الكتاب: مذكرات صحفي استقصائي
الكاتب: سيمور م .هيرش، ترجمة وتقديم: د.محمدجياد الأزرقي
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت
الطبعة الأولى ،آيار/مايو2019
(478 صفحة من القطع الكبير)
ينهي اليوم الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني عرضه لكتاب الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش، بالحديث عن الحرب الباردة التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي، وبالعلاقات الأمريكية ـ الكوبية، وانتهاء بالعراق وسجن أبو غريب الذي ارتكبت فيه المخابرات الأمريكية أبشع أنواع التعذيب بحق المعتقلين.
الحرب الباردة ونهاية الاتحاد السوفييتي
من المعروف أن الحرب الباردة وما تمخض عنها من عمليات التجسس بين القطبين بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، وبلغت ذروتها إبان ستينيات القرن الماضي. أسقط الاتحاد السوفييتي طائرة تجسس أمريكية من طراز US، كانت في مهمة لمعرفة ما إذا كان السوفييت يوجهون صواريخ باتجاه الولايات المتحدة. استبعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للرئيس الراحل، دوايت أيزنهاور إمكانية إسقاط طائراتها المعقدة التقنية، والتي يمكنها التحليق على ارتفاع 70 ألف قدم. إلا أنه في الأول من أيار (مايو) 1962 اختفت الطائرة أثناء التحليق فوق روسيا، واعتقل الطيار فرانسيس باورز. وجعل القائد السوفييتي، نكيتا خروتشوف، حطام الطائرة معرضاً عاماً، وبعد تلك الإهانة أجبر أيزنهاور على الاعتراف بأن أمريكا كانت تتجسس.
اعتقد كندي بأن مهمة إدارة الحرب الباردة وهزيمة السوفييت تقع على عاتقه
بعد ثلاثة أيام من اجتماعه بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو، لأول مرة، توجه خروتشوف للمشاركة في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 أيلول (سبتمبر) عام 1960. هدد الزعيم السوفييتي، الذي كان يؤمن بأن الاشتراكية هي المستقبل وأمريكا بحاجة لكبح الجماح، في كلمته بـ "دفن" أمريكا. اعتقد كندي بأن مهمة إدارة الحرب الباردة وهزيمة السوفييت تقع على عاتقه، وهذا ما بدا جليا في كلمته أثناء توليه الرئاسة في 20 كانون ثاني (يناير) 1961 من أبرز ما جاء فيها "لتعلم كل أمة سواء أرادت لنا الخير أو الشر أننا سوف ندفع أي ثمن ونتحمل أي عبء ونواجه كل مشقة، ونؤيد كل صديق ونعارض كل عدو، لضمان بقاء ونجاح الحرية.
مع قيام رائد الفضاء، يوري غاغارين، بالطيران إلى الفضاء الخارجي والدوران حول الأرض لمدة ساعة و48 دقيقة في 12 نيسان (أبريل) 1961، خشي قادة أمريكا من العجز عن حماية الشعب، واعتقد البعض أن من يمتلك القدرات كورشك، صانع الصفقات لدى الشركات الاحتكارية، التي ساعدته ووفرت له الحماية".
تطرق هيرش في الفصل السابع عشر إلى ثلاثة كتب ألفها عن كسنجر بعنوان "ثمن السلطة" كان الكتاب الثاني عن إسقاط طائرة الركاب الكورية فوق الساحل الشرقي للاتحاد السوفييتي وعنوانه "تدمير الهدف". أما كتابه الثالث فخصصه للحديث عن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، الذي وضع له عنوان "خيار شمشون" ذكر عن الكتاب، "إن ما كشفته حول حجم ترسانة إسرائيل النووية أصبح القصة الرئيسية في صحيفة التايمز منذ أن نزل الكتاب إلى الأسواق في خريف عام 1991 لكنه سرعان ما أصبح واضحاً أننا نواجه قوة إسرائيل ونجابهها، لأن نظرة تحليلية لدور أمريكا منذ رئاسة دوايت ايزنهاور ومن جاء بعده من الرؤساء، هو الإذعان وتحاشي مجابهة إسرائيل بخصوص سلاحها النووي السري. خبت جذوة الإقبال على شراء الكتاب في الجانب الغربي من نيويورك، حيث محل سكنى العديد من اليهود، بعد أن اتضحت الرسالة التي يعبر عنها الكتاب. وهي رسالة لا يريد أن يسمعها إلا النادر من اليهود" (ص 388 من الكتاب).
