هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الحقيقة أن هذا مضحك بشدة، لن تستطيع منع نفسك من الابتسام مهما كانت مشاغلك وأنت تتصفح موقعاً إخبارياً انقلابياً يعرض صور السيسي وهو يتفقد أحد مشروعاته التي ما تلبث أن تختفي حتى تظهر مشروعات جديدة.
هذه المواقع توفر مصدراً كوميديا لا ينضب، أن تتصفح تلك الدعاية الناصرية في العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين، فهذا أمر مذهل دون شك، من اللطيف أن ترقب هذه المحاولات لاصطناع إنجاز ما باستخدام مزيج من التكتيكات الناصرية المباركية.
النظرة إلى المستقبل كانت وضع التصوير المحبب لدى المخلوع مبارك والسيسي يستنسخه بلا أي إبداع.
ليست المرة الأولى التي تلتقط له فيها الكاميرا صورة مباركية الطابع. هذا بالإضافة إلى تلك الصورة التي يضغط فيها زراً ما، والتي تذكرك بصورة عبد الناصر وخروشوف وهما يضغطان زراً ما ليعلنا تدشين مشروع السد العالي.
السيسي، والحق يُقال لم يكتف بتلك اللمسات الناصرية المباركية، بل وضع لمساته الخاصة، حيث حرص التقرير المصور على إبراز مشهد لم يستغرق ثانيتين له وهو يدخل مسجداً ما وقد خلع حذاءه للإيحاء بالخشوع.
ناهيك عن تلك اللقطات التقليدية لعربات نقل تقف متراصة للإيحاء بالإنتاج والكاميرا تتحرك فوق سيارة سريعة تعرض مشاهد تستمر عدة ثوان ثم تتوقف لتقطع على مشهد آخر، ثم تلك النظرات المباركية التي تتظاهر باستشراف المستقبل والتأمل والتخطيط للأجيال القادمة، والتي تذكرك بمشروع توشكى الذي دشنه المخلوع والذي انتهى إلى لا شيء.
اللطيف هو أنك إن انتقلت من تلك الصورة الملتقطة من اليسار للسيسي وهو يتأمل، إلى الصورة الملتقطة له وهو يتأمل ولكن من اليمين هذه المرة، فسترى حدود تلك المساحة التي كان ينظر إليها وسيبدو لك الأمر كأنك تشاهد مجمع مولات تجارية يمكن أن يشرف على بنائه رجل أعمال أو شركة ما. لكن دعك من هذا واقرأ التقرير المكتوب الموزع على صحف الانقلاب والذي يتحدث عن مجتمع تنموي حضاري !!!
طبعا حين تصل إلى ذلك الجزء في التقرير، الذي يتحدث عن (النقلة النوعية) ستتعجب كيف توجد مشروعات (تنتقل نوعياً) في تلك البيئة التي تحقق انهياراً اقتصادياً يومياً والتي لا تتوقف الشركات العالمية عن تركها؟
ما هي نوعية المشروعات التي (تنتقل نوعياً) في بلد تنقل فيه كل القنوات مراسم احتفال يجلس فيه وزير الدفاع المنقلب ومعه كل الشخصيات العامة الانقلابية متظاهرين بالجد وهم يستمعون لشرح من شخص يرتدي زياً عسكرياً ويحدث الناس عن جهاز يعالج الإيدز ويسحبه من المريض ويعطيه بدلاً منه (صباع كفتة) ليتضح بعد ذلك أن اللواء الذي ظهر ليحدث الملايين مجرد معالج بالأعشاب؟
كيف يمكن للناس أن تثق في وجود مشروعات أصلاً في بلد يتساقط اقتصاده وتنهار عملته وترتفع فيه الأسعار كل دقيقة؟
ستتذكر على الفور وأنت تتصفح صور السيسي ومشروعاته الوهمية عدداً من الصور والمانشيتات؛ عبد الناصر وهو يرتدي معطفاً أبيض وينظر في منظار ما في أنشاص ليدشن العصر النووي المصري.
مانشيتات العصر الناصري عن تدشين وكالة فضاء مصرية. لم يتغير شيء. هي هي نفس الدعاية منذ عصر عبد الناصر إلى الآن. لا شيء تغير. نفس الوعود ونفس الصور ونفس التقارير المصورة ونفس الوعود بالرخاء ونفس اللقطات الحالمة المتسشرفة التي تنظر إلى المستقبل.
لقد تطورت مصر على صفحات الجرائد وانتقلت عشرات المرات إلى مصاف الدول العظمى، لقد دشن العسكر وكالة فضاء أكثر من مرة واكتشفوا مئات من حقول البترول وبنوا عشرات المدن ودشنوا مئات المشاريع التي انتقلت نوعياً وحققوا الرخاء للشعب عشرات المرات واستشرفوا المستقبل آلاف المرات دون أي مستقبل.
نفس الكلمات كل مرة، في الستينيات في عصر عبد الناصر كنت ستطرب لتلك النغمات المتصاعدة من اذاعة صوت العرب (يا صحرا المهندس جاي.. يرويكي بعيون المَيّ.. المهندس جاي). ثم إذا تقدم بك العمر إلى عصر السادات، ستسمع مجموعة من الناس (طالعين على أرض الفيروز.. الرمل ماس والقلب كنوز.. واخضري يا سينا). ثم انتقل عدة سنوات إلى الأمام، ستسمع أنهم (عايزينها تبقى خضرا.. الأرض اللي في الصحرا ونقدمها لمصر هدية حاجة جميلة ومعتبرة).
ولو ظل العسكر في الحكم، فسوف تخضر عشرات المناطق الأخرى على صفحات الجرائد وستُفتتح مئات المشاريع وستُدشن عدة وكالات فضاء وستنتقل عشرات المناطق نوعياً مثل توشكى.