هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد رئيس حركة "النهضة" التونسية الشيخ راشد الغنوشي، أن نجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس مصلحة أوروبية كما هو مصلحة تونسية.
وأوضح الغنوشي في كلمة ألقاها خلال ندوة مغلقة أقيمت له خصيصا أثناء زيارته الأسبوع الماضي إلى العاصمة الفرنسية باريس، في المؤسسة الفرنسية للعلاقات الخارجية، وأدارها الدكتور جيل كيبال، المتخصص في حركات الإسلام السياسي، وحضرها عدد من المفكرين والمهتمين الفرنسيين بتجربة الإسلام السياسي، أن حركة "النهضة" كانت طرفا أساسيا في نجاح التجربة الديمقراطية في تونس، وفي أمن واستقرار البلاد.
وأشار الغنوشي، إلى أن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس تواجه تحديات ضخمة، في الملفين الاقتصادي والأمني، لا سيما لجهة استمرار الاقتتال بين الفرقاء في ليبيا.
وكشفت مصادر مطلعة تحدثت لـ "عربي21" وطلبت الاحتفاظ باسمها، أن ندوة باريس، لم تكن إلا مدخلا لحوارات مرتقبة سيجريها الدكتور جيل كيبال مع الشيخ راشد الغنوشي تركز على تثبيت مواقف النهضة تجاه عدد من القضايا السياسية والفكرية الحساسة.
وفيما يلي تنشر "عربي21" النص الكامل لمحاضرة الشيخ راشد الغنوشي في المؤسسة الفرنسية للعلاقات الخارجية والتي كانت في ندوة تحت عنوان "الوضع التونسي في محيط مضطرب".
إقرأ أيضا: الغنوشي يدعو فرنسا إلى الاستثمار في الديمقراطية التونسية
وتناول هذا اللقاء عددا من القضايا التي تهم تجربة الإنتقال الديمقراطي في تونس. وقد دار حوار مع الحاضرين من خبراء ومختصين حول مواقف حركة "النهضة" من الأوضاع الراهنة في البلاد والمنطقة والتطورات التي تشهدها الحركة ورؤيتها للمستقبل.
نص كلمة الشيخ راشد الغنوشي:
تحديات التجربة الديمقراطية في تونس
باريس في 15 أيار (مايو) 2019
إسمحوا لي في البدء أن أشكر لكم الدعوة الكريمة. ويشرفني أن أتوجّه إليكم اليوم في هذه المؤسسة العريقة لكي أحدّثكم عن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس والتحديات التي تواجهها.
تتقاسم بلادنا تونس وفرنسا تاريخا مشتركا طويلا نسجنا خلاله علاقة تقدير واحترام عميقين بين الشعبين, وعلى خطى الثورة الفرنسية، منحتنا الثورة التونسية نفس التطلعات وهي الحريّة لكل فرد والعدالة للجميع والأخوّة بين المواطنين.
ورغم التحديات التي واجهت تونس خلال السنوات الثمان الماضية, فإن التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي تعتبر ناجحة إلى حدّ الآن.
ومظاهر النجاح، عديدة من أهمها ومن أكثرها دلالة:
1 ـ المصادقة على دستور تقدمي، ديمقراطي، توافقي، وحداثي يحترم هوية الشعب، نابع من رؤية استشرافية لتونس في المستقبل يحفظ حقوق التونسيين وحرياتهم ويؤسس لدولة القانون والمواطنة والمساواة.
2 ـ تشكيل مؤسسات وهيئات دستورية مستقلة مثل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة مكافحة الفساد وهيئة مكافحة التعذيب، وغيرها من الهيئات.
3 ـ سنّ جيل جديد من التشريعات والقوانين على أرضية الدستور الجديد عزّزت حقوق التونسيات والتونسيين وحرياتهم مثل حرية التنظّم في جمعيات وأحزاب وحرية التعبير وحرية الاعلام واستقلاليته وقوانين تجرم العنف ضد المرأة وقوانين ضد التمييز العنصري، وغيرها.
4 ـ تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 ثم الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014 والانتخابات المحلية في أيار (مايو) 2018 والبلاد تستعد الآن لتنظيم تشريعيات ورئاسيات سنة 2019.
