هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في مثل هذا اليوم 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وقبل 11 عاما، كان الشارع المصري يموج بالأفكار الثورية والأحلام الوردية للبلاد والعباد، بل وللشعوب العربية المجاورة، حيث برز اسم ثورة يناير وميدان "التحرير" ليكونا رمزا للحرية ولمستقبل وطن وشعب حرم منهما وسعى لتحقيقهما.
ورغم نجاح ثوار يناير من كل الأطياف والطبقات والفئات الشعبية والسياسية والفكرية في إطلاق شرارة الثورة واستمرارها لمدة 18 يوما بميدان التحرير، ثم الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أن العرس لم يدم طويلا وتبخرت الأحلام وانطفأت الأنوار ونُكست الأعلام.
إذ أن قوى الثورة المضادة، بالتوافق مع قوى إقليمية حاولت تعطيل المسيرة الثورية ونجحت في زرع الخلاف بين الثوار، ولكن ومع ذلك أنتجت ثورة يناير انتخابات رئاسية حرة خلال عام 2012، أنتجت نظام حكم منتخب ديمقراطيا لأول مرة في تاريخ مصر الحديث.
لكن، إطاحة قائد الجيش عبدالفتاح السيسي بأول رئيس منتخب الراحل محمد مرسي، واستيلائه على حكم البلاد، أنهى المسيرة الثورية للمصريين، مستخدما البطش والقوة الأمنية والحكم بالحديد والنار مع سلب الحريات واعتقال أكثر من مائة ألف مصري وقتل الآلاف.
والسؤال: بعد فشل وتخريب المسيرة الثورية المصرية طيلة 11 عاما.. هل مازال المصريون يحتاجون لانطلاق ثورة جديدة؟ وكيف؟ وما الطريق إلى نجاح تجربة ثورية مصرية جديدة؟
اقرأ أيضا: في 25 يناير.. المصريون يحيون ذكرى ثورتهم (إنفوغراف)
"لهذا يجب أن نثور"
وفي إجابته على التساؤل السابق، قال الكاتب والناشط اليساري حسن حسين، إن "كل أسباب ودوافع الثورة مازالت قائمة، بل ربما أصبحت أكثر وضوحا وتشددا وحدة، ووقع الهزيمة تجاوز مصر إلى عدد من الأقطار العربية".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن الهزيمة تلك "تجسدت في انتهاكات على الصعيد الوطني، بفتح أبواب التطبيع مع العدو الصهيوني برعاية النظام المصري، واغتيال كافة الحريات العامة، والقضاء على الحياة السياسية".
وتابع: "وكذلك الانحياز الحاد للسياسات الرأسمالية النيوليبرالية ضد الطبقات الاجتماعية الفقيرة، وبالتالي فإن مؤسسات القوى المضادة للثورة هي السبب الأول وراء التمسك الجماهيري بفكرة استعادة زخم الثورة".
وعن توقيت الثورة ومدى ارتباطها بشهر الثورة يناير، يعتقد حسين، أن الارتباط هنا "نوع من أنواع الفولكلور الشعبي، الذي تحاول أنظمة الفساد والاستبداد والتطبيع تفكيكه في العقل الجمعي الشعبي"، مؤكدا أن "للثورات مواقيت موضوعية وليس مواعيد زمنية".
وفي رؤيته للطريق الأمثل لاستعادة المصريين ثورتهم، قال إنه "يبدأ أولا كشرط حاكم للنجاح، من وجود قوى سياسية واضحة الانتماء محددة الرؤى والأهداف والأدوات، وتأسيس تنظيم جماهيري واسع بقيادات وطنية مشهود لها بالصدق والصلابة والخبرة والكفاءة، لحشد وتحريض وقيادة الجماهير".
واشترط المعارض المصري أن "يكون برنامج الثورة أكثر تفصيلا؛ ويحمل رؤية عن معالم التغيير المستهدف إليها، وأن تعبر الشعارات عنه بحدة، لا انتقاصا لشعارات ثورة يناير بل إضافة لها".
وختم بالتأكيد على أنه "ولأن الحلم كبير وصعب والشعب فاقد لكل حافز فإنه علينا طرق الأبواب آلاف المرات وألا يتملكنا اليأس".
"مطلب عادل"
من جانبه، قال السياسي والبرلماني المصري السابق رضا فهمي: "أكثر من 10 سنوات مضت على ثورات الربيع العربي، لم تأت الرياح فيها بما تشتهي السفن، تعقدت الأمور وتلبدت الغيوم، انتكست الإرادات، تلاشت الأحلام، لكن الشيء المهم الذي لم يتغير هو إيمان الشعوب بعدالة مطالبها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "إذا كانت خبرة التاريخ تدلنا على أن الثورات التي أخفقت في الجولة الأولى تكاد تكون السمة الغالبة في تاريخ الثورات، إذا لماذا يثور النّاس حتى يومنا هذا؟ هل لجهلهمْ بالتاريخ؟".
