قضايا وآراء

الغضبة الشعبية واحتمالات الانتفاضة الثالثة

محمود النجار
1300x600
1300x600

إن ما تشهده الساحة العالمية من تحولات جيوسياسية جذرية وتحديات أمنية معقدة، يؤشر على تغيرات كبرى في خريطة العالم الذي يمر بحالة من التخبط وانهيار القيم وارتفاع وتيرة الجريمة على مستوى الدول والمليشيات والعصابات والأفراد على حد سواء، فالعالم ـ كما يبدو لي ـ مقبل على أزمات كبيرة، من أخطرها احتمال قيام حرب عالمية ثالثة، تؤدي إلى مزيد من تفشي الفقر والفوضى في كثير من دول العالم، وعلى رأسها بعض الدول العربية؛ حيث ينشغل العالم اليوم بالحرب الأوكرانية الروسية وينتظر ما سينتج عنها، وهي حرب معقدة لن يكون فيها خاسر أو رابح، بل خسارة تلف حبلها حول أعناق كل المشاركين فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، ناهيك عن الأضرار الاقتصادية التي أصابت كثيرا من الدول غير المشاركة.
 
وحيث إن احتمالات حرب عالمية ثالثة قائمة، وإن لم تكن على بعد ساعات أو أيام، إلا أنها تظل خيارا مطروحا في الذهنية الروسية، وخيار الوقاية منها والرد عليها أيضا على الطاولة حلف الناتو الساخنة. وحيث ينشغل العالم بالحرب الأوكرانية ويوليها أكبر اهتماماته تشتعل الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يمكن عدّه مقدمة لانتفاضة ثالثة طال انتظارها؛ حيث يقف العالم بما فيه العربي على قارعة قلق قادم من كلا الجبهتين الأوكرانية والفلسطينية اللتين تؤثران عميقا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وما ينتج عنهما من ارتدادات شعبية وتوترات أمنية.

كان يوم أول أمس الجمعة يوما مثقلا بالمواجهة بين الشباب الفلسطيني وقوات الاحتلال في المسجد الأقصى، وخارجه؛ حيث اعتدت قوات الاحتلال على المصلين والمعتكفين داخل حرم المسجد الأقصى، في محاولة لتفريغه من المصلين، وأصيب ما يزيد عن 150 مصليا إصابات متفاوتة جراء الرصاص المطاطي والغاز الخانق والاعتداء بالضرب على بعض المصلين، واعتقال نحو 120 منهم، وقبل ذلك وأثناءه نشبت مواجهات بين قوات الاحتلال والشباب الفلسطيني في جنين ومدن أخرى سقط فيها شهداء وجرحى، ضمن مسلسل العنف الصهيوني المتعمد في محاولة لكسر شوكة الحركات المقاومة، واستباقا لقيام انتفاضة ثالثة تبدو ملامحها في الأفق، تحت سمع العالم وبصره.

 

إن ما يحدث في القدس والضفة الغربية من ممارسات همجية لجيش الاحتلال وقوات أمنه يجعل احتمال نشوب انتفاضة ثالثة أمرا ممكنا، لا سيما بعد الانسداد السياسي، وإصرار الكيان الصهيوني على ابتلاع ما تبقى من أراضي الضفة الغربية والعمق الفلسطيني وإلحاقها بالأراضي التي استولى عليها منذ نكبة 48 حتى اليوم؛

 



ويضفي دخول فلسطينيي 48 على خط المقاومة صورة جديدة للمشهد النضالي الذي بدأ الكيان الصهيوني يحس بخطورته على أمنه ومستقبله، وكان من أبرز المحطات ـ في هذا الإطار ـ ما حدث في تشرين ثاني / أكتوبر 2000، حين تصدى فلسطينيو 48 لجيش الاحتلال في الدفاع عن الأقصى يتقدمهم قيادات سياسية وجماهيرية، والتي أسفرت عن استشهاد 13 شابا مما تسبب في حالة من الغليان ما زالت تحتقن في الصدور حتى اليوم. ولم يتوقف هذا الغليان، وظل يبرز بين الحين والآخر بأشكال مقاومة متنوعة، مما أدى إلى تخوفات أمنية كبرى لدى الجانب الصهيوني؛ فمشاركة فلسطينيي الداخل في المقاومة ضد الاحتلال وإجراءاته تضع نقطة حمراء كبيرة فوق سطر أمني مليء بالاحتمالات التي ترعب أجهزة الأمن والمستوى السياسي في الكيان الصهيوني.

لقد كان دخول المقاومة الفلسطينية لعرب 48 دافعا رمزيا كبيرا لمزيد من القوة والتحدي لدى مقاومي الاحتلال في الضفة الغربية وحافزا لمزيد من التصعيد، وما العمليات الفدائية التي شهدها العمق الفلسطيني، وآخرها عملية تل أبيب، إلا دليل واضح على التكتيك النوعي الذي طرأ على أداء المقاومة، بما يذكر بما كان من عمليات فدائية كبرى نفذها رجال المقاومة نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن والتي هزت أركان الجدر الصهيونية وحطمت معنويات جيش الاحتلال وأجهزة أمنه.

بيد أن كل ما قام به المقاومون الفلسطينيون سابقا ولاحقا لم يوقف المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي يجري على قدم وساق، وبوتيرة متصاعدة، وكان آخرها محاولة الاستيلاء على 800 ألف دونم من أراضي النقب، حيث بارك وزراء العرب الأربعة هذا المشروع بحضورهم اجتماع العار في المنطقة المهددة ذاتها، وهو ما يؤشر على سقوط مسف في وحل المشروع الاستيطاني الصهيوني والتآمر على الحق الفلسطيني.

