قضايا وآراء

لقاء عباس- غانتس: مكافأة الصمت

رفقة شقور
1300x600
1300x600
اجتمع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية مع وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في رام الله في ٣٠ آب/ أغسطس، وسط استنكار شديد من أوساط فلسطينية واسعة ومن حركتي الجهاد الإسلامي وحركة حماس. ويمثل هذا الاجتماع أول اجتماع مع مسؤول إسرائيلي حكومي برتبة غانتس منذ العام ٢٠١٠.

أتى هذا الاجتماع بعد ما يقارب الأربعة أشهر على معركة سيف القدس/ حارس الأسوار التي انطلقت في ١٠ أيار/ مايو ٢٠٢١، والتي تصرفت خلالها السلطة الفلسطينية كضامن لعدم تفجر الأوضاع في الضفة، بفعل التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومنع المتظاهرين الفلسطينيين من الوصول إلى نقاط الاشتباك مع جيش الاحتلال. وهذه السياسة التي انتهجتها السلطة الفلسطينية نالت إعجاب الساسة الإسرائيليين، الذين أرجعوا لها الفضل في حفظ قوات الجيش الإسرائيلي من التورط بجبهة ثالثة، بعد انطلاق الاشتباكات مع فلسطينيي ٤٨ الذي تضامنوا مع غزة، وبعد القدرة الاستثنائية التي أظهرتها المقاومة الفلسطينية في غزة.

أثنى القادة العسكريون في جيش الاحتلال على التزام السلطة الفلسطينية باتفاقية التنسيق الأمني أثناء معركة سيف القدس، وراحوا للتساؤل عن ماذا لو لم تكن جبهة الضفة مؤمنة من قبل السلطة؟ وراحت القيادة العسكرية الإسرائيلية تسحب الجيش الإسرائيلي المتواجد في الضفة وترسله للمدن الفلسطينية المختلطة المحتلة في الداخل؛ التي انتفض أهلها على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.

يأتي اجتماع غانتس- أبو مازن، كأول لقاء تقديري للسلطة الفلسطينية وقياداتها على مجهوداتهم خلال معركة سيف القدس في احتواء الجبهة الداخلية الفلسطينية في الضفة، بعد أن تأكدت القيادة الإسرائيلية من أن السلطة الفلسطينية بهياكلها الحالية وبنيتها التنظيمية والأمنية التي تمسكت باتفاقية أوسلو وما يترتب عليها من اتفاقيات أمنية من طرف واحد تحت استفزازات اللا شريك الإسرائيلي بالسلام؛ هي الخيار الأوحد للاحتلال في قمع شرارة الغضب الفلسطيني، واحتواء أي انتفاضة محتملة تجاه الاحتلال الإسرائيلي.

حمل تصريح غانتس للقناة العبرية إشارة واسعة بأن السلطة الفلسطينية يقع عليها رهان الاحتلال في قمع الفلسطينيين، حيث صرح: "جئت إلى الاجتماع مع أبي مازن لبناء الثقة والحفاظ على مصالح إسرائيل، ومصالحنا المهمة، فالعلاقات مع السلطة الفلسطينية بحاجة إلى تقوية. كلما كانت السلطة الفلسطينية قوية جداً فإن حماس ستكون ضعيفة جداً، ولن يكون لها سيطرة، وسيزيد أمننا وسنبذل جهداً أقل".

كانت أكثر الردود الإسرائيلية استفزازاً، تصريح وزير الإعلام الإسرائيلي يوعز هندل للقناة ١١ حيث قال: "من مصلحتنا عدم انهيار السلطة، ودعمها اقتصادياً، وأن تخلي الزبالة من شوارع جنين ورام الله، وإضعاف حماس"، وأضاف بأن الاجتماع لم يناقش القضايا السياسية، حيث عنى بالزبالة في شوارع جنين ورام الله المقاومين الفلسطينيين الذي صعبوا على الاحتلال عمليات الاقتحام المتكررة وألحقوا به الخسائر.

برعت السلطة الفلسطينية بمناسبة وبدون مناسبة بإظهار مدى انسلاخها عن طموحات وتوقعات الشعب الفلسطيني وهمومه وقضاياه، ومن أكبر إنجازاتها خلال العقود التي تلت توقيع اتفاقية أوسلو حتى الآن تحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني من الاحتلال، إلى قضية تحسين مستوى اقتصاد الضفة، بحيث تظل الطبقة البرجوازية المنتفعة من تخديمها على الاحتلال مزدهرة اقتصاديا.