يجيب فهمي: "كلا، فالواقع يقول إن الأجيال الجديدة ظفرت بسياقات وأدوات معرفية جعلتها تتفوق على الأجيال التي سبقتها في إدراكاتها للمتغيرات، وتنبؤها وقراءتها لما يدور حولها من مستجدات".
وتابع: "يبدو أن كلمة السر هي أن الأجيال الجديدة أدركت عن وعي وفهم عميقين أن كلفة القيام بثورة مهما قدمت من تضحيات هي أقل وأدنى بكثير من كلفة العيش في ظل أنظمة مستبدة وفاسدة مرهونة القرار لصالح أطراف خارجية، وليس لديها نية أو إرادة التحرر".
وأضاف: "اليوم صارت الشعوب ما بعد مرحلة الثورات وبفضل هذه الثورات، رقما لا يمكن تجاهله في صناعة القرار الإقليمي والدولي، وأدركت الشعوب هذه التغيرات ولذلك لم يعد لديها أدنى احتمال للارتداد لما كانت عليه سابقا، لذلك كانت وما زالت وستظل الشعوب تنتفض وتثور".
وأكد السياسي المصري، أن "مشكلتنا الحقيقية اليوم ليست في ضعفنا الداخلي فحسب، وإنما في يقين مفكري وقادة العالم الغربي اليوم بأن نجاح هذه الثورات في عالمنا العربي والإسلامي يمكن أن يمثل شرارة لانطلاقة نحو نظام عالمي جديد، نظام أكثر عدالة ورحمة".
وختم بالقول إنهم "يعتقدون بأن نجاح هذه الثورات يشكل خطرا عليهم".
"لساها ثورة"
وفي رؤيته قال الناشط والباحث القانوني عباس قباري، إن "الأوضاع المتردية التي وصلت إليها مصر على كافة الأصعدة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني حولت حياة الناس لجحيم مستعر يصاحبه حالة ترقب وخوف من مصير مجهول".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "من تكلم أو اعترض يتضاءل بجوار مصيره ما ناله الشهيدين خالد سعيد وسيد بلال، رحمهما الله وقد تفجرت بعد موتهما ثورة يناير".
ويعتقد قباري، أن "كل مسببات الثورة من فقر ومرض وفساد وطبقية مازالت موجودة وبقوة، وزاد عليها مغالاة في إسالة دماء الناس وإخفائهم قسريا وقلة قيمتهم في كل شيء، يصاحبه سرقة أقواتهم ومستقبل أبنائهم".
"إذن تحتاج مصر لثورة.. نعم؛ لكنها ليست مرتبطة بالضرورة بإطار زمني في يناير أو غيره بقدر ما هي مرتبطة بوجود حالة يناير، ورجالها ومواقفها المجردة".
ووفق الناشط السياسي، فإن "توافرت تلك العوامل فسيكتب للثورة النجاح هذه المرة لأنها باتت محملة بعوامل إدراك للحقائق لم يكن يعيها جيل يناير".
وأضاف: "ما جعل الشعارات عيش حرية عدالة اجتماعية ليس مطلبا كماليا أو رفاهيا؛ لكنه بات ضرورة وحاجة، وشعار يسقط حكم العسكر ليس سياسيا بقدر ما هو ضرورة اجتماعية ومصيرية، هكذا الثورات تنضج بنضوج رجالها وأفكارها معا".
"الطريق الثالث"
وعلى الجانب الآخر، ترى الكاتبة الصحفية مي عزام، أننا "لسنا بحاجة لثورة جديدة بمعنى النزول بمظاهرات إلى الميادين"، مؤكدة بحديثها لـ"عربي21"، أنه "لا يمكن تكرار نفس السيناريو، وخاصة أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية مختلفة".
وأضافت أن "الشعب المصري والشعوب العربية كلها تحتاج إلى إيجاد طريق ثالث، بديلا عن سيناريو السيئ والأسوأ الذي جربناه في الثورة والانتخابات الرئاسية، والطريق الثالث هو الأصعب لكن الأكثر قدرة على التغيير الحقيقي دون ضحايا بلا ثمن".
وتعتقد عزام، أنه "لا بد من توحد جميع أطياف المجتمع الذي يجد أن طريقة الحكم لا تلائمه ولا تعبر عن طموحاته وآماله، وأن يجتمعوا وأن يجدوا وسيلة للضغط بمحاولة مستمرة لاكتساب ثقة الشارع من جديد والرأي العام".
وذلك، "لوضع تصور لما يجب أن يكون عليه عهد جديد بين الحاكم والشعب، شيء أشبه بالماغنا كارتا -وثيقة إنجليزية صدرت عام 1215-".
وختمت بالقول: "هذا الأمر يحتاج إلى صبر ووقت طويل ودراسات جادة ونية خالصة في الإصلاح وليس في الوصول إلى مناصب وغنائم".