في أعقاب حرب غزة التي انطلقت حين قررت جماعات المقاومة
الفلسطينية في غزة التصدي للانتهاكات الاستيطانية في القدس واقتحامات المسجد الأقصى، في العملية المسماة سيف القدس (حارس الأسوار بتسمية الاحتلال) في أيار/ مايو الماضي، لم يكن خافياً أن دولة
الإمارات تقف في صف دولة الاحتلال إعلامياً وعلى مستوى الموقف السياسي من حماس، وما خفي أعظم.
قام الإعلام الإماراتي (أو المحسوب عليه) بما فيه قناة العربية وسكاي نيوز وغيرهما من قنوات الإعلام الدعائية لسياسات أبو ظبي، بالتعامل مع الأحداث على أنها حرب على حليفة السياسة وحليفة الوجود دولة الاحتلال
الإسرائيلي، وانطلقت آلة الإعلام الإماراتية بلا توقف لتصف حركة التضامن العالمية مع حقوق الشعب الفلسطيني على أنها احتجاجات على العنف في الشرق الاوسط، كما نقلت كلمات الساسة الإسرائيليين بلا توقف وخدمت إعلامياً الجيش الإسرائيلي أكثر من القنوات الإسرائيلية؛ بنشر الأكاذيب وتزييف الحقائق.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك، فقد أثارت نتائج الحرب على غزة وكسر حركات المقاومة الفلسطينية لإرادة الاحتلال في القدس غضب حكام الإمارات. ففي حديث لخبير إسرائيلي على إحدى القنوات الإسرائيلية نقل عن مصدر عائد من أبو ظبي قول حكام أبو ظبي له: "نحن غاضبون، نحن نكره حماس حتى الموت، كيف أعطيتموهم رعاية القدس؟".
لم يقف العداء الإماراتي لمقاومة الشعب الفلسطيني عند هذا الحد، ولم يقف عند هوس "الإخوانوفوبيا" الذي يسيطر على حكام أبو ظبي، وتعدى الأمر ذلك لظهور وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد خلال حضوره اجتماع اللجنة الأمريكية اليهودية المنعقد بتاريخ ٧ حزيران/ يونيو ليعبر عن أسفه لامتناع الغرب عن تصنيف حركة المقاومة الإسلامية حماس على أنها منظمة إرهابية، وظهر عبد الله بن زايد وهو يشرح عن التقاطعات بين حركة المقاومة وبين تنظيمي القاعدة وداعش.
الشيخ عبد الله بن زايد (مواليد عام ١٩٧٢)، هو وزير الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الابن السادس عشر من أبناء الشيخ الراحل زايد- رحمه الله - الذي اشتهر بمناصرته للقضية الفلسطينية والقضايا الإنسانية العادلة. أمه الشيخة فاطمة الكتبي، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الإمارات العربية المتحدة عام ١٩٩٥.
طالب عبد الله بن زايد الدول بأن لا تتردد في تصنيف حماس على أنها حركة إرهابية، وقال إنه من المضحك أن يتم تصنيف جناحها العسكري على أنه منظمة إرهابية بينما تصنيف جناحها السياسي أمر مختلف، وطالب بوضوح أثناء كلمته بتبني تصنيف الشقين السياسي والعسكري على أنهما إرهابيان.
وكعادته في حضور المنظمات الصهيونية، تودد عبد المنزل معرباً عن أمله في أن يسهم اتفاق
التطبيع الموقع بين الإمارات وإسرائيل في إلهام دول أخرى بالمنطقة لإعادة تصور المستقبل.
وتبع ذلك اللقاء افتتاح مكتب في أبو ظبي للجنة اليهودية الأمريكية، وهي من أشد اللجان الصهيونية عداء للفلسطينيين، ومعادية شرسة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال (بي دي إس).