5 ـ تركيز الحكم المحلي بانتخاب أكثر من 7000 عضو مجلس بلدي جديد في إطار تنزيل الباب السابع من الدستور وتعزيز اللامركزية والديمقراطية التشاركية والشعبية.
هذا النجاح لم يكن صدفة ولكن كان نتيجة لخيارات تم اتباعها من قبل الفاعلين السياسيين التونسيين وفي مقدمتهم النهضة.
هذه الخيارات هي أساسا:
1 ـ اعتماد مبدأ التوافق كأساس لمعالجة الخلافات السياسية. التوافق سياسة عليا انتهجتها الحركة ولا تزال:
ـ بدأناه منذ سنة 2011 (شكلنا حكومة مع حزبين علمانيين).
ـ ثم عزّزناه بدخول النهضة في الحوار الوطني سنة 2013 ثم بالتوافق مع رئيس الدولة السيد الباجي قايد السبسي وحزبه نداء تونس.
ـ وما زلنا متمسكين بسياسة التوافق وحريصين على تثبيتها لتشمل كل فضاءات الشأن العام وتوسيعها لتتّسع للجميع، إسلاميين وعلمانيين وقديم وجديد، بديلا عن منطق الإقصاء والاستقطاب الذي ساد في تجارب مماثلة فتعثرت.
2 ـ احترام الدستور والعمل به باعتباره الخيمة التي تجمع العائلة التونسية الواسعة على اختلافها وتنوعها وباعتباره الضامن لحقوق التونسيات والتونسيين في حياة مواطنية كريمة في بيئة ديمقراطية حرّة وفي دولة وفي مجتمع يقومان على الحرية والحقوق والمساواة.
3 ـ الواقعية السياسية لأهمّ النخب التونسية التي عرفت كيف تدير خلافاتها تحت قبة البرلمان وفي الفضاء السياسي العام بديمقراطية توافقية حافظت على الحدّ الأدنى لتواصل العملية السياسية ومنعت التوقف أوالانهيار.
4 ـ الحفاظ على الدولة والإدارة وبقاء المؤسسة العسكرية على حيادها وإصلاح المنظومة الأمنية لتتحوّل إلى أمن جمهوري يحمي النظام العام كما يحمي كرامة التونسيين وحقوقهم وحرياتهم.
5 ـ العدالة الانتقالية:
نحن ملتزمون بهذا المسار ونأمل أن يتمّ استكماله لتحقيق كلّ المطلوب من العدالة الانتقالية، وذلك يتضمن الاعتراف والاعتذار وجبر الضرر حتى نطوي نهائيا صفحة الأحقاد ونتجه جميعا إلى مصالحة وطنية شاملة بعيدا عن الثأر والانتقام.
6 ـ التواصل مع القديم بدل القطيعة معه.
مثلما يحتوي الإرث القديم على صفحات سوداء وجب طيّها ومعالجة تداعياتها وتجاوزها، فإنه يحتوي على مكاسب هامة وجب تثمينها بالمحافظة عليها وتطويرها، ومثلما يوجد من بقي متعلقا بمنظومة ما قبل الثورة، منظومة الفساد والاستبداد، هناك من تجاوز ذلك وقبل الانخراط في منظومة الثورة والعمل على أرضية دستورها ونظامها السياسي.
7 ـ مساهمة الحركة الفعالة في المحافظة على الإستقرار الحكومي منذ 2015 حرصا منا على سلامة المسار الانتقالي وقدرة المؤسسات على إحداث الاصلاحات الكبرى والمضي بالبلاد قدما نحو انجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية في نهاية 2019 بعيدا عن الحسابات الحزبية والتجاذبات المهددة للمسار. ونحن في هذا الصدد بصدد تقييم مشاركتنا الحكومية وسنبني قراراتنا على ضوء هذا التقييم بما يحقق مصلحة بلادنا ويحفظ مسار انتقالها الديمقراطي.
