الكتاب: روسيا الأوراسية كقوة عظمى- جيوبوليتيك الصراع ودبلوماسية النفط والغاز في الشرق الأوسط
الكاتب: د. وسيم خليل قلعجية
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت- لبنان ، الطبعة الأولى، يونيو/حزيران 2019
(عدد الصفحات 582 من القطع الكبير)
منذ أن تم اكتشاف النفط في الشرق الأوسط عامة، والخليج العربي خاصة، في أوائل القرن الماضي، ومنذ أن احتلت صناعة النفط مكانة هامة ومتقدمة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، أصبح نفط الشرق الأوسط أحد أهم المجالات الاقتصادية الحيوية في استراتيجية الرأسمالية الاحتكارية وسياسة الاستعمار القديم والإمبريالية. ومن الواضح أن نفط الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كونه موردا لأرباح جديدة للشركات النفطية الاحتكارية، وسوقا جديدة لاستثمار رأس المال الاحتكاري، فإنه يشكل على الدوام امتزاج الأممية والمكانة الاقتصادية العالمية والاستراتيجية العسكرية..
لهذا السبب كان الشرق الأوسط عرضة في التاريخ للحملات الاستعمارية العسكرية، ولتكالب الإمبرياليين على حقول النفط، فرزح تحت وطأة الاحتكارات النفطية التي فرضت شروطا في غاية القسوة والإجحاف لأعمالها في بلدان الخليج العربي والعراق. وكانت الاتفاقات المجحفة والمعاهدات التي منحت بموجبها الامتيازات للبلدان الإمبريالية والشركات الاحتكارية لاستغلال الموارد الطبيعية والقيام بمختلف أنواع العمليات النفطية، واستغلال قوة العمل المحلية، وسيطرة الرأسمال الأجنبي، تشكل جميعها أساس استراتيجية النظام الاستعماري. وقد وجدت الإمبريالية في تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية المنهارة، القاعدة المادية لعلاقة السيطرة الاستعمارية.
ارتبط تداخل الصراع على السيطرة على الشرق الأوسط بصورة وثيقة جدا بالصراعات البترولية
وهكذا كان الشرق الأوسط ولا يزال، كقيمة استراتيجية عظمى في معترك العلاقات الاستراتيجية الدولية، مسرحا لصراع قاس وعنيف بين الاحتكارات النفطية الكبرى، وللصراع التنافسي بين الدول الإمبريالية المتناقضة في مصالحها الاقتصادية وفي استراتيجيتها السياسية، خاصة بين الإمبريالية الأمريكية وباقي دول أوروبا الغربية الاستعمارية، فيما بعد الحرب العالمية الأولى التي أحدثت تغييرا كبيرا في الخريطة السياسية والإقليمية لكل بلدان الشرق الأوسط.
ومن هذا المنظار ارتبط تداخل الصراع على السيطرة على الشرق الأوسط بصورة وثيقة جدا بالصراعات البترولية التي خيضت من قبل الاحتكارات النفطية الأمريكية والبريطانية والفرنسية للسيطرة على مصادر النفط ..
يقدم الدكتور وسيم قلعجية، الحائز على جائزة يفغيني بريما كوف الدولية، في كتابه الصادر تحت عنوان "روسيا الأوراسية كقوة عظمى- جيوبوليتيك الصراع ودبلوماسية النفط والغاز في الشرق الأوسط"، عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، والمتكون من حوالي 600 صفحة و17 فصلاً، دراسة قيمة وموضوعية عالية ومعاصرة للغاية عن أهم "محركات" السياسة العالمية، ويكشف بشكل كامل عن حقيقة مشكلات التحديات العالمية والإقليمية المعاصرة، لا سيما ما يتعلق بالصراع الدولي على موارد النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الصغرى، إذ تمثل أكثر من 90% من التجارة العالمية في الموارد الطبيعية.