وأول ما يتبادر للذهن عند الحديث عن اتفاقية التطبيع الموقعة بين الإمارات وإسرائيل هو المظهر الذي ظهر فيه عبد الله بن زايد عند حضور اتفاقية التطبيع، حيث ظهر بمظهر الجاهل للمكان الذي يجب أن يضع عليه توقيعه في الاتفاقية أثناء مراسم التوقيع، وبعد عناء طويل وطلب المساعدة أرفق توقيعه على اتفاقية أبراهام. ثم ظهر أثناء المراسم وبعد التوقيع على الاتفاقية منبوذاً أثناء أحاديث نتنياهو مع ترامب، الرئيس الأمريكي حينها.
نشر عبد الله بن زايد مقالا في نيويورك تايمز بعنوان "في كل مرة يقول الفلسطينيون لا، يخسرون"، بتاريخ 31 كانون الثاني/ يناير 2020، انتقد فيه بشدة الفلسطينيين بسبب رفضهم لصفقة القرن المذلة والتصفوية للقضية الفلسطينية.
تعكس المقالة وما جاء فيها نظرة عبد الله بن زايد للفلسطينيين ولحقوقهم التي تمثل محل إجماع أحرار العالم، فهو يستكثر على الفلسطينيين مقاومة الاحتلال، ويطلب منهم بشكل مباشر الرضوخ والقبول بتصفية قضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة التي تضمنها القوانين الدولية. وما جاء في المقال يعكس تفكيره الرأسمالي الليبرالي في أكثر قضايا العالم عدالة، وميله لتصفيتها ماديا وحقوقيا وقانونيا.
لا يضطر عبد الله بن زايد لبذل مجهود كبير حتى يلعب دور عبد المنزل في حضور الحليف الإسرائيلي الأمريكي، فمواقفه التي تعكس سياسة دولته كذلك تعكس مواقفه الشخصية جداً، حيث اشتهر بعدائه لحركة المقاومة الإسلامية حماس قبل توقيع اتفاقية التطبيع بسنوات. فمن أشهر مواقفه التي أثارت جدلاً في حينها موقفه من عملية لحركة حماس في ريشون لتسيون قرب تل أبيب، حيث هاجم الحركة في حينها وانتقد توقيت العملية الذي وصفه بالمضر بالمصلحة الفلسطينية والمساعي العربية الحثيثة لإرساء السلام.
وله أيضا تصريحات كثيرة مثيرة للجدل من حرب العراق.
وعبر تلك المواقف حصل عبد الله بن زايد على رتبة عبد المنزل الذهبية بجدارة، فكما أخبر مالكوم إكس في تصنيفاته للعبيد والثورات: "عندما يشعر السيد الأبيض بالمرض، فإن عبد المنزل يشعر هو الآخر بالمرض، بل إنه يتألم بقدر أكبر من السيد المريض، بينما يدعو عبد الحقل الله أن يموت السيد في مرضه.
وعندما تشتعل النار في منزل السيد، فإن عبد المنزل يعرض نفسه للخطر من أجل إنقاذ المنزل، بينما يبتهل عبد الحقل كي تهب رياح قوية تزيد من التهام النيران للمنزل.
وإذا قيل لعبد المنزل: هيا بنا لنهرب من هنا، فإنه سيقول: إلى أين؟ كيف سأحيا بعيداً عن السيد؟ من سيعتني بي؟ ماذا سألبس؟ أما عبد الحقل فسيرد فوراً ودون تفكير: هيا، لنهرب من هنا حالاً".
مواقف عبد الله بن زايد تجسد تماماً إتقانه المذهل لدور عبد المنزل، فقد أعرب عن تألمه من صواريخ المقاومة بطريقة فاضحة، وأكثر مما أعرب عن ذلك الساسة الإسرائيليون (سادة عبد المنزل) أنفسهم. ولعل عبد الله بن زايد اليوم هو صموئيل إل جاكسون الشخصية الحقيقية وعلى أرض الواقع.
وصموئيل إل جاكسون في فيلم "جانغو الحر"، قام بدور العبد ستيفن، حيث كان أداؤه مذهلا إلى درجة أنه أصبح أكثر شخص أسود مكروه في تاريخ السينما. واليوم يخطف عبد الله بن زايد الأضواء من صموئيل إل جاكسون بإتقانه لدور عبد المنزل بطريقة مذهلة للجماهير العربية ولأحرار العالم.