قضايا وآراء

في أكتوبر.. لم تنتصر غزة ولم تنتصر مصر!!

معظم الأبواق الإعلامية التي راحت تروج ليل نهار لهزيمة غزة، وذكر الخسائر المادية والبشرية، كانت من دول كبرى عربية، مثل: مصر، والسعودية، والإمارات..
منذ سريان الهدنة ووقف الحرب في غزة، بل وقبلها بأيام، منذ نشر أخبار قرب التوصل لاتفاق، والنقاش المحتدم لا ينتهي، حول مسألة واحدة اشتعلت فيها كل وسائل التواصل، وغيرها من الوسائل، وعلى رأسها: القنوات الفضائية، حول: هل انتصرت غزة، أم أنها هزمت شر هزيمة؟!

لا شك أن النقاش اتسم بنوع من بعض التعصب لكل صاحب رأي، ولأتباع الرأي، ولا يقبل المتعصبون أي مساحة للنقاش في الرأي الآخر، خاصة لو انطلق من قواعد منطقية وعقلية سليمة، ولا يتحدث مقالنا هنا عن أصحاب الطرح الذي يتسم بشيء من الوجاهة، سواء كان مع انتصار غزة أو الرأي القائل بعدم انتصار غزة في الحرب.

هناك مساحة لم ينتبه إليها في النقاش، وهي لدى فريق يصر بكل السبل على أن غزة قد هزمت، وشر هزيمة، ولا قيام للمقاومة فيها مرة أخرى، وأن المقاومة قد انتهت في غزة للأبد ولا أمل في رجعتها، ويبدأ في ذكر الخسائر البشرية والسياسية للمقاومة في غزة، وهو كلام يمكن أن يقبل من أصحاب التخصص البحثي المستقل، أو المنهجي، لكن الغريب العجيب أن يصدر ذلك عن أبواق تنطلق فقط من باب التثبيط، ومن باب النكاية ليس إلا، حيث إن المعايير التي يريدون تطبيقها على حرب غزة، لا يجرؤ أحدهم أن يطبقها على بلده في حروبها.

فقد كان من اللافت أن معظم الأبواق الإعلامية التي راحت تروج ليل نهار لهزيمة غزة، وذكر الخسائر المادية والبشرية، كانت من دول كبرى عربية، مثل: مصر، والسعودية، والإمارات، سواء كانت قنوات أو أصوات إعلامية وسياسية تتحدث في هذا المضمار، ولو أنهم اتسموا بأقل قدر من العلمية وراحوا يطبقون هذه المعايير على حروب بلدانهم لخجلوا من مجرد الحديث عن غزة وما جرى فيها.

وقد كان ينبغي أن يكون أول درجات الخجل، أن أدوار هذه الدول الكبرى كان مخجلا للغاية، ليس على مستوى دعم دولة عربية محتلة كفلسطين، وفيها منطقة صغيرة كغزة تحتاج للدعم والنخوة العربية، بل عندما فضحهم به نتنياهو نفسه، حيث أعلن عن شكره لمحور أطلق عليه: محور الخير، حيث صرح نتنياهو منذ عام تقريبا قائلا: (نشكر دول محور الخير السعودية والإمارات ومصر والأردن الذين قدموا لنا المساعدة في الحرب ولن ننسى موقفهم المساند)، والتعليق هنا على هذا التصريح، متروك لكل صاحب نخوة أو دين أو خلق، ليقارن بين حجمي المساعدة للعدو، بينما الخذلان والتواطؤ ضد أهل اللغة والدين والجغرافيا الواحدة، وفي أي كفة من النصر أو الهزيمة يوضع هذا التصرف.

كان من اللافت أن معظم الأبواق الإعلامية التي راحت تروج ليل نهار لهزيمة غزة، وذكر الخسائر المادية والبشرية، كانت من دول كبرى عربية، مثل: مصر، والسعودية، والإمارات، سواء كانت قنوات أو أصوات إعلامية وسياسية تتحدث في هذا المضمار، ولو أنهم اتسموا بأقل قدر من العلمية وراحوا يطبقون هذه المعايير على حروب بلدانهم لخجلوا من مجرد الحديث عن غزة وما جرى فيها.
لو رحنا نطبق معايير الحكم على مقاومة غزة في حرب أكتوبر سنة 2023، وما بين حرب مصر في أكتوبر سنة 1973م، ورغم مرور خمسين عاما بين الحربين، سنجد فروقا هائلة، تحسب لصالح غزة، رغم مكانة مصر الكبرى، فإن أبواق النظام المصري راحت تذكر تدمير غزة، وعدد الشهداء والمصابين، بينما كانت مصر في حربها يقف معها جل العالم العربي، واستخدم البترول العربي، وكانت مصر تواجه إسرائيل وحدها، ولما دخل السلاح الأمريكي قال السادات قولته المشهورة: لا أستطيع مواجهة أمريكا!!