إن ما يحدث في القدس والضفة الغربية من ممارسات همجية لجيش الاحتلال وقوات أمنه يجعل احتمال نشوب انتفاضة ثالثة أمرا ممكنا، لا سيما بعد الانسداد السياسي، وإصرار الكيان الصهيوني على ابتلاع ما تبقى من أراضي الضفة الغربية والعمق الفلسطيني وإلحاقها بالأراضي التي استولى عليها منذ نكبة 48 حتى اليوم؛ فحين يجد الفلسطيني نفسه معزولا عن نصرة أشقائه العرب المفترضين، بل يجد منهم العداوة لصالح المحتل، وحين يجد قرارات الأمم المتحدة التي تدين الكيان الصهيوني وتلزمه التوقف عن بناء المستوطنات، والكف عن الاعتداء على الفلسطينيين مجرد حبر على ورق، وحين يجد الفيتو الأمريكي جاهزا دائما للدفاع عن المغتصب المحتل، وحين تتم إدانة البريء وتبرئة المجرم، فليس أمام الفلسطيني إلا أن يثور في وجه الظلم، ويتخذ قراره بالتصعيد مهما كانت النتائج.

وفي حين تسرق الحرب الأوكرانية الروسية الأضواء من كل ما يدور في العالم من أحداث، تظهر الأحداث في فلسطين على السطح بما تحمله من فوضى وإرباك واعتقال وموت وجراح، لا سيما بعد العمليات الفدائية الثلاث الأخيرة ـ لتشي بالانتفاضة الثالثة، وهذا هو وقتها، فإن لم تقم الآن فربما تتأخر كثيرا أو لا تكون، علما بأن أكثر ما يخيف الكيان الصهيوني ويثير الهلع في صفوف جنوده وبين سكانه هو انتفاضة ثالثة، ذلك أن الانتفاضة الثانية التي اندلعت في 28 أيلول/ سبتمبر 2000، واستمرت نحو 5 سنوات، كانت نتائجها كارثية على الاحتلال الصهيوني الذي خسر أكثر من 1000 قتيل و4500 جريح، هذا غير العدد الكبير من الدبابات والمدرعات والجيبات العسكرية التي تم تدميرها. وإن كانت خسائر الفلسطينيين أضعاف خسائر العدو إلا أن وجع الصهيوني كان أشد وأنكى من وجع الفلسطيني. وفي أثناء الانتفاضة نفذت الفصائل الفلسطينية عددا كبيرا من العمليات الفدائية الكبرى في الداخل المحتل أربكت الكيان الصهيوني ووضعته في موقف صعب، وأظهرته بمظهر الضعيف العاجز بعد مقتل الكثير من الصهاينة جراء تلك العمليات.

إن أكثر ما يثير ثائرة الفلسطيني ما يتعرض له المسجد الأقصى من اعتداءات ومحاولات تهويد، في ظل عجز السلطة الفلسطينية الأوتوقراطية، وفشل المفاوضات، واستغلال المستوى السياسي الصهيوني للاعتداء على الأقصى والتوسع في الاستيطان وسيلة للاستحواذ على أصوات الناخبين الذين يميل أكثرهم إلى اليمين واليمين المتطرف، وفي ظل عجز الحكومات الصهيونية عن التعامل مع الصراع القائم بناء على برامجهم الإستراتيجية، بقدر ما تحركهم الآلة الانتخابية والبحث عن الحضور في المشهد السياسي. وهو ما أدى وسيؤدي إلى ما نشاهد من هبات الشعب الفلسطيني في أكثر من بؤرة من بؤر الصراع.

 

في حين تسرق الحرب الأوكرانية الروسية الأضواء من كل ما يدور في العالم من أحداث، تظهر الأحداث في فلسطين على السطح بما تحمله من فوضى وإرباك واعتقال وموت وجراح، لا سيما بعد العمليات الفدائية الثلاث الأخيرة ـ لتشي بالانتفاضة الثالثة، وهذا هو وقتها،

 



وزاد من تفاقم الغضب الفلسطيني عمليات الهدم والتشريد والاستيلاء على الأرض في حي الشيخ جراح والنقب، واستهداف عدد من الشباب في جنين والملاحقات لبعضهم الآخر، وهو ما يدفع الشباب الفلسطيني إلى التفكير بطريقة راديكالية تعتمد المواجهة مع العدو، والخروج من حالة توازن الردع إلى غلبة الردع، وتنفيذ مزيد من العمليات الفدائية التي يغلب الظن أنها لن تتوقف عند عملية تل أبيب البطولية، بل ستتجاوزها إلى ما هو أبعد وأشد وقعا على الكيان الغاصب.

فهل نحن على أبواب انتفاضة ثالثة؟ لا سيما أن الخسارات الفلسطينية تتلاحق، وتزداد الأمور تعقيدا وتشابكا، والعجز الرسمي الفلسطيني والعربي بات يشكل أسوأ مشهد ممكن، مما سيعجل بالانفجار، وسيغير ـ إلى حد ما ـ في الخريطة السياسية، وسيدفع الاحتلال الهمجي لشيء من التراجع عن إجراءاته القمعية والتوسعية لصالح الحق الفلسطيني.


التعليقات (2)
مغربي
الإثنين، 18-04-2022 06:17 م
من سنة الحياة أن يعقب الليل فجر منير والفجر الفلسطيني آت لا محالة فصبرا جميلا
بنت الثورة
الأحد، 17-04-2022 01:04 م
لقد عودنا الفلسطينيون على المآثر و البطولات مهما اشتد الطغيان فهم أصحاب الأرض و سينتصرون طال الزمن أو قصر