وكأن ميدان رابعة العدوية انتقل إلى تلك البلدة البعيدة في نيوزلندا، وكأن محيط مسجد النور لم يتجاوز العام 2013 عند الحرس الجمهوري في مصر، حيث يصلي المعتصمون الفجر، بينما فتحت قوات الجيش والشرطة النار على ظهورهم. هذه رابعة جديدة تتكرر بتفاصيلها ولكن في نيوزلندا هذه المرة.
جرأة على سفك الدماء
نفس مشاعري لم تتبدل، نفس الصدمة التي شعرت بها ونفس إحساس عدم التصديق، وأنا أتلقى أنباء مجزرة رابعة، نفس الذهول الذي انتابني وأنا أنظر للمرة الأولى في حياتي منذ 6 سنوات تقريبا إلى مشاهد يطلق فيها الجيش والشرطة النار على المصلين في مجزرة الحرس الجمهوري. نفس الدهشة وعدم القدرة على الفهم.
لم يكن مرتكب الحادث الإرهابي في نيوزيلندا هو وحده من حمل هذا الغل تجاه المسلمين، بل سبقه السيسي الذي لا يترك مناسبة إلا وانتقص فيها من المسلمين
هل هذه الدرجات من الوحشية متاحة لدى البشر حقاً أم أننا في كابوس وسرعان ما نصحو منه؟ هل يمكن للبعض أن يصلوا إلى هذه الدرجة من الجرأة على سفك الدماء؟ لقد شعرت وأنا أشاهد في ذهول، مقطع البث المباشر الذي يتحدث فيه مرتكب الحادث الإرهابي عن جريمته بأن الزمن عاد بنا إلى شهر آب (أغسطس) 2013.
أن يمسك أحدهم ببندقية ويتحرك بكل هذا الغل ويدخل بيتا من بيوت الله ويصوب سلاحه إلى ظهور مصلين لا يشعرون به، فهذا قدر من الوحشية، يتحدى قدرتي على التخيل.
من المؤكد أن مشاعر القاتل لم تختلف كثيرا عن مشاعر من ارتكبوا مجزرة رابعة، في الحالتين كانوا يصوبون سلاحهم إلى ظهور بشر لم يعرفوهم.
هذه أمور مازالت قادرة على جعلي أشعر بالذهول، وكلما ظننت أن حدثا ما من تلك المجازر الدامية التي تشهدها بلادنا، قد بلغ الذروة في دمويته، فاجأني حدث جديد يتفوق على سابقه في وحشيته.
أن يمسك احدهم ببندقية ويتحرك بكل هذا الغل ويدخل بيتا من بيوت الله ويصوب سلاحه إلى ظهور مصلين لا يشعرون به، فهذا قدر من الوحشية، يتحدى قدرتي على التخيل.
لا أفهم شعور من ارتكبوا مجزرة رابعة وكيف طاب لهم بعدها أن يتناولوا غداءهم أو عشاءهم كما لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لطيار من طياري بشار، أن يطير بطائرة محملة بالبراميل المتفجرة ليلقيها فوق منزل ينام فيه أطفال ثم يعود إلى منزله ليقضي وقتا مع أطفاله.
لم يكن
مرتكب الحادث الإرهابي هو وحده من حمل هذا الغل تجاه المسلمين، بل سبقه السيسي الذي لا يترك مناسبة إلا وانتقص فيها من المسلمين وزعم فيها أن 1.6 مليار مسلم يهددون العالم. سبقه بشار في سوريا بمجازر الغوطة وحلب ودير الزور وغيرها. ولا شك أن مرتكب حادث نيوزلندا لو نظر إلى أداء السيسي في مجازر رابعة والنهضة وما قبلها وما بعدها وقدرته على سفك الدماء وإلى ما ارتكبه بشار في سوريا منذ ثمان سنوات وحتى الآن، لأدرك أنه ما زال صغيرا يحبو وأنه مجرد سيسي صغير لم يتخرج بعد.
كتب أحدهم معلقا على تدوينة كتبتها على صفحتي العامة أقدم فيها العزاء لشهداء المجزرة، يستنكر ترك الناس لبلادهم. والحقيقة أنهم تركوا بلادهم بحثا عن حياة كريمة في بلاد لا تلقي بالمرضى فيها من المستشفيات إلى الشوارع، هؤلاء بحثوا عن بلاد لا يرون فيها السيسي على الشاشات يحدثهم عن نظرياته الاقتصادية بعد انقلاب عسكري تلته مجازر استشهد فيها الآلاف، هؤلاء تركوا بلادهم لكي لا يروا دخانا يتصاعد من محيط مكان ما في بلادهم المنكوبة حاملا معه أنباء مجزرة جديدة وأسماء شهداء جدد.