ويعتمد الكاتب في هذا البحث على التوثيق المنهجي والتحليل السياسي والتاريخي، حيث يكشف عن أهمية العلاقة القوية بين الجيوبوليتيك ودبلوماسية النفط والغاز الروسية على امتداد المنطقة الأوراسية. ويشرح هذا الكتاب بشكل متوازٍ بين التحول في استخدام موارد النفط والغاز في روسيا وبين تعزيز مصادر القوة المتنامية في السياسة الخارجية الروسية، مؤكداً كيف أن روسيا عادت مرّة أخرى لتلعب دورًا رائدًا في سوق
الطاقة العالمي، مع العودة بنشاط إلى الساحة الدولية كقطب دولي مؤثر مع استعادة توازن القوى في العالم، الذي تعطل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
المفهوم الجديد للجيوبوليتيك والصراع الدولي على النفط والغاز
يلقي الكتاب أضواء ساطعة على جيوبوليتيك الصراع الذي يسيطر على المنطقة الأوراسية، مما يتيح فهم التحولات الجيوسياسية الجارية في المنطقة الأوراسية بشكل أفضل. وفي هذا الكتاب يبين الدكتور وسيم قلعجية أنّ المفهوم التقليدي للجيوبوليتيك الذي كان سائدًا في مرحلة الحرب الباردة قد طرأ عليه تغيير عميق، لمصلحة مفهوم جديد أرست دعائمه الرأسمالية الغربية والذي يعرف بجيوبوليتيك النفط.
ففي ظل العولمة الليرالية المتوحشة التي كسرت كل الحدود، حقق المفهوم الجديد للجيوبوليتيك المكانة الاقتصادية والتطورالصناعي، ونال مرتبة أعلى من التوسع الإقليمي والدولي. فالمعركة على صعيد كوني تكمن في كسب الموارد الطبيعية وفي القلب منها النفط والغاز. ففي عالمنا المعاصر، العلاقات الدولية، وكذلك المحرك الرئيسي للصراعات الإقليمية والدولية، أصبحتا تقومان على المصالح والتنافس الإقليمي الجيواستراتيجي، وليس على الإيديولوجيا والخطابات والشعارات الإيديولوجية كما كان في مرحلة الباردة.
وبعد أن كان النفط يتربع على عرش الطاقة، أصبح الغاز في نهاية القرن العشرين وفي عصر القرن الحادي والعشرين يحتل مكانة استراتيجية، وينافس النفط على مصدر الطاقة الأول في العالم. ولما كانت الطاقة عماد الحضارة في عصر العولمة الرأسمالية، والأداة الرئيسية لتقدم وتطور وتنمية الأمم، فإنها أصبحت ميدانًا رئيسيًا من ميادين التنافس والصراع في السياسة الدولية.
المعركة على صعيد كوني تكمن في كسب الموارد الطبيعية وفي القلب منها النفط والغاز
يقول الكاتب وسيم خليل قلعجية: "هكذا، تبلور في وقت مبكّر مفهوم أمن الطاقة، وصار الغاز الطبيعي الروسي، بشكل خاص، سلاحاً استراتيجياً يُهاب جانبه ويُحسب حسابه، فصارت جهود روسيا الأوراسية لبسط نفوذها واضحة، فالمراقب يرى أن شركة الغاز الروسية حاضرة، في كل زيارات الرئيس فلاديمير بوتين لأي دولة. لذلك، أشارت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى "أنها تعتزم إضفاء العدالة والتوازن على أسواق الطاقة العالمية، عبر عرض تصدير غاز أمريكي على أوروبا وآسيا، مشيرة إلى الحاجة لتقليص ما أطلقت عليه القوة المشوهة للسوق لجهات فاعلة مثل روسيا الاتحادية ومنظمة أوبك".
ويضيف الكاتب: "ينطلق التفكير الروسي من أن القرن التاسع عشر كان (قرن الفحم)، وجاء بعده "النفط" في القرن العشرين، ونعيش حالياً في القرن الحادي والعشرين، حيث يشكّل "الغاز" مادة الطاقة الرئيسة، سواء كطاقة بديلة نتيجة تراجع احتياط النفط عالمياً، أو لجهة أهمية الطاقة النظيفة. ولذلك، فإن السيطرة على مناطق احتياط الغاز في العالم يعد بالنسبة للقوى العالمية أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية" (ص 25 من الكتاب).
