احتدم خلال الساعات الماضية جدل ساخن بين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام
جنينة، وإعلاميون مقربون من رئيس
الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، على خلفية قرار بقانون أصدره السبت، وينص على "إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم حال عدد من الحالات".
فقد أكد جنينة أنه غير قابل للعزل، فيما كشف عدد من هؤلاء الإعلاميين أن المقصود بقرار السيسي هو عزل جنينة بالفعل، فيما أكد خبراء وفقهاء قانون أنه لا يحق للسيسي عزل جنينة.
وينص القرار الذي نشرته الجريدة الرسمية
المصرية، منسوبا للسيسي، أنه "يجوز للرئيس إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، إذا توفرت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، وإذا فقد الثقة والاعتبار، وإذا أخل بواجبات وظيفته، بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد، أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة".
وكشف بيان لحزب "إحنا الشعب"، القريب من الحكومة، وجود توجه لدى السيسي بإعفاء جنينه من منصبه.
ومنذ تنصيبه نفسه رئيسا للبلاد، لم يقابل السيسي جنينة، كما لم يوجه له أي دعوات رسمية للقاء في أي مناسبة.
جنينة: أنا غير قابل للعزل
من جهته قال المستشار جنينة: "أنا غير قابل للعزل، والقانون لا يشملني".
وأضاف في تصريحات لصحيفة "الوفد"، الأحد: "كل شيء مقدر ومكتوب، لكنني غير قابل للعزل، ولا يحق للرئيس إعفائي من منصبي".
وأوضح أن قانون الجهاز، ينص على أن يصدر بتعيين رئيس الجهاز قرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة متضمنا معاملة المالية، ولا يجوز إعفاؤه من منصبه، ويكون قبول استقالته بقرار من رئيس الجمهورية، وتسري في شأن اتهام ومحاكمة رئيس الجهاز القواعد المقررة فى قانون محاكمة الوزراء".
وشدد على أن القانون الصادر أمس لا يتضمن إلغاء قانون الجهاز، وبالتالى فالقانون سار، قائلا: "لا يحق إعفائي من منصبي وفق القانون".
وتعجب جنينة، من الهجوم الشرس عليه، والمحاولات المستمرة والمستميتة لإعفائه من منصبه قائلا:" أنا ملتزم بالقانون والدستور، وربنا مقدر لي أن أكون فى وقت معين، وأمشي فى وقت معين".
إعلاميو السيسي يؤكدون العزل
في المقابل، كشف عدد من الإعلاميين المقربين من السيسي، أن المقصود بقراره، عزل جنينة بالفعل.
فقال الإعلامي أحمد موسى إنه بعد إصدار القرار الجمهوري يحق للرئيس عبد الفتاح السيسي، الآن عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، من منصبه.
وأضاف -خلال برنامجه "على مسؤوليتي"، عبر فضائية "صدى البلد"-: "هناك بعض الشخصيات التي عيّنها الجاسوس محمد مرسي، ما زالت في مناصبها حتى الآن، مثل هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي أُثبت أنه كان منتميا لقضاة من أجل مصر".
وزعم موسى أن جنينة أرسل تقارير لقناة الجزيرة، أكثر من مرة، خاصة بالجهاز المركزي للمحاسبات، أي أنه استغل منصبه لمعاداة الدولة، وفق وصفه.
ومن جهته، تساءل الإعلامي وائل الإبراشي عن علاقة القرار بقانون الذي أصدره السيسي بالمستشار هشام جنينة.
وقال -ببرنامج "العاشرة مساء" على قناة "دريم 2"-: "هناك من يغمز ويلمز، أن المستهدف هشام جنينة، هل هو مستهدف لهذه الدرجة"؟.
وتساءل: "هل الخلافات بين جنينة ووزير العدل أحمد الزند، لها علاقة بالتشريع الجديد؟".
وعلق الإعلامي خالد أبو بكر، على القرار في تغريدة نشرها عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "الآن يحق لرئيس الدولة بموجب هذا القرار، عزل هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، إذا لم يكن هذا النص متعارضا مع أي نص قانوني آخر".
قانونيون: لا يحق للسيسي عزل جنينة
لكن عددا من خبراء وفقهاء القانون ذهبوا إلى أنه لا يحق للسيسي عزل جنينة.
فأكد رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشورى الأسبق، شوقي السيد، أن القانون الذي أصدره السيسي بالأمس، لا يحق بموجبه عزل أي قيادي بالأجهزة الرقابية والتشريعية، وإنما يكون إعفاء من المنصب بموجب المخالفات التي نصت عليها المادة 216 من الدستور.
وأضاف أن الثغرة القانونية التي يستطيع الرئيس بموجبها إعفاء هشام جنينة من منصبه هي المادة 216 من الدستور المصري الحالي، لأن آخرها تنص على بعض الحالات التي تتيح له الإعفاء من منصبه، مشيرا إلى أن رؤساء الأجهزة المستقلة لهم قوة القانون التشريعي.
وقال الفقيه القانوني، محمد نور فرحات على صفحته على "فيسبوك": إن السيسي لا يستطيع عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وفق القانون الخاص للجهاز، ونصوص الدستور التي وافق الشعب المصري عليها، مشيرا إلى أن قانون الجهاز خاص، والخاص يقيد العام، وإذا كان الرئيس يرغب في عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فيلزمه تعديل المادة 25 من القانون، التي تنص على عدم قابلية رئيس الجهاز للعزل.
