صوّت
مجلس الأمن الدولي، الاثنين، بأغلبية 13 صوتا مقابل امتناع روسيا والصين على القرار رقم 2803، الذي يفرض على قطاع
غزة إطارا انتقاليا جديدا تحت مسمى "مجلس السلام" بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب شخصيا.
وأعلن ترامب عبر منصات التواصل الاجتماعي: "تهانينا للعالم على التصويت المذهل لمجلس الأمن الدولي، الذي يعترف ويؤيد مجلس السلام، الذي سأترأسه، ويضم أقوى وأكثر القادة احتراما في جميع أنحاء العالم".
من جانبه، قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في جلسة التصويت إن القرار "يذكر بالممارسات الاستعمارية وعصبة الأمم والانتداب البريطاني على فلسطين، عندما لم يؤخذ رأي الفلسطينيين أنفسهم بعين الاعتبار".
وأضاف نيبينزيا: "القرار يفتقر إلى أي وضوح حول الأطر الزمنية لنقل السيطرة على غزة إلى السلطة الفلسطينية، وأي يقين يحيط بمجلس السلام والقوة الدولية، التي وفقا لنص القرار، يمكن أن تعمل بشكل مستقل تماما، دون أي اعتبار لموقف أو رأي رام الله".
أهداف القوة الدولية.. ونزع سلاح المقاومة
يضع القرار 2803 في جوهره آلية عسكرية واضحة تقوم على إنشاء قوة استقرار دولية تتولى مهمة نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية
حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى.
وأوضح السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة مايك والتز، في كلمته عقب التصويت، أن هذه القوة ستعمل جنبا إلى جنب مع قوات الأمن
الإسرائيلية لتثبيت الوضع الأمني في غزة، ودعم عملية نزع السلاح، وتفكيك البنية التحتية لحماس، ووقف تشغيل الأسلحة، مع الحفاظ على سلامة المدنيين الفلسطينيين.
تشير المهمة الموكلة للقوة الدولية بوضوح إلى أهدافها الفعلية، فقد كشفت وثيقة بحثية صادرة عن معهد الدراسات الأمنية القومية الإسرائيلي (INSS) مطلع الشهر الجاري، عن طبيعة الدور المتوقع لهذه القوة، موضحة أن "من منظور إسرائيل، يجب أن تمنح القوة الدولية صلاحيات تنفيذية تتيح لها ضمان نزع سلاح حماس والفصائل المسلحة الأخرى، بما ينسجم مع خطة ترامب لنزع السلاح في القطاع".
وأضافت الوثيقة أن "الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل، والمتمثلة في إنهاء حكم حماس في غزة وتدمير قدراتها العسكرية وقدرات الفصائل الأخرى، تبقى قائمة حتى بعد انتهاء الحرب، وبالتالي تعتبر إسرائيل أن نزع سلاح هذه التنظيمات ومنع إعادة تسليحها يشكلان أهدافا مركزية".
التناقض.. السلام عبر النزع القسري للسلاح
ينص القرار على أنه خطوة باتجاه "سلام اكثر استدامة"، لكنه في الواقع يشترط نزع سلاح المقاومة الفلسطينية كمدخل لاي تقدم، وهو الهدف الإسرائيلي الأساسي الذي عجزت تل أبيب عن تحقيقه عسكريا رغم حرب تجاوزت عامين.
أفادت صحيفة واشنطن بوست في تحليلها أن "القرار الذي ترعاه الولايات المتحدة يكرّس الخطة الكاملة في القانون الدولي، ويؤسس لمجلس سلام غامض التعريف، يترأسه ترامب".
بالمقابل، رفضت حماس والفصائل الفلسطينية القرار بشكل قاطع، حيث نقلت وكالة الأناضول عن بيان مشترك للفصائل الفلسطينية رفضها قائلة "أي بند يتضمن نزع السلاح في غزة أو أي تعد على حق الشعب الفلسطيني المعترف به دوليا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف البيان أن "أي نقاش يتعلق بالسلاح يجب أن يبقى مسألة وطنية بحتة مرتبطة بعملية سياسية تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية".
