قضايا وآراء

أوروبا توجه سياسة بايدن تجاه إيران

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

لم تلتئم اللجنة المشتركة المنبثقة عن الاتفاق النووي والمكونة من الدول الأعضاء على مستوى وزراء الخارجية إلا نادرا، مرة أو مرتين، منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق يوم 8 أيار (مايو) 2018، رغم أنها عقدت اجتماعات عدة كل ثلاثة أشهر مرة واحدة تقريبا على مستوى مساعدي وزراء الخارجية والمدراء السياسيين، لكن اللجنة عقدت الأربعاء الماضي اجتماعا جديدا بمشاركة وزراء خارجية مجموعة 1+4 في إجراء ملفت للانتباه، كان مرتبطا على ما يبدو بالأجواء التفاؤلية التي أثارها فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية الأخيرة.

 

خلافات إيرانية-أوروبية

كان الاجتماع "غير رسمي" عبر "الفيديو كونفرانس" بسبب ظروف تفشي كورونا، لكن تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ونظرائه الأوروبيين بعيد اللقاء والمباحثات، أظهرت أنها لم تثمر إلى أي نتيجة، بل إن الطرفين تبادلا رسائل تحذيرية، فمن جهة، طالب وزير الخارجية الإيراني، أوروبا باغتنام "الفرصة الأخيرة" لإنقاذ الاتفاق النووي، ومن جهة أخرى، دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إيران بعد الاجتماع إلى عدم إهدار "الفرصة الأخيرة". لكن الفرصة التي تحدث عنها الوزيران مختلفة شكلا ومضمونا. 

ظريف من جهته يقصد مهلة الشهرين اللذين منحهما البرلمان الإيراني، في وقت سابق من الشهر الجاري، لبقية أطراف الاتفاق النووي قبل دخول سريان قانون "التدبير الاستراتيجي لرفع العقوبات" الأمريكية، والذي يلزم الحكومة الإيرانية على اتخاذ إجراءات نووية تعيد البرنامج النووي الإيراني إلى مرحلة ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي يوم 14 تموز (يوليو) 2015، في مقدمتها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة وحتى أعلى من ذلك، فضلا عن إنهاء العمل بالبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تفرض منذ 5 سنوات بموجبه "رقابة صارمة" غير مسبوقة على البرنامج النووي الإيراني. علما بأن الحكومة الإيرانية أعلنت عدة مرار معارضتها للقانون، لكن تشهيره كورقة في المباحثات مع أوروبا من قبل الخارجية الإيرانية، يطرح فرضية أن تلك المعارضة قد لا تكون بعيدة عن سناريو توزيع الأدوار بين المؤسسات الإيرانية. 

 

يؤكد هذا التصعيد محاولة أوروبا توظيف علاقاتها الجديدة مع الإدارة الأمريكية الديمقراطية لرسم توجهاتها خلال المرحلة المقبلة في مواجهة إيران لقناعتها على ما يبدو أن هذه المرحلة تشكل فرصة للاستثمار في تركة ترامب والحصول على تنازلات "مؤلمة" في عهد بايدن تحت ضغط نتائج سياسة الضغط الأقصى.

 



لكن "الفرصة الأخيرة" التي تتحدث عنها أوروبا هي فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية، لكونه مؤيد للاتفاق النووي، ويخلف عدوه اللدود الرئيس الأمريكي الخاسر دونالد ترامب، لكن السؤال المطروح بقوة هو عن العمل الإيراني المطلوب أوروبيا لكي يُعد على أنه اغتنام لفرصة فوز بايدن. بطبيعة الحال المقصود الأوروبي هنا ليس أنه في حال عودة الإدارة الأمريكية المقبلة إلى الاتفاق النووي ورفعها العقوبات عن إيران، فالأخيرة أيضا عليها أن تغتنم الفرصة للعودة عن خطواتها النووية الخمسة التي اتخذتها خلال العامين الأخيرين ردا على تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق وحرمانها من منافعه الاقتصادية بالكامل، لأنه في هذه الحالة إذا ما عادت واشنطن إلى الصفقة النووية، فيعتبر ذلك تحقيقا لمطلب إيران الرئيسي وهي تنشد الخطوة بالأساس. 