وفي غزة كانت دول العالم الغربي والعربي، سلاحا ومالا وسياسة تقف مع الكيان ضد غزة، فالمقارنة هنا ظالمة ولا يمكن أن تكون إلا لصالح غزة، فهي منطقة صغيرة جدا، وكانت الحرب الدائرة على أرضها المحتلة، وكذلك كانت حربنا كمصريين مع الكيان في سيناء، على أرضنا، ولم نحدث أي نكاية في الكيان الصهيوني، ولا في مناطقه الجغرافية، فكل المعارك في أرضنا (سيناء)، بينما المقاومة وصلت قوتها لقلب الكيان.

لم نحرر سيناء في حرب أكتوبر، فعيد تحرير سيناء في 25 إبريل سنة 1982م، أي بعد الحرب بتسع سنوات، ولم نستلم هذه الأرض إلا بموجب معاهدة كامب ديفيد التي جردت مصر من أهم أسلحتها، وجعلت مساحة غير قليلة من أرض سيناء منزوعة السلاح، وسلخت مصر من الجسد العربي، ومن أي مواجهة مع الكيان، وهو ما كتبه كيسنجر أن أي حرب لإسرائيل لا بد أولا أن تكون مصر محايدة، حتى نضمن عدم هزيمتها، ولم نستلم آخر نقطة محتلة من أرضنا (طابا) إلا بالتحكيم الدولي سنة 1989م، أي أن حرب أكتوبر لم تحرر الأرض، ولم نتسلم شبرا من أرضنا بناء على المعركة، ومع ذلك نحتفل كل عام بنصر أكتوبر، وهو بالفعل نصر، وبالفعل جهد حربي كبير لا يمكن لعاقل أن يقلل من قيمته، ومع ذلك لا يزال هناك جزء عزيز من أرضنا محتلا، وهي: أم الرشراش، أو إيلات.

أما على مستوى المملكة العربية السعودية، فقد أعلنت دخولها عملية: عاصفة الحزم، والقصد منها تحرير اليمن من الحوثيين، ولم يحدث ذلك، بل ما حدث أن خرج السنة من اليمن، وتمكن الحوثيون منها، ووصلت صواريخ الحوثيين إلى قلب المملكة، مهددة آبار النفط، في عقر دارها، وفي أهم ما تملك المملكة، ومع ذلك لم نجد من الإعلام السعودي المهاجم للمقاومة، أن يقوم بوقفة محاسبة ليخبرنا هل انتصرت المملكة في عاصفة الحزم، أم ماذا؟

يمكن لمن أراد النقاش لنصر أو عدم نصر المقاومة في غزة كما يشاء، لكن عندما يكون لديه استقامة في الفكر والنقاش، أما تكون البوصلة لها اتجاه واحد، فهنا لا يوصف هذا التفكير سوى بالعور العقلي، لأن العقل عندئذ لا يرى إلا بعين واحدة، هي عين التجني، وهو ما حدث للأسف من هذه المنصات والأبواق الإعلامية والسياسية.
أما الإمارات العربية المتحدة، فموقفها أعجب وأعجب، وبخاصة الدكتور عبد الخالق عبد الله، والذي منذ أول عدوان على غزة منذ ما يقرب من عشرين سنة، عندما كان يشارك على قناة الجزيرة، ويتخذ نفس الموقف، ولا يزال، رغم أن دولته لديها ثلاثة جزر محتلة من إيران، ولم نسمع عن أي محاولة لتحريرها، ولا لردها، رغم أن الإمارات لم تدع بلدا عربيا دون تدخل منها بالمال والسلاح، ففي السودان ساعدت حميدتي بالسلاح والمال، حتى قام مؤخرا الرئيس التركي أردوغان بالصلح بينها وبين الجيش السوداني.

وفي ليبيا قامت الإمارات بدعم حفتر بالمال والسلاح، ضد الثورة الليبية، وفي اليمن نفس الحال، وفي إثيوبيا ساعدتها على بناء السد ضد مصر الحليفة، وفي مصر قامت بدعم الانقلاب العسكري في مصر بالمال والسلاح والسياسة وبكل ما أوتيت من قوة ناعمة وغير ناعمة، ومع ذلك لم يخبرنا السيد عبد الخالق وإخوانه من أصحاب هذا الرأي عنده، متى آخر مرة أطلقت الإمارات بمب العيد، أو ألعاب نارية لتحرير الجزر الثلاث؟!

يمكن لمن أراد النقاش لنصر أو عدم نصر المقاومة في غزة كما يشاء، لكن عندما يكون لديه استقامة في الفكر والنقاش، أما تكون البوصلة لها اتجاه واحد، فهنا لا يوصف هذا التفكير سوى بالعور العقلي، لأن العقل عندئذ لا يرى إلا بعين واحدة، هي عين التجني، وهو ما حدث للأسف من هذه المنصات والأبواق الإعلامية والسياسية.

Essamt74@hotmail.com