وقال وزير العدل الأسبق، المستشار أحمد مكي، "إذا كان الدستور نص على عدم جواز إقالة رؤساء الجهات الرقابية من مناصبهم، فإن السيسي يكون قد خالف الدستور بإصداره لهذا القانون".
حقوقيون يرفضون
وعلى المستوى الحقوقي، قال رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المحامي الحقوقي، جمال عيد، إن قرار السيسي الذي يعطي الحق لنفسه بموجبه إقالة رؤساء الهيئات الرقابية "يعد انتهاكا لدستور 2014.
وأضاف أن المادة 216 من هذا الدستور تمنع إقالة رؤساء الأجهزة الرقابية دون إدانة جنائية واضحة، مشيرا إلى أن "السيسي بذلك يسير علي نهج الرئيس مرسي عندما أصدر إعلانا دستوريا عارضته جميع القوى السياسية في ذلك الوقت".
وقال المستشار القانوني للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، محمد الحلو، إنه لا يحق لرئيس الجمهورية قبل إتمام الاستحقاق الثالث -يقصد انتخابات مجلس النواب- إعطاء نفسه حق إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم.
أما الناشط الحقوقي أحمد سميح فقال إن السبب الرئيسي وراء هذا القرار هو إعفاء المستشار هشام جنينة من منصه.
وكتب عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": "الدولة هتموت وتطلع المستشار الفاضل هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات".
نشطاء ينتقدون ويسخرون
ومن جهتهم، تداول عدد من نشطاء التواصل الاجتماعي فيديو قديم لوزير العدل، ورئيس نادي القضاة سابقا، أحمد الزند، توعد خلاله رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بعزله من منصبه. إذ قال الزند موجها حديثه لجنينة: "هتتشال من منصبك قريب بإذن الله".
وتداول النشطاء فيديو آخر قديم للمستشار هشام جنينة يقول فيه إنه تعرض لتهديدات ملمحا إلى أنه من تلك التهديدات ربما الحبس أو العزل، كاشفا أنها أتته من الداخلية والنيابة العامة.
وعلق الباحث السياسي، نادر فرجاني، على القرار قائلا: "وليه التعب..التصفية الجسدية أسرع وأفتك".
وكتبت الناشطة غادة نجيب عبر "فيسبوك": "قانون يتيح للسيسي عزل أعضاء الهيئات المستقلة.. وخد بالك من المستقلة اللي بقت بسبب القانون مش مستقلة، القانون معمول خصوصي لعزل هشام جنينة اللي فاضحهم بتقاريره".
مناهضون للانقلاب: قرار طبيعي
من جانبهم، حذر سياسيون ونشطاء مناهضون للانقلاب من القرار. حيث قال وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية -في عهد مرسي، محمد محسوب-، في تغريدة بموقع التدوين المصغر "تويتر": "بعد هذا القانون.. مصر تقهقرت 100 سنة.. بلا هيئات مستقلة أوجهات رقابية أمست بيد شخص واحد فشل بكل شيء سوى تدمير معالم الدولة".
وكتب المتحدث الرسمي باسم حركة "قضاة من أجل مصر"، المستشار "وليد شرابي" على موقع "فيسبوك": "العديد من نصوص الدستور والقانون تناولت القوات المسلحة باعتبارها مؤسسة مستقلة، وإصدار السيسي لقانون ينص على حقه في عزل رؤساء المؤسسات المستقلة والرقابية يعني أن هناك تهديدا حقيقيا للفريق صدقي صبحي في منصبه وزيرا للدفاع".
وجه الروائي يوسف زيدان، انتقادا لقرار السيسي. وقال في تدوينة بحسابه بموقع "فيسبوك": "الإشارة بعد الأخيرة صريحة: إذا مس الرئيس السيسي، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، فسوف يسرع ذلك بسقوطنا جميعا في الهاوية التي لا قرار لها، و لا خروج منها".
لماذا جنينة هو المستهدف؟
بعد صدور قرار السيسي، اتجهت الأنظار إلى رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، باعتباره أبرز المرشحين لصدور قرار بإعفائه من منصبه، لا سيما في ظل علاقته المتوترة بالمستشار أحمد الزند وزير العدل.
وكانت اتهامات سابقة وجهت إلى جنينة بالانتماء إلى "الإخوان المسلمين"، والتوقيع على وثيقة لمجموعة من القضاة ضد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وهو ما نفاه بشدة، إلا أن ذلك لم يوقف الاتهامات ضده، خاصة بعد مطالبته بإخضاع نادي القضاة لرقابة الجهاز، ورفض وزارة الداخلية رقابته على أموالها، وفتحه ملفات الفساد المتورط فيها الزند، والنائب العام الأسبق عبد المجيد محمود، فضلا عن الكشف عن الفساد في جهات سيادية أخرى.
ويؤاخذ مراقبون على القرار الذي أصدره السيسي، أيضا، أنه لم يشترط صدور حكم قضائي أو إجراء تحقيقات بهذا الشأن، بل ترك لرئيس الجمهورية سلطة تقييم الدلائل المعروضة عليه لتورط رؤساء هذه الجهات، من أجل إصدار قراره بعزلها.
وأشاروا إلى أن القرار بقانون يطال أيضا شيخ الأزهر، والنائب العام، ومحافظ البنك المركزي، ورئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، ورئيس الرقابة الإدارية، ورئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ورئيس المحكمة الدستورية العليا.
يُذكر أنه تم تعيين جنينة بقرار من الرئيس محمد مرسي، في عام 2012.