حالياً، يشكل الغاز الطبيعي حوالي 24% من خليط مصادر الطاقة العالمي مقابل حوالي 33% للنفط و30% للفحم الحجري. وبحسب تقارير شركة "بريتش بتروليوم" الإحصائية يمكن ملاحظة انخفاض نسبة استهلاك النفط في خليط الطاقة العالمي لصالح الفحم الحجري والطاقة المتجددة. فلقد انخفضت نسبة استهلاك النفط بحوالي 4.4% في عشر سنوات وارتفعت نسبة استهلاك الفحم بحوالي 3% لنفس الفترة بفضل ارتفاع كميات الفحم التي تستهلكها الصين والتي تصل حالياً إلى نصف استهلاك العالم.
يشكل الغاز الطبيعي حوالي 24% من خليط مصادر الطاقة العالمي مقابل حوالي 33% للنفط و30% للفحم الحجري
كما يمكن ملاحظة احتفاظ الغاز الطبيعي بنفس النسبة رغم ارتفاع نسبة الطاقة المتجددة، حيث إن نسبة النمو السنوي للطلب العالمي على الغاز الطبيعي ستكون الأعلى بين الوقود الأحفوري، إذ إنها ستصل إلى حوالي 1.6% سنوياً مقابل 0.8% للنفط و0.1% للفحم وهذا يعني أن نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيكون ضعف نمو الطلب على النفط والفحم مجتمعين حتى عام 2040.
ينمو الطلب على الغاز الطبيعي بوتيرة عالية نظراً لعدة عوامل إيجابية يتميز بها الغاز منها أنه أقل تلويثاً للبيئة مقارنة بالفحم الحجري والنفط وأكثر سلامة مقارنة بالطاقة النووية وأقل كلفة مقارنة بالطاقة الشمسية وتوفره بكميات كبيرة. وعلى رغم كل ذلك، سيبقى النفط مصدر الطاقة الأول بالعالم ولعقود قادمة نظراً لاستخداماته المتنوعة كوقود لوسائل النقل وكمصدر رئيس للصناعات البتروكيماوية وخاصة في صناعة النفتا البترولية.
ارتفع الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي بوتيرة متسارعة منذ العام 2000، حيث استهلك العالم حوالي 2.5 تريليون متر مكعب ليرتفع في العام 2017 إلى 3.9 تريليون متر مكعب، 70% منها استهلكت في أماكن الإنتاج أو قريبة منها وحوالي 21% منها تم بيعها بواسطة الأنابيب وحوالي 9% فقط تم تصديرها كغاز مسال بواسطة الناقلات. ومن المتوقّع أن يرتفع الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي ليصل في عام 2040 إلى حوالي 5.5 تريليون متر مكعب ليصبح المصدر الأول لتوليد الطاقة الكهربائية بالعالم متخطياً بذلك الفحم الحجري.
يقول الكاتب وسيم خليل قلعجية: "يملك العالم احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، فعلى سبيل المثال يبلغ احتياطي العالم من النفط حوالي 240 بليون طن مقابل 171 بليون طن نفط مكافئ من الغاز و890 بليون طن فحم حجري. وتملك روسيا الاتحادية أكبر الاحتياطيات المؤكدة للغاز الطبيعي وتليها إيران وقطر وتركمانستان والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية. روسيا الاتحادية هي الدولة الأكبر في العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي.
ولقد ارتفعت الاحتياطيات العالمية من النفط التقليدي في آخر عشرين عاماً بحوالي 50%. وأما الاحتياطيات العالمية للغاز الطبيعي فلقد ارتفعت بحوالي 60% لنفس الفترة، وهذا ما يفسر الوفرة الحالية التي يشهدها العالم بالغاز. وأما بالنسبة لإنتاج الغاز الطبيعي فتتقدّم الولايات المتحدة الأمريكية دول العالم بإنتاج واستهلاك الغاز الطبيعي فهي تنتج حالياً حوالي 21% من الإنتاج العالمي، ولقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية قفزات متتالية ومثيرة للدهشة بإنتاجه نظراً للتقدّم العلمي باستخراج الغاز الصخري. فلقد ارتفع إنتاجها من 600 بليون متر مكعب في عام 2010 إلى 765 بليون متر مكعب في عام 2015 وهي زيادة بحوالي 28% جميعها من الغاز الصخري" (ص 26 من الكتاب).