لذلك على الأغلب تقصد أوروبا من الفرصة الأخيرة التفاوض لأجل التوصل إلى اتفاق جديد توسيعا للاتفاق النووي ليشمل الملفات الساخنة الأخرى، أي البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية، فضلا عن التفاوض مجددا حول بعض بنود الاتفاق الحالي المترنح وتمديد بعض القيود، وهو ما لمح إليه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي أخيرا. 

كما قال وزير الخارجية الألماني إن الأسابيع والأشهر القادمة "حساسة للغاية"، بالتالي فإن سلوك الطرفين، أي إيران من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، سيرسمان أفق الصراع خلال السنوات الأربع المقبلة في عهد بايدن، رغم أن الكرة اليوم في ملعب الإدارة الأمريكية المقبلة والأطراف الأوروبية لاتخاذ مسار مختلف عما سار عليه ترامب خلال السنوات الأربع الأخيرة، لكن لا مؤشرات على ذلك، وإنما ثمة مؤشرات قوية على أن هذه الإدارة والأطراف بصدد توظيف تركة ترامب أشد الاستغلال للوصول إلى ما فشل فيه هو. 

 

طهران في مواجهة سياسة الضغط الأقصى

يذكّر سلوك الدول الأوروبية الثلاثة، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الشريكة في الاتفاق النووي، هذه الأيام، بالذرائع الفرنسية في الأيام الأخيرة من المفاوضات المنتهية إلى الاتفاق عام 2015، بغية وضع العصا في دواليب المفاوضات لإفشالها آنذاك، لكن طهران وواشنطن، الطرفين الرئيسين، كانتا على مقربة من الاتفاق ولم تنجح باريس في سياستها.
 
واليوم أن تتبع أوروبا هذا السلوك التصعيدي في مواجهة إيران، بينما كان يُنتظر منها بدلا من ذلك أن تشجع الرئيس الأمريكي المنتخب على العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات في سبيل تحقيق الشعار الذي لطالما رفعته خلال السنوات الأخيرة حول ضرورة إنقاذ الاتفاق والحفاظ عليه، يعني هذا السلوك أن الأطراف الأوروبية سواء بضغط من اللوبي الإسرائيلي أو أطراف أخرى أو لرغبات ذاتية، بصدد منع بايدن من تقديم تنازلات لإيران قبل التفاوض على القضايا الأخرى الأكثر حساسية والتي لطالما رفضت طهران ذلك. 

ولذلك، يؤكد هذا التصعيد محاولة أوروبا توظيف علاقاتها الجديدة مع الإدارة الأمريكية الديمقراطية لرسم توجهاتها خلال المرحلة المقبلة في مواجهة إيران لقناعتها على ما يبدو أن هذه المرحلة تشكل فرصة للاستثمار في تركة ترامب والحصول على تنازلات "مؤلمة" في عهد بايدن تحت ضغط نتائج سياسة الضغط الأقصى. وعليه يبدو أن إيران قرأت الرسالة الأوروبية ورغبة إدارة بايدن المقبلة في اتخاذ هذا المسار، لذلك جاء القانون البرلماني كرسالة تحذير من أنها جاهزة للدفع ببرنامجها النووي إلى فصول جديدة أكثر حساسية إذا ما أرادت أوروبا والإدارة الأمريكية المقبلة مواصلة سياسة ترامب.
 

والنتيجة، أن ملف الصراع الإيراني الغربي سيشهد المزيد من التعقيدات خلال عهد بايدن، ولا مؤشرات على تراجع حدته بل على الأغلب سيزداد توترا. مع ذلك، يُرجح استئناف المفاوضات خلال الشهور المقبلة، لكن يستبعد أن يواكبه رفع العقوبات على طهران، رغم أن تقديم تنازلات جزئية يبقى محتملا، مثل تحرير أرصدة إيرانية مجمدة، إلا أنه لا نية لدى الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات قبل حل جميع القضايا العالقة، وهو حل يبقى بعيد المنال في ظل معارضة إيرانية شديدة لمجرد القبول بالتفاوض حولها، لكون طهران تعتبر أن هذه القضايا، وسيما البرنامج الصاروخي، سيادية لا تخضع للتفاوض أبدا. 

التعليقات (0)