وبصدد هذا قالت مجلة "ذا ناشنال إنترست" الأمريكية إن البرنامج النووي الإسرائيلي هو الأكثر غموضاً حول العالم، مشيرة إلى أن إسرائيل تمتلك برنامجاً نووياً قوياً رغم مخزونها النووي المحدود.
فشل الإنزال في سواحل كوبا
كرّس هيرش الفصل الثامن عشر للحديث عن عملية الإنزال الفاشلة في سواحل كوبا التي أقرها الرئيس جون كيندي، ومع ظروف غياب الدعم الجوي، ونفاذ الذخيرة، انسحبت القوات الغازية إلى الشاطئ. حاولت سفن الدعم القريبة من الشاطئ إخلاء تلك القوات، إلا أنها لم تفلح في جهودها. انتهت بذلك عملية خليج كوجينوس، أو خليج الخنازير بالفشل الذريع. كان من نتيجة هذه العملية أن الجيش الثوري الكوبي قد أسر 1179 شخصاً من مجموعات الإنزال واستولى على خمس دبابات ثقيلة (شيرمان) وعشرات من الأسلحة الفردية.. "تبين من التحقيق مع الأسرى أنهم جميعاً من أنصار الرئيس السابق باتيستا وصرحوا بأن المخابرات الأمريكية هي التي تولت تدريبهم لوقت طويل. كان لفشل العملية صدمة حقيقية للقيادة الأمريكية، وللرئيس الأمريكي جون كيندي ذاته".
التعذيب الوحشي في سجن أبوغريب
كرّس هيرش فصله التاسع عشر والأخير للحديث عن أمور عدة لعل أبرزها تأليفه لكتاب عنوانه (سلم القيادة) الذي فضح فيه جرائم التعذيب الوحشي للمعتقلين العراقيين في (سجن أبو غريب). ولكن مثلما حصل مع كشفه فضيحة ماي لاي، التي لم ينجم عنها وقف حرب فيتنام ووحشيتها، لم يفلح كتابه عن فضيحة أبو غريب في إيقاف الحرب في العراق ولا الحد من وحشيتها.
التعذيب الأمريكي في السجون لم يقتصر على (أبو غريب) بل مورس في الفلوجة والرمادي والكاظمية وتكريت والموصل والبصرة
في الذكرى الخامسة عشر للغزو الأمريكي للعراق، فتح احد من أشهر معتقلي (سجن أبو غريب) سيء السمعة خزانة ذكرياته، ليروي قصصاً مروعة عن التعذيب والإهانة الجسدية والنفسية والجنسية التي عاصرها وزملاؤه دالخ السجن. وقبل سنوات تسربت صور مخيفة لتعذيب السجناء العراقيين في السجن الذي أدارته الولايات المتحدة، هزت العالم وتسببت في فضيحة للجيش الأمريكي.
قرر علي القاسمي، أحد أشهر سجناء أبو غريب، أن يفتح أبواب ذاكرته، ليروي قصصاً عن الإهانات التي تعرض لها نزلاء هذا المعتقل القريب من العاصمة العراقية بغداد. وقال القامسي إن كافة المعتقلين داخل السجن "تعرضوا لانتهاكات وتعذيب وإذلال جنسي وإهانة وإغتصاب وكثير من الأشياء السيئة".
بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أصبح (سجن أبو غريب) الواقع قرب بغداد، المكان الرئيسي لاحتجاز العراقيين المتهمين بجرائم ضد قوات التحالف الغربي، ومورست وراء جدرانه أعمال التعذيب والقتل. ولا يبدو أن الطفولة ولا الكهولة تشفع عند السجان في (أبو غريب)، فكل من كان فيه منتهك حسب رواية القاسمي، الذي أضاف: "رأيت طفلاً اغتصبوه أمام أبيه. كان محققو الشركات يرتكبون جرائم شنيعة".
القاسمي كان صاحب الصورة الأكثر شهرة في (سجن أبو غريب) التي تظهره معلقا كشبح ومربوطاً بأسلاك التعذيب بالكهرباء، ويقول إن جروحه النفسية أعمق من الجسدية. وقال: "هناك جروح غائرة بالنفس صعب على الإنسان أن ينساها مهما طال الزمن".
ليس بخاف أن التعذيب الأمريكي في السجون لم يقتصر على (أبو غريب) بل مورس في الفلوجة والرمادي والكاظمية وتكريت والموصل والبصرة، وغيرها من مدن العراق الأخرى، فما الذي حصل لفرق التعذيب في تلك السجون؟ من العجب العجاب أن التفاتة العدالة الأمريكية اقتصرت على (سجن أبو غريب) فقط، ومع ذلك كان التفاتة منقوصة.