قضايا وآراء

هل سيمتد التوتر بين طهران وواشنطن إلى الكاريبي؟

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

في خضم انشغال مراقبين ومحللين بالحديث عن وجود اتفاق سري إيراني وأمريكي، ومحاولتهم التسويق للموضوع من خلال ربط جملة معطيات حديثة، في غير محلها، مثل انتخاب الحكومة العراقية، وما يجري في سوريا وتغريدة السيد علي الخامنئي حول الإمام الحسن وإنجازه للمصالحة وتنازله عن الخلافة، بدأت تطفو إلى السطح مجددا ملامح تصعيد جديد بين الطرفين، لتمتد التوترات بينهما من المياه الخليجية إلى منطقة الكاريبي بالقرب من الحدود الأمريكية، على خلفية تهديدات أمريكية بمنع وصول 5 ناقلات إيرانية إلى فنزويلا، تحمل نحو 220 إلى 240 مليون لتر من البنزين، في خطوة إيرانية لها دلالات متعددة، إذ إن طهران بعدما احتمت بالطرق الالتفافية لتخطي العقوبات الأمريكية وتصدير نفطها، اليوم أصبحت تعلن صراحة تسيير ناقلات لنقل وقودها المحظور إلى الفناء الخلفي للولايات المتحدة. وتشير التقارير الدولية إلى أن هذه الحاملات شغلت أجهزة الرادار والتتبع لديها.

التهديدات الأمريكية ضد الناقلات الإيرانية بدأت عندما كشف مسؤول أمريكي لم يفصح عن هويته، لوكالة "رويترز"، الأسبوع الماضي، أن واشنطن بصدد اتخاذ إجراءات ضد الناقلات الإيرانية المتوجهة إلى فنزويلا، لكن حتى الآن لا يوجد تأكيد رسمي من الجانب الأمريكي بهذا الخصوص، والبنتاغون أعلن الخميس الماضي أنه ليس على علم بوجود خطط "لوقف أو تفتيش أو تدمير الناقلات الإيرانية"، غير أنه اعتبر في الوقت ذاته، أن تسيير هذه الحاملات يشكل "انتهاكا سافرا" للعقوبات المفروضة على البلدين. 

حتى الآن ليس واضحا إذا كانت الإدارة الأمريكية ستنفذ تهديداتها غير المباشرة لمنع وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى فنزويلا، والأمر سيتضح خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث تشير تقارير إلى أن هذه القطع ستصل إلى المقصد أواخر الشهر أو مطلع حزيران. 

لكن ما يعزز احتمال تنفيذ واشنطن تهديداتها، هو توجه أربع طرادات حربية ترافقها طائرة "بوينغ بيه ـ 8 بوسيدون" الحربية (Boeing P-8 Poseidon) من أسطول VP-26 قد توجهت إلى منطقة الكاريبي، حسبما ذكرت وكالة "نور نيوز" الإيرانية، المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، نقلا عن "مصادر مطلعة". 

لا شك أن واشنطن إذا ما عملت فعلا على منع وصول الناقلات إلى فنزويلا، فإن ذلك سيفتح لمرحلة تصعيد خطيرة في الصراع الدائر مع إيران، لا يمكن التكهن بمآلاتها، في ظل ما صدر عن الأخيرة من تحذيرات وتهديدات رسمية في طهران بـ"رد مماثل وعاجل وحاسم"، خلال الأيام الأخيرة، حيث من الصعب أن تتحمل هي التصرف الأمريكي من دون رد، لأن عدم الرد على ذلك، يعني بصريح العبارة الرضوخ لمعادلة أمريكية جديدة، بموجبها لا يمكن لأي ناقلة إيرانية أن تتحرك صوب أي منطقة في العالم، حيث ستسعى واشنطن إلى تطبيق هذه المعادلة وترسيخها خلال الفترة المقبلة، بعد إعلانها الأخير بأنها بصدد تشديد تطبيق العقوبات. 