ونقلت وكالة رويترز عن حماس قولها إن القرار يفرض "وصاية دولية" على غزة، كما حذرت الفصائل من أن "أي وجود عسكري أجنبي أو وصاية أو قواعد دولية داخل غزة" يمثل "اعتداء مباشراً على السيادة الفلسطينية".
مجلس السلام.. برئاسة ترامب بعد اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل
يعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئاسة "مجلس السلام" أحد أبرز المواضيع جدلا المرتبطة بالقرار، نظرا لدوره السابق في ملفات حساسة مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وطرح "صفقة القرن" التي رفضها الفلسطينيون بالكامل.
وأكد السفير الأمريكي مايك والتز هذا التوجه قائلا إن "مجلس السلام، الذي سيقوده الرئيس ترامب، يظل حجر الزاوية في جهودنا".
ومن جانبه، وصف السفير الصيني لدى الأمم المتحدة فو كونغ القرار بأنه "غامض وغير واضح في العديد من العناصر الحاسمة"، وقال: "مسودة القرار تحدد ترتيبات حكم ما بعد الحرب لغزة، لكن يبدو أن فلسطين بالكاد مرئية فيها، والسيادة الفلسطينية والملكية الفلسطينية لا تنعكس بشكل كامل".
من جانبه، نشر السياسي أسامة رشدي تدوينة على منصة إكس اعتبر فيها أن القرار الأمريكي في مجلس الأمن بشأن غزة «فخ جديد» يهدف لإعادة ترتيب مسار الحرب بما يخدم واشنطن وتل أبيب. وقال إن القرار مكتوب بروح "صهيوأمريكية"، يترك للاحتلال تفسير بنوده، ويعيد إنتاج تجميد الحرب دون إنهائها، ويمهّد لفرض ترتيبات ما بعد الحرب على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك تكريس تقسيم غزة والسيطرة على المعابر تحت غطاء "الرقابة".
وأوضح رشدي أن تنفيذ القرار غير واقعي، فإسرائيل لا تنوي تطبيقه والولايات المتحدة شريك مباشر في الحرب، بينما يفتقر مجلس الأمن لأي أدوات إلزام، مؤكداً أن القرار يرسم ترتيبات حوكمة غزة بلا وجود فعلي للفلسطينيين أو احترام لسيادتهم.
هل يحق لمجلس الأمن فرض إدارة انتقالية؟
يثير القرار تساؤلات قانونية عميقة حول شرعية فرض إدارة انتقالية على شعب تحت الاحتلال. أوضحت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن الفصائل الفلسطينية رفضت المقترح الأمريكي باعتباره "خطيراً" ويشكل "انتهاكاً للسيادة الفلسطينية".
وأكد البيان المشترك للفصائل، بحسب وكالة الأناضول، أن "الإطار العربي الإسلامي لإدارة غزة هو النموذج الأكثر قبولا، وأن أي ترتيبات مستقبلية يجب أن تكون متجذرة في الإرادة الفلسطينية الحرة ووحدة الأرض والشعب والقضية".
وفي سياق متصل، يبدو أن الانسحاب الإسرائيلي، وفق ما ورد، لا يبدو كاملا ولا مضمونا، فقد أوضح موقع Security Council Report في تحليله أن "النص المعدل تضمن صياغة مستندة إلى الخطة الشاملة، تشير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيغادر قطاع غزة وفق معايير ومعالم وجداول زمنية يجري الاتفاق عليها بين الاحتلال والقوة الدولية والضامنين والولايات المتحدة، مع الإبقاء على محيط أمني حتى يُعتبر القطاع آمناً بشكل كاف من أي تهديد إرهابي محتمل".
القوة الدولية.. إندونيسيا وأذربيجان بدلا من تركيا وقطر
ذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن السفير مايك والتز أوضح أن القوة الدولية ستتكون من "تحالف قوي من قوات حفظ السلام، يضم العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل إندونيسيا وأذربيجان وغيرها"، وأنها ستعمل في غزة "تحت قيادة موحدة" بهدف "تأمين شوارع القطاع، والإشراف على عملية نزع السلاح، وحماية المدنيين، ومرافقة المساعدات عبر ممرات آمنة".