سيطرة الشركات النفطية الإحتكارية على النفط العربي منذ قرن
ليس بنا حاجة كي نؤكد أن النفط هو الدم الذي يسير في شرايين النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي، والعصب المحرك للقوة الاقتصادية والصناعية، وأساس القوة العسكرية للأمم منذ بداية القرن العشرين. ويعتبر النفط دم الحضارة في القرن العشرين بوصفها حضارة نفطية في معناها الشمولي، خصوصا بعد أن تم استبدال الفحم الحجري الذي كان أساس الاقتصاد في الدول الصناعية الرأسمالية في القرن التاسع عشر بالنفط الذي أحدث تبدلا جذريا في البنية الصناعية، وأعطى حركة التصنيع في العالم بعدا جديدا من خلال أوجه الاستعمال المتعددة بوصفه مصدرا للحرارة والطاقة.
منذ أن احتلت صناعة النفط مكانة هامة ومتقدمة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، أصبح نفط الشرق الأوسط أحد أهم المجالات الاقتصادية الحيوية في استراتيجية الرأسمالية الاحتكارية وسياسة الاستعمار القديم والإمبريالية.
وليس من قبيل المصادفة التاريخية أن قال جورج كليمنصو أثناء الحرب العالمية الأولى: "إن النفط ضروري كالدم". وكتب كولدرج رئيس الولايات المتحدة في عام 1924، بهذا الصدد عند افتتاح اللجنة الفيدرالية للنفط:" إن تفوق الأمم يمكن أن يقرر بواسطة امتلاك النفط و منتجاته".
ومنذ أن تم اكتشاف النفط في الشرق الأوسط عامة، الخليج العربي خاصة، في أوائل القرن الماضي، ومنذ أن احتلت صناعة النفط مكانة هامة ومتقدمة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، أصبح نفط الشرق الأوسط أحد أهم المجالات الاقتصادية الحيوية في استراتيجية الرأسمالية الاحتكارية وسياسة الاستعمار القديم والإمبريالية. ومن الواضح أن نفط الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كونه موردا لأرباح جديدة للشركات النفطية الاحتكارية، و سوقا جديدة لاستثمار رأس المال الاحتكاري، فإنه يشكل على الدوام امتزاج الأممية والمكانة الاقتصادية العالمية والاستراتيجية العسكرية ..
كان الشرق الأوسط ولا يزال، كقيمة استراتيجية عظمى في معترك العلاقات الاستراتيجية الدولية، مسرحا لصراع قاس وعنيف بين الاحتكارات النفطية الكبرى
لهذا السبب كان الشرق الأوسط عرضة في التاريخ للحملات الاستعمارية العسكرية، ولتكالب الإمبرياليين على حقول النفط، فرزح تحت وطأة الاحتكارات النفطية التي فرضت شروطا في غاية القسوة والإجحاف لأعمالها في بلدان الخليج العربي والعراق. وكانت الاتفاقات المجحفة والمعاهدات التي منحت بموجبها الامتيازات للبلدان الإمبريالية والشركات الاحتكارية لاستغلال الموارد الطبيعية والقيام بمختلف أنواع العمليات النفطية، واستغلال قوة العمل المحلية، وسيطرة الرأسمال الأجنبي، تشكل جميعها أساس استراتيجية النظام الاستعماري. وقد وجدت الإمبريالية في تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية المنهارة، القاعدة المادية لعلاقة السيطرة الاستعمارية .
وهكذا كان الشرق الأوسط ولا يزال، كقيمة استراتيجية عظمى في معترك العلاقات الاستراتيجية الدولية، مسرحا لصراع قاس وعنيف بين الاحتكارات النفطية الكبرى، وللصراع التنافسي بين الدول الإمبريالية المتناقضة في مصالحها الاقتصادية وفي استراتيجيتها السياسية، خاصة بين الإمبريالية الأمريكية وباقي دول أوروبا الغربية الاستعمارية، فيما بعد الحرب العالمية الأولى التي أحدثت تغييرا كبيرا في الخريطة السياسية والإقليمية لكل بلدان الشرق الأوسط. ومن هذا المنظار ارتبط تداخل الصراع على السيطرة على الشرق الأوسط بصورة وثيقة جدا بالصراعات البترولية التي خيضت من قبل الاحتكارات النفطية الأمريكية والبريطانية والفرنسية للسيطرة على مصادر النفط ..