذلك، أن لجوء روسيا إلى خفض الإمدادات اليومية بثلاثة ملايين برميل سيرفع أسعار خام لندن القياسي إلى 190 دولارا، في حين أن السيناريو الأسوأ وهو الخفض بخمسة ملايين برميل، قد يدفع النفط إلى 380 دولارا، وعندها تكون الطامة الكبرى والتي على الأرجح لن تقع إذا ما بقي صوت للعقل في هذا العالم المتخبط، والكل ينتظر القمم القادمة واللعب على حافة الهاوية.
الكل يدرك أن اللعب على وتر وزارة الطاقة سيعقد كل الملفات الأساسية في البلاد، من ولادة الحكومة نفسها كسلطة تنفيذية قادرة وشرعية في ظل الحديث عن احتمال الفراغ الرئاسي، وصولا لخطة التعافي التي عنوانها الأساسي الطاقة، مرورا بالإصلاحات المطلوبة من الإدارة اللبنانية وعلى رأسها الطاقة، إلى أخطر الملفات تعقيدا وهو ملف ترسيم الحدود البحرية، والذي هو مربوط عضويا بكل ملفات الطاقة.
فأي حكومة ستبصر النور في زمن التدافع حول حقيبة الطاقة؟ وهل أضحت الطاقة أم الوزارات وقمة الرهانات في الإصلاحات والترسيمات والمليارات؟! ربما تتحقق نبوءات بنك جي بي مورغان الكارثية على العالم، فعلى الرغم من صعوبة تحققها لكنها أقرب من ولادة حكومة الطاقة (المفقودة إلا من المولدات الخاصة)!!
[email protected]