قضايا وآراء

حدود وإمكانيات القمة العربية تجاه عربدة إسرائيل

"إسرائيل تعتقد أنها تمر بمرحلة مثالية، نتيجة ميزان القوى الراجح جدا لمصلحتها، مقابل ضعف أدوات الطرف الآخر"- إكس
تنعقد في بداية شهر آذار/ مارس، قمة عربية طارئة، للرد على مخطط تهجير أهل غزّة إلى مصر والأردن وأماكن أخرى، حسب خطة كان قد أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذه الخطة ليست سوى صدى لدعوات المتطرفين الصهاينة في السنوات الأخيرة والداعية إلى تهجير معظم الفلسطينيين من كامل فلسطين التاريخية، بذريعة أن التعايش لم يعد ممكنا بين اليهود والفلسطينيين، وأن حل هذه المشكلة لا يتأتى إلا بإخراج الفلسطينيين صوب الدول العربية، أو أي بلاد أخرى تقبلهم.

ليس سرا أن ترامب تراجع عن خطته، بسبب الرفض العربي والدولي، وربما بسبب موازنته للتكاليف والأرباح، وخروجه بنتيجة ألا جدوى من هذا المشروع، على اعتبار أنه يبني حساباته السياسية على نمط إدارته للمشاريع العقارية، وبالأصل هو تعامل مع المشروع على أساس معطيات جيواقتصادية؛ من نوع طول شاطئ غزة والمساحة الرملية والمساحة الممكن توفرها لصناعة الترفيه الجاذب لنمط معين من النخب الاقتصادية في العالم، لكنه اكتشف أن هذا الأمر يستدعي ربما عشرات الحروب التي تشنها إسرائيل وقد لا تكون النتيجة مضمونة بسبب تمسك أهل غزة بأرضهم.

لكن هل يعني ذلك أن الصفحة طُويت وأصبحت المخاطر خلفنا، سواء الفلسطينيين أو بلاد المشرق العربي عموما؟ الواقع يقول عكس ذلك، إذ يبدو أن إسرائيل وسعت بيكار استهدافها ليشمل كامل منطقة المشرق العربي؛ سوريا ولبنان، بالإضافة إلى الضفة الغربية، وقد تكون هذه التوسعة مرحلية ستتبعها مرحلة لاحقة لن تستثني الأردن ومصر، ذلك أن إسرائيل تعتقد أنها تمر بمرحلة مثالية، نتيجة ميزان القوى الراجح جدا لمصلحتها، مقابل ضعف أدوات الطرف الآخر، سواء المشرق العربي المستهدف، أو بلدان ما خلف المشرق العربي التي لا يرى حكام إسرائيل أن لديهم النيّة على تغيير الوضع في المنطقة، لا سيما أن إسرائيل تحاول بيع العرب وهْم هزيمة الخطر الإيراني والتخطيط للإجهاز عليه في إيران نفسها، وتدمير مشروعها النووي الذي يشكّل مصدر الخطر الأكبر على العالم العربي.

لم يعد سرا أن إسرائيل تتعاطى مع المعطيات الحالية على أنها تشكل فرصة يجب اقتناصها لتغيير البيئة الاستراتيجية في المنطقة، فهي تتحرك في نطاق منطقة مستنزفة عسكريا واقتصاديا ولا تملك أطرافها (سوريا ولبنان والضفة الغربية) القدرات اللازمة للوقوف في وجه القوّة الإسرائيلية، التي تمارس العربدة جهارا نهارا، مستقوية بميزان القوّة الذي يرجح كفّتها في أي حرب، ولا سيما سلاحها الجوي الذي تفتقر جميع الأطراف المستهدفة إلى وجود رادع له أو بديل يستطيع تعويض هذا الفارق.

من الواضح أن إسرائيل ذاهبة صوب بناء مناطق عازلة تحيط بها وتؤمن لها الحماية بعد درس طوفان 7 تشرين الأول/ أكتوبر، على أن يشمل البناء مناطق جنوب لبنان وجنوب سوريا وأجزاء واسعة من الضفة الغربية. ولا تخفي حكومة بنيامين نتنياهو رغبتها في تحويل الجوار إلى دول فاشلة غير مستقرة ومفتتة؛ كجزء من استراتيجيتها القاضية بتحقيق الاستقرار والأمان لإسرائيل عبر السنوات القادمة، مستثمرة الضوء الأخضر الأمريكي لفعل ما تراه مناسبا لتحقيق مصالحها الأمنية مصحوبا بصنبور مفتوح من التمويل والتسليح.

ماذا بإمكان القمة العربية فعله لمواجهة هذه التحديات التي لا تؤثر فقط على فلسطين وسوريا ولبنان، بل ستمتد تداعياتها لتشمل أجزاء واسعة من العالم العربي؟ يمكن للقمة العربية الخروج ببيان يرفض السلوك الإسرائيلي ويدين محاولات تهويد الضفة وتهجير غزة واستباحة لبنان وسوريا، فليس -كما يقول المثل في بلاد الشام- على الكلام جمرك، لكن ذلك لا يساوي وزن رصاصة واحدة تُطلق على إسرائيل، والعرب غير مستعدين لا تلميحا ولا تصريحا لإصدار بيانات ذات حمولات يُشتم منها رائحة بارود أو يُسمع منها هدير أصوات طائرات ومدافع، وعدا عن أن لديهم أولويات مختلفة في هذه المرحلة، فلا يملكون الاستعدادات ولا المحفزات ولا حتى التقييم الذي يدفعهم لمواجهة إسرائيل.

بناء على ذلك، اليوم الذي سيعقب القمة سيكون مثل اليوم الذي سبقها، وستبقى الضفة وجنوب لبنان وجنوب سوريا أرضا مستباحة لطائرات إسرائيل ودباباتها، وهذا الوضع مرشح للاستمرار حتى تتبلور ديناميكيات، يمكن القول إنها بدأت تظهر شيئا فشيئا في سماء المنطقة، بعد أن تجاوزت العربدة الإسرائيلية حدود وإمكانيات القدرة على التحمل والصبر.

كان يجب أن تنعقد القمة العربية في هذه الظروف، حيث لا يمكن الصمت فيما تصرفات إسرائيل العنجهية التي تجعل الحجر ينطق، لكن أيضا، هذه حدود وإمكانيات القمة، كلام ثم كلام ثم مزيد من الكلام، وبعدها ليواجه كل قدره ومصيره.

x.com/ghazidahman1