ففي الوقت الذي ينشغل فيه الشارع الفلسطيني بهمومه حول تداعيات الخنق الإسرائيلي لقطاع غزة والدمار الذي أحدثه بها جراء الحرب الأخيرة، وفي الوقت الذي ينشغل فيه الشارع الفلسطيني بمحاولة تحصيل حقوقة وحرياته التي تتعرض لانتهاكات مستمرة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كذلك في ظل انشغال الفلسطينيين بمصير اللاجئين الفلسطينيين في درعا وغيرها من المناطق السورية التي تتعرض لبطش النظام الديكتاتوري الأسدي، ينحى رئيس السلطة الفلسطينية منحى التقارب مع الاحتلال ودعم الديكتاتوريات العربية.

لا يوجد ما هو أكثر ضررا على القضية الفلسطينية منذ النكبة حتى الآن من هذا الكيان الهجين، الذي وصل إلى مرحلة من التماهي مع الاحتلال وربط استمراريته ووجوده مع الاحتلال، ولا يوجد ما هو أخطر على المقاومة الفلسطينية ومشروعها الذي بنته بتضحيات الفلسطينيين الملتزمين بقضيتهم من السلطة التي تجلس إلى غانتس، وتنسق أمنياً مع الاحتلال في الوقت الذي عكفت فيه لسنوات على تكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي.

وإن كان من استحقاق للشعب الفلسطيني تجاه هذه السلطة فهو استحقاق وضرورة محاكمتها شعبياً على الإخفاقات السياسية المتكررة والمتتابعة، وقدرتها الهائلة على تقريب وجهات النظر مع الاحتلال، وتخطي إجراءات تهويد المدن الفلسطينية العريقة، والتغول الاستيطاني، واحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين لدى الاحتلال، لصالح الجلوس مع الساسة الإسرائيليين، والتآمر لإحباط المقاومة الفلسطينية، حيث تعج معتقلات السلطة الفلسطينية بكل فلسطيني مشتبه به بمقاومة الاحتلال.

لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يستمر بالتغاضي عن إخفاقات السلطة الفلسطينية على مستوى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وتنفيذية، وكذلك إخفاقها في ملف الحريات وحفظ حقوق الإنسان، كذلك انسلاخها عن هموم اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان، أيضاً عن مساندتها للديكتاتوريات العربية، بحجة كونها سلطة أمر واقع، وأنه لا بديل عنها، خاصة أن قياداتها لا تتبع خطة سياسية في التعاطي مع الملفات المحلية الداخلية والإقليمية، وتعتمد في سياستها الداخلية والخارجية على مبدأ اللا مبدأ، والبراغماتية المفرطة التي جعلتها كياناً هجيناً بين كونها ديكتاتورية أمنية على الداخل الفلسطيني، ومندوب تسيير أعمال الاحتلال بأرخص الأثمان التي قد يسير بها احتلال جغرافية محتلة على هذه الأرض.

في ظل غياب الانتخابات الفلسطينية وتكلس القيادات السياسية الفلسطينية وافتقارها للرؤية، وتعاملها بدون استراتيجية تتضمن إنهاء الاحتلال، وتعاطيها مع الاحتلال على أنه اليد العليا والمعطي والمانع في قضايا الاقتصاد والأمن الفلسطيني، لا يمكن توقع أن يثمر الاحتقان الشعبي الفلسطيني تجاه هذا التناقض السمج سوى انتفاضة عارمة على الطبقة السياسية الحاكمة التي جعلت مصالحها الاقتصادية هي المحرك الأول لها محلياً وإقليمياً، ولا يمكن الخروج من حالة إحباط التضحيات الفلسطينية، والتعدي على ثمارها المنشودة سوى بمحاسبة الطبقة السياسية الحاكمة على تعميق الانقسام الداخلي الفلسطيني، وعلى انسلاخها عن الهم الفلسطيني، واختطاف المشروع الوطني التحرري الفلسطيني للاتكاء عليه في تحقيق المكاسب الشخصية.

التعليقات (0)