كتاب عربي 21

ليبيا مسألة استراتيجية لا محور استقطاب

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
هناك مسائل في أي دولة، بمنطق العلاقات الدولية تصبح في منطقة محجرة، محصنة من أن تتعرض لعدوى الصراع السياسي الداخلي. ليست تونس ديمقراطية عريقة ولم تعرف إلا في السنوات العشر الأخيرة نقاشا حرا وعلنيا حول العلاقات الخارجية، وأصبحت بعض المواضيع أصلا محاور محددة في حملات انتخابية مثلما كان موضوع قطع العلاقات مع سوريا في انتخابات 2014.

لكن الجارين الجزائري والليبي يتموقعان قبل الثورة وبعدها في مكان يقرب إلى "التوافق" غير المنظم. من جهة، لا يمكن أن تسمع إلا نادرا من يدعو إلى قطيعة مع كلتا الدولتين، وحتى في الحالة الليبية التي دخلت في صراع محاور وكان هناك تونسيا من يدعم حكومة طرابلس من موقع التقارب مع المحور التركي- القطري ومن يدعم حفتر من موقع الدفاع عن المحور الإماراتي- المصري- الفرنسي.. حتى حينها ستسمع من الجميع جملة واحدة ثابتة: العلاقة مع ليبيا مسألة داخلية وليست خارجية. غير أن ذلك الإعلان "الجامع" لا يمنع تحويل الملف الليبي إلى مجرد أداة أخرى لتسجيل النقاط السياسية داخليا. وهكذا كان الوضع خلال السنوات الأخيرة، حيث كان يتم التصنيف وحتى التخوين على أساس دعم أي طرف في ليبيا. وأصبحت هناك شتائم من نوع "جماعة فجر ليبيا" و"الحفتريش".

بشكل مجرد، من المفترض أن تكون زيارة الرئيس قيس سعيد الأسبوع الماضي إلى ليبيا بوصفها أول زيارة لقائد دولة أجنبية إلى طرابلس إثر التصويت على الحكومة الليبية الجديدة؛ محل إجماع ودعم ومساندة من الفرقاء التونسيين، غير أن ما حصل سواء في بعض الموقف الحزبية الرسمية أو في وسائل التواصل الاجتماعي أمر مختلف.
المفترض أن تكون زيارة الرئيس قيس سعيد الأسبوع الماضي إلى ليبيا بوصفها أول زيارة لقائد دولة أجنبية إلى طرابلس إثر التصويت على الحكومة الليبية الجديدة؛ محل إجماع ودعم ومساندة من الفرقاء التونسيين، غير أن ما حصل سواء في بعض الموقف الحزبية الرسمية أو في وسائل التواصل الاجتماعي أمر مختلف

حركة النهضة في قلب ردود الفعل، حيث عبر وزير الخارجية الأسبق والمكلف بالعلاقات الخارجية في المكتب التنفيذي في الحركة، رفيق عبد السلام، يوم الزيارة عن موقف سلبي جدا من الزيارة، متهما الرئيس بأنه يتموقع في الموقع الخطأ في المسألة الليبية، وعمليا يعتبر أنها زيارة بلا جدوى. وفي بيان لاحق عبرت الحركة عن إسنادها للزيارة، لكن ليس من الصعب أن نفهم أن عبد السلام يعبر في الحقيقة عن موقف جدي من داخل الحركة، وربما موقف رئيسها نفسه، وإن حافظ البيان الرسمي على الموقف البروتوكولي البارد.

أسلوب الخطاب المزدوج هذا ليس غريبا عن السياسة، لكنه غير مناسب في المسائل الاستراتيجية، خاصة عندما نلحظة حملة ممنهجة من أنصار النهضة في وسائل التواصل الاجتماعي لترذيل الزيارة والتهجم على قيس سعيد، واختلاق حتى قصص من نوع أن الرئيس التونسي نظم زيارة مفاجئة في أربع وعشرين ساعة فقط لاستباق زيارة أخرى لرئيس الحكومة، في حين أن خبر زيارة الرئيس تم تسريبه قبل أسبوع على الأقل من حصول الزيارة.

لا شك أن الزيارة كانت ستكون أكثر جدوى لو حصلت في وضع لا توجد فيه أزمة سياسية عميقة في السلطة التنفيذية في تونس.. المؤكد أنها كانت ستكون أكثر أهمية لو تم التحضير لها بشكل أكبر وإشراك المجتمع المدني وأوساط الأعمال، رغم أن قيس سعيد أخذ بعين الاعتبار توصيات مجلس الأعمال التونسي- الأفريقي الذي نظم ندوة حول ليبيا قبل أسبوع من الزيارة ودعا إليها رجال ونساء أعمال من البلدين. لكن تبقى الزيارة ضرورية ومهمة وتؤدي الحد الأدنى المطلوب رمزيا ودبلوماسيا.
الزيارة كانت ستكون أكثر جدوى لو حصلت في وضع لا توجد فيه أزمة سياسية عميقة في السلطة التنفيذية في تونس.. المؤكد أنها كانت ستكون أكثر أهمية لو تم التحضير لها بشكل أكبر وإشراك المجتمع المدني وأوساط الأعمال

قيس سعيد ابتدأ بشكل خاطئ في الملف الليبي باستدعاء مجلس قبلي لا يمثل حقيقة القبائل، والتركيز على مقاربة قبلية حصرية للملف، ثم تدارك تدريجيا الموقف منذ إعادة السفارة التونسية في طرابلس إلى العمل بعد توقف دام طويلا، ثم رعاية تونس لأول جولة من الحوار السياسي الذي سينتهي في جنيف إلى انتخاب الحكومة الجديدة.

لماذا يرى البعض في حركة مثل النهضة زيارة قصيرة ومهمة بالنسبة لتونس؟ ألم يتعرض من قبل بعض قياديها والمقربين منها إلى حملة ممنهجة بسبب "تأخر" و"تردد" سياسته ومواقفه تجاه ليبيا؟ ألم يكن من الأسلم الترفع عن الصراع الداخلي الآن ودعم الزيارة؛ عوض موقف مزدوج داعم رسميا ويهاجم في الرأي العام ومن خلال القيادي الأول المعني بالسياسة الخارجية؟ ألا يمكن أن يعكس ذلك تخوفا من أن يفلت الملف الليبي من النهضة إلى الرئاسة، في حين ترى فيه الحركة ورقة أساسية في الترتيبات الإقليمية؟! الواضح أن أخطاء قيس سعيد في الملف الليبي لا يجب تصحيحها بخطيئة محاولة التشويش أو إفشال زيارته.

twitter.com/t_kahlaoui
التعليقات (0)

خبر عاجل