ثالثا: التحديات التي تواجه الانتقال الديمقراطي في تونس
1 ـ تحدي الانتقال الاقتصادي والاجتماعي:
لقد ركزنا خلال السنوات الماضية على البناء السياسي للنظام الديمقراطي ولكن لا بد للديمقراطية أن تنتج الثروة وأن تحسن توزيعها بشكل عادل. وإذا لم تتمكن الديمقراطية من إنتاج الثروة وصنع مواطن الشغل للشباب خاصة، فإنها ستفشل في تحقيق الاستقرار. ونحن نعول على الحكومة الحالية والقادمة لاتخاذ الإصلاحات الاقتصادية الكبرى والضرورية والتي يجب أن تحفز الاستثمار الداخلي، وتجلب الإستثمار الأجنبي حتى نتمكن من تحقيق نسبة نمو تحقق ما يطمح إليه شباب وشابات تونس في الحياة الكريمة في جميع أرجاء تونس خاصة في المناطق الداخلية التي همشتها دولة الاستقلال خلال الستين سنة الماضية.
2 ـ تحدي الإرهاب:
قدمت الدولة كثيرا في محاربة الإرهاب والقضاء عليه بفضل جهود وحدات جيشنا الوطني وأسلاكنا الأمنية المختلفة ضمن استراتيجية وطنية نجحت في تشريك التونسيين في مقاومة هذه الآفة.
ومع ذلك لا يزال خطر الإرهاب قائما، وخاصة من جهة الجوار الليبي نتيجة الفوضى وانعدام الاستقرار في هذا البلد الشقيق.
رابعا: المطلوب
1 ـ دعم الحوار بين الأطراف الليبية لبناء توافقات تعيد للدولة مكانتها وللعملية السياسية دورها وللأوضاع وخاصة الأمنية استقرارها.
2 ـ التعاون مع أصدقاء تونس وخاصة فرنسا في مواجهة هذا التحدي لأن هذه الظاهرة عالمية وتهدد الجميع.
خامسا: الآفاق
1 ـ تونس ماضية إلى الانتخابات الرابعة في نهاية السنة الجارية (2019)، ولا خيار للبلاد إلا بإجراء هذه الانتخابات لترسيخ الديمقراطية والوصول بالتجربة إلى نقطة اللاعودة. هذه المحطة محفوفة بالتحديات والمخاطر خاصة بسبب مخاوف تقسيم المجتمع على أساس إيديولوجي وبسبب مخاوف من استخدام أجهزة الدولة في هذه المنافسة.
2 ـ الانتخابات المقبلة تمثّل حلاّ للكثير من المشكلات وأفقا لمعالجة الصعوبات التي واجهتها البلاد في الفترة الأخيرة.
3 ـ وبقدر حرصنا على نجاح حزبنا في الانتخابات القادمة فإننا حريصون كذلك على استمرار نهج التوافق والشراكة في إدارة الحكم بما يعزز قدرة الدولة على رفع التحديات وإحداث الإصلاحات الكبرى ولا سيما في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
4 ـ ونؤكد هنا قناعتنا بعمق العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين بلدنا وبين أوروبا وخاصة فرنسا في إطار إيماننا بارتباط القيم والمصالح المشتركة وعراقة الثقافة المتوسطية وخدمة الأمن والسلم ورفاه دولنا في إطار الإحترام المتبادل والسيادة الوطنية. ونعتبر نجاح التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي والازدهار الاقتصادي ليس فقط مصلحة تونسية فحسب وإنما مصلحة أوروبية كذلك.
أخيرا، نقول:
1 ـ نجاح التجربة التونسية لم يكن عفويّا ولا مفاجئا لمن واكب بدايات مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.
2 ـ حركة النهضة ساهمت في هذا النجاح من خلال تمسّكها بالوفاق الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية والحوار والتوافق والتواصل مع القديم والسعي إلى طي صفحة الماضي وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.
3 ـ تونس لا تزال في حاجة إلى التوافق وخاصة بين الإسلام الديمقراطي وبين تيارات الحداثة المعتدلة.
4 ـ التجربة التونسية نجحت وأنجزت ومسارها يقترب من الاستكمال والوصول إلى نقطة اللاعودة.
5 ـ تونس المستقبل هي تونس الحرية والديمقراطية والتنمية والكرامة بإذن الله.
إقرأ أيضا: الغنوشي في باريس: بين الدبلوماسية الشعبية والتأويلات السياسية