وفي سياق الاعتراض الإسرائيلي المتكرر، أشار معهد INSS الإسرائيلي إلى أن "إسرائيل رفضت فكرة نشر قوات تركية أو قطرية داخل قطاع غزة، ما دفع الولايات المتحدة إلى التوجه نحو دول مسلمة أخرى، خصوصا إندونيسيا وأذربيجان".
ولفت المعهد إلى أن "الدول العربية المصنفة معتدلة، والتي شجعت الرئيس ترامب على المضي في إطار إنهاء الحرب ودعم نزع سلاح حماس، لا تزال متحفظة إزاء المشاركة في القوة الدولية".
بينما يشير القرار إلى "سلام مستدام"، لا تزال دولة الاحتلال تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار بشكل يومي. أفادت وسائل إعلام محلية أن "حصيلة الضحايا منذ بدء الهدنة تجاوزت عشرات الشهداء والجرحى"، كما تعاني غزة من أزمة إنسانية غير مسبوقة بسبب الأمطار الغزيرة التي غمرت خيام النازحين.
التمويل والمدة الزمنية
وينص القرار، وفق ما نقلته وكالة الأناضول، على أن "ولاية مجلس السلام والقوة الدولية الممنوحة بموجب هذا القرار ستظل سارية حتى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2027، على أن يخضع تمديدها لإجراء إضافي من المجلس"، كما يشير النص إلى أن أي إعادة تفويض للقوة الدولية يجب أن تتم "بالتعاون والتنسيق الكامل مع مصر وإسرائيل والدول الأعضاء الأخرى".
وأوضحت وكالة الأنباء الصينية أن "القوة الدولية تعمل تحت التوجيه الاستراتيجي لمجلس السلام وسيتم تمويلها من خلال مساهمات طوعية من المانحين وآليات تمويل مجلس السلام والحكومات".
الموقف العربي والإسلامي
وبدوره، قال السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع: "أقر بالجهود التي بذلها الرئيس ترامب في تعزيز السلام في جميع أنحاء العالم لكنه شدد على أن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه دون العدالة للشعب الفلسطيني الذي انتظر عقوداً لإقامة دولته المستقلة".
وأضاف أن "النص حصل على دعم الدول العربية والإسلامية وأن السلطة الفلسطينية على أعلى مستوى رحبت علنا بالمبادرة".
لكن هذا الدعم يبدو مشروطا وحذرا، حيث أشار السفير الروسي نيبينزيا إلى أن روسيا قررت عدم تقديم نسختها الخاصة من مسودة القرار "بسبب الدعم الكبير من الدول العربية والإسلامية".
الدولة الفلسطينية.. وعد بعيد أم خدعة سياسية؟
يشير القرار إلى احتمال تحقيق تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية، لكن ذلك يبقى مرتبطا بشروط غير واضحة.
ووفقا لما أورده موقع "Security Council Report"، فإن النص المعدل "ضم بندا يؤيد دعم تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة"، إلا أن الوصول إلى هذه المرحلة يمر بمسار معقد.
ويوضح الموقع أن الخطة تنص على أن "الهيئة الدولية ستتخلى في نهاية المطاف عن إدارة غزة لصالح سلطة فلسطينية مصلحة، وعندها فقط قد تتوافر الظروف اللازمة لبدء مسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة".
يمثل القرار 2803 محطة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية، وسط تساؤلات حول ما إذا كان يشكل خطوة باتجاه تسوية سياسية جديدة أو بوابة لمرحلة من الوصاية الدولية على قطاع غزة، وما يزال من المبكر تحديد اتجاهه النهائي، غير أن الواضح أن غزة، التي عايشت حصارا طويلا وحربا امتدت لأكثر من عامين، تدخل مرحلة مختلفة تتعلق بمستقبل إدارتها وأمنها وحقوق سكانها، بما في ذلك ضمان قدرتهم على تقرير مصيرهم بعيدا عن الضغوط الخارجية.