هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.
لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.
يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.
في الجزء الثاني من قراءته لتجربة الحركة الإسلامية في السودان، يعرض الكاتب والإعلامي السوداني الدكتور خالد التيجاني، تحولات الإسلاميين السودانيين في عهدي نميري والصادق المهدي وصولا إلى وصولهم إلى السلطة عبر انقلاب عسكري منتصف عام 1989.
إسلاميو السودان.. قصة الصعود في عهدي نميري والمهدي
دخلت الحركة الإسلامية في مرحلة آخرى من التحالفات السياسية في النصف الأول من السبعينيات من خلال تشكيل الجبهة الوطنية المعارضة لمقاومة نظام نميري العسكري، والتي ضمت إلى جانبها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، والحزب الأتحادي الديمقراطي بزعامة الشريف حسين الهندي، والتي وجدت دعماً من إثيوبيا والسعودية وليبيا التي استضافت معسكرات تدريب عسكري لعناصر الجبهة المعارضة التي قادت بمحاولة انقلاب عسكري في 2 تموز/يوليو 1976، في ما عُرف في إعلام نظام نميري، الذي استرد سيطرته على السلطة، بـ "حركة المرتزقة"، وكذلك عُرفت بـ"الغزو الليبي".
مصالحة نميري والمهدي
ولم يمض عام على تلك المحاولة للإطاحة بنميري حتى تمت مصالحة وطنية في تموز/يوليو 1977 بلقاء بين الرئيس نميري والصادق المهدي رئيس الجبهة الوطنية المعارضة، وفي ظل تباين في المواقف بين أطراف الجبهة المعارضة قررت الحركة الإسلامية القبول بالمصالحة وفق شرط وحيد يضمن لها قدرا من الحرية، وانخرطت شريكا في نظام نميري، حيث تولي بعض قادتها مناصب في الإتحاد الإشتراكي الحزب الوحيد الحاكم، وفي البرلمان، وفي الحكومة حيث شغل الترابي عدة مواقع من بينها النائب العام، ومستشار الرئيس للسياسة الخارجية.
كانت الحركة الإسلامية هي الوحيدة من بين شركائها في الجبهة الوطنية المعارضة التي انخرطت بالكامل في المصالحة مع نظام نميري طوال السنوات الثماني التالية، حيث فضّ النميري التحالف من طرفه في آذار/مارس 1985، قبيل ثلاثة أسابيع فقط من سقوط نظامه بانتفاضة شعبية في 6 نيسان/أبريل من ذلك العام، حيث زجّ بقادة الحركة في المعتقلات بمن فيهم مستشاره الترابي بتهمة استمرار نشاط التنظيم السري، وفي حين خرج المهدي من المصالحة مبكراً على الرغم من أنه كان مبتدرها، ورفض الحزب الإتحادي بزعامة الهندي الاشتراك في أي من مراحلها.
استراتيجية التمكين
كانت فترة سنوات المصالحة الثمانية هي الفرصة الذهبية التي اغتنمها الترابي عبر "استراتيجية التمكين" في توسيع عضوية تنظيم الحركة ومضاعفة عضويتها أكثر من عشر مرات، مع انتشار لصفوف الحركة في الجامعات السودانية مكنها من السيطرة على قيادة الإتحادات الطلابية بصورة شبهة كاملة، مع تعزيز نفوذها الإقتصادي والمالي عبر عدد من المصارف الإسلامية التي تزامن تأسيسها مع فترة المصالحة ووجدت فيها الحركة مجالاً واسعاً في تأسيس قاعدة من رجال المال والأعمال، وفرص توظيف كبيرة لعضويتها من خريجي الجامعات، والإنتشار في تبني مبادرات اجتماعية متعددة عبر منظمات شبابية ونسائية ومنظمات إغاثة ودعوية، وقادت مظاهر تنامي نفوذ الحركة الإسلامية اقتصاديا واجتماعياً على إثارة مخاوف نميري الذي سارع في محاولة لسحب البساط من صعود نجم الإسلاميين بإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في أيلول / سبتمبر 1983، دون أن يدع الإسلاميين يشاركون في صياغة القوانين، ولم يجدوا بداً من الانضمام إلى دعم هذا التوجه والإنخراط في محاكم عبر قضاة منتسبين لها في تنفيذ عقوبات حدية على نحو أثار الكثير من الإنتقادات الداخلية والخارجية.
كانت الحركة الإسلامية هي الوحيدة من بين شركائها في الجبهة الوطنية المعارضة التي انخرطت بالكامل في المصالحة مع نظام نميري
اقرأ أيضا: الترابي.. نصف قرن من التقلب على جمر السياسة والفتوى
عقب سقوط نظام نميري في نيسان/أبريل 1985 عادت الحركة الإسلامية إلى طرح فكرة العمل السياسي في إطار تحالف جبهوي مع بعض القوى ذات المرجعية الإسلامية على غرار جبهة الميثاق التي شكلتها عقب ثورة اكتوبر منصف الستينيات، وجاء تأسيس تحالف جديد بعد شهر واحد من سقوط نميري بإسم الجبهة الإسلامية القومية التي كانت الحصان الأسود في الإنتخابات العامة التي أجريت في نيسان / أبريل 1986، حيث قفز نصيب الإسلاميين في البرلمان من بضعة مقاعد في حقبة الستينات لتصبح القوى الثالثة بإحرازها واحداً وخمسين مقعداً، يسبقها الحزب الاتحادي بـ 63 مقعداً، وحزب الأمة بمائة مقعد، فيما لم يحصل الحزب الشيوعي سوى على ثلاثة مقاعد.
كانت حقبة الديمقراطية الثالثة في السودان الفترة التي شهدت إزدهاراً وحضوراً شعبياً بارزاً للحركة الإسلامية السودانية التي قادت معارضة شديدة الفعالية لحكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطياً بين عامي 1986 ـ 1988، لتنضم في أيار / مايو 88 إلى الآئتلاف الحكومي مع حزبي الأمة والإتحادي الديمقراطي، وفي كانون أول (ديسمبر) تحول إلى آئتلاف ثنائي مع حزب الأمة بخروج الحزب الآتحادي ليتولى الترابي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، غير أن هذا التحالف الثنائي لم يدم سوى ثلاثة أشهر، حيث أدت مذكرة من قيادة الجيش إلى رئيس الوزراء في شباط / فبراير 1989 تحتج على ضعف الدعم الحكومي للجيش في مواجهة التقدم الذي تحرزه حركة التمرد الجنوبية بزعامة جون قرنق، وفُهمت مذكرة قيادة الجيش بأنها إنذار للمهدي بإنهاء التحالف الثنائي مع الترابي، وهو ما أدى إلى حل الحكومة وإبعاد الجبهة الإسلامية من الحكم، في خطوة أثارت حفيظة قيادة الحركة الإسلامية التي أحست بالاستهداف خاصة بعد تشكيل حكومة جديدة أعادت إلى الواجهة قوى يسارية شاركت فيها دون أن يكون لها تفويض شعبي.
اقرأ أيضا: إسلاميو السودان نموذج للفصل بين الدعوي والسياسي (3-1)