 

لا شك أن واشنطن إذا ما عملت فعلا على منع وصول الناقلات إلى فنزويلا، فإن ذلك سيفتح لمرحلة تصعيد خطيرة في الصراع الدائر مع إيران، لا يمكن التكهن بمآلاتها، في ظل ما صدر عن الأخيرة من تحذيرات وتهديدات رسمية في طهران بـ"رد مماثل وعاجل وحاسم"،

 



بغض النظر عن النبرة العالية لوعيد إيران، إلا أن ردها، على الأغلب، يتوقف على طبيعة التصرف الأمريكي ضد ناقلاتها، إن حدث، ومستواه، بين إجبار الناقلات على تغيير مسارها أو القيام باحتجازها. فشكل التصعيد الأمريكي المحتمل هو الذي سيرسم مساره المستقبلي. وفي حال وقوع السيناريو الأول، أي إجبار السفن على تغيير مسارها ومنعها من التوجه إلى فنزويلا في منطقة الكاريبي من دون احتجازها، فمن المحتمل أن يكون شكل الرد الإيراني هو تحرشات مباشرة أو غير مباشرة بالقوات الأمريكية في المنطقة، سواء في بحرها أو برّها، لكن إذا ما قامت واشنطن بتوقيف السفن الإيرانية، فحينئذ سيكون الأمر مختلفا، لكونه سيحدث تطورا خطيرا غير مسبوق في مسار الصراع، إلا أن الأمر متوقف على طبيعة الرد الإيراني في هذه الحالة، والسؤال الملح هنا أنه في حال احتجاز الناقلات هل ستقوم طهران بالمثل في مياه المنطقة؟ خصوصا وأنها هددت بـ"رد مماثل وعاجل"، الأمر الذي يذكّر بالسيناريو الذي طبقته مع بريطانيا، عندما احتجزت الأخيرة ناقلة إيرانية في منطقة جبل طارق، خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، بحجة التفافها على العقوبات الأوروبية ضد سوريا، ما رد عليه الحرس الثوري الإيراني بعد أسبوعين بتوقيف ناقلة بريطانية، قبل أن يفرج الطرفان عن الناقلتين في وقت لاحق في عملية تبادل غير مباشرة بدأت بإفراج لندن عن الناقلة الإيرانية. 

تكرار هذا السيناريو مع واشنطن، ليس بسهولة، لكون النتائج ستكون مختلفة، ما يشكل إحراجا كبيرا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الموسم الانتخابي من جهة، ويرفع منسوب التوتر إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، على ضوء التحذير الذي أطلقه الجيش الأمريكي، أخيرا بالابتعاد عن السفن الأمريكية في المنطقة 100 أمتار، مهددا بالرد في حال تجاوز ذلك. 

واليوم، بعد التهديدات الإيرانية المتصاعدة، والتداعيات الجمة المحتملة لخطوة توقيف الناقلات الإيرانية، ليس واضحا إن كان ذلك سيدفع الإدارة الأمريكية إلى التراجع عن تنفيذ الخطة أم لا؟ ولعل الأيام المقبلة تجيب على ذلك، لكن لا شك أن هذه الإدارة في حسابات الربح والخسارة لتنفيذ هذه الخطوة من عدمه، أمام قرار صعب للغاية، إذ أن الانصراف أيضا له تداعيات سلبية على استراتيجيتها ضد طهران ليست أقل خطورة من تبعات تنفيذ الخطوة. 

فاليوم ترامب أمام خيارين، لا ثالث لهما، ولكل واحد منها عواقب لا يمكن التكهن بمآلاته، فإن لم يفعل شيئا ضد الناقلات الإيرانية فذلك يشكل سابقة مهمة لنجاح إيران في تجاوز العقوبات، وستكررها لاحقا، فضلا عن أن وصول الوقود الإيراني إلى فنزويلا يخفف من حدة أزمتها الداخلية المتصاعدة، والمطلوبة أمريكيا، ويقلل من فرص تحقيق الأمنية الأمريكية بسقوط حكومة نيكولاس مادورو. كما أن ذلك سيساهم في ترسيخ النفوذ الإيراني المتزايد في أمريكا اللاتينية، الفناء الخلفي للولايات المتحدة. 

وأما إذا أقدمت على منع توجه الناقلات إلى فنزويلا أو قامت باحتجازها، فذلك أيضا كما ذهب شرحه، يمكن أن يصعد التوتر مع إيران إلى مستويات خطيرة غير محسوبة العواقب. والسؤال أنه هل يفضّل ترامب وصول التوتر إلى هذا المستوى لاستثماره داخليا على ضوء أزمة كورونا؟ بانتظار الأيام المقبلة للحصول على إجابة بشأن الفرضات آنفة الذكر. 

@golanbari_saber

التعليقات (0)