قضايا وآراء

السيسي يؤسس حزبا جديدا باقتراح إماراتي!!

المعروف أن كل المجالات في مصر باتت بالتعيين، والانتخابات الشكلية التي تحدث، تدار من أولها لآخرها بناء على ترشيحات وإدارة الأمن الوطني لها.. الأناضول
لم يعد خافيا على أحد، ما استحوذت عليه دولة الإمارات من مواقع استراتيجية مصرية، سواء على المستوى الاقتصادي، أو مستوى العلاقة مع نظام السيسي، وقد ساهمت بشكل كبير في الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو، داعمة له، وللسيسي نفسه، وبدا واضحا المشورة التي تصل لمستويات مهمة في الدولة، كما بدا من تصريح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حين صرح قبل ترشح السيسي، أنه يفضل ألا يترشح، ويترشح شخص آخر، ثم عدل عن التصريح، بأن الأمر متروك لأهل مصر.

اعتبرت الإمارات حالة مصر في الانقلاب حالة نجاح لها، لم يصل نجاحها في أي مكان آخر، مثلما وصل إليه في مصر، واعتبرت شريكا استراتيجيا لهذا النظام، بدا ذلك في عدة أمور، ليست فقط فيما ذكرناه من شراء جزر، وشركات، ومؤسسات، بل وصل إلى سد الثغرات الأمنية لهذا النظام، فقد حدثني أحد ممن خرجوا من السجون منذ فترة، أنه وغيره لاحظوا أن مستوى الأداء الأمني لضباط الأمن الوطني، بات ضعيفا، وضحلا، ليس كما كان معروفا عنهم، لمن تعامل معهم في عهد مبارك، وفي عهد السيسي، وأن الذي يعالج هذا الضعف أمران: المعلومات التي تمدهم بها بعض السفارات الأجنبية في القاهرة، والأجهزة المتطورة التي تمدهم بها دولة الإمارات.

لكن مع توسع النفوذ الإماراتي الاقتصادي في مصر، بات مع تمثيله حالة نجاح، يمثل حالة قلق، فرأس المال جبان، كما هو معلوم، والاستقرار جزء من هذا الأمان، وما حدث لنظام السيسي أنه لم يحقق هذا الأمان حتى الآن، فلا تزال المخاوف من حدوث انقلاب على الانقلاب من داخل المنظومة، أو أحداث مفاجئة لا يعلم توقيتها ولا توجهها أحد، كل ذلك وارد، وليس مستبعدا.

إن نظاما كان أول ما قام به إغلاق المنابر، وقتل المعتصمين سلميا، وقتل ناشطين سياسيين لا ينتمون للتيار الإسلامي رفعوا الورود، فقتلوا منهم سيدة، في أشهر شوارع القاهرة، لا تزال هذه المشاهد ماثلة في عقل وفكر الناشط السياسي المصري، ومن ينظر لصفحات الكثيرين منهم داخل مصر، يدرك ذلك جيدا.
ولأن تملكك لأماكن في بلد كبير كمصر، ليس عامل أمان دائم لك ولها، وهو ما يذكرنا بما كان يشكو منه الإماراتيون أنفسهم في عهد الشيخ زايد، حيث رأوا الأجانب يتملكون في الإمارات عقارات وغيرها، والأجانب هنا لفظ يطلق على كل من ليس إماراتي الجنسية، حتى لو كان عربيا، فقال لهم الشيخ زايد كلمته المشهورة: هل سيحمل عمارته فوق ظهره، عند مغادرته الإمارات؟! أي: أن ما يبنيه مآله إلى أهل المكان، إذا لم يكن مقيما عليه برضا أهله، ودوام حسن العلاقة معهم.

حرص الكفلاء لنظام السيسي في السنوات الأخيرة، على السعي لبعض التنفيس، بعد ما رأوا أن التضييق الخانق على الجميع، قد يودي إلى تغيرات غير محسوبة، أو غير متوقعة، فقد ذكرت في مقال سابق لي أنه منذ شهور مضت اقترحت المخابرات على السيسي الإفراج عن خمسة آلاف معتقل، وعن شخصيتين من الإسلام السياسي، ووافق بالفعل، ولكن الأمن الوطني تعلل بأنه غير مسؤول عما يحدث إذا خرجوا، فبدا ذلك تخويفا من الخطوة، والتي نتج عنها الإلغاء، أو التأجيل إلى أجل غير مسمى.

كان الاقتراح الثاني، نسب أيضا للإمارات، بأنه لا بد من التفكير في إنشاء حزب سياسي جديد، ومحاولة فتح باب ضئيل من المجال العام للتنفيس، لا يعطي حرية كما كانت من قبل، سواء على عهد مبارك في أوله أو آخره، ولكنه تنفيس بدرجة محسوبة جدا، وتكون تحت السيطرة، ومن أحد وسائله: إطلاق حزب جديد.

التجريف الذي تم في عهد السيسي، وتكميم الأفواه، وملء السجون بمعتقلي الرأي، جعل الناس تسخر من إعلان الحزب الجديد، فالخبر خرج بهذه الصيغة: (استعدادا لانتخابات 2025.. حزب جديد يضم أكبر السياسيين والمشاهير بمصر).
وهو ما رأيناه يتم الإعلان عنه، بحزب جديد، لكن الوجوه ليست جديدة، وليست ذات خبرة سياسية معتبرة، ولا ثقل سياسي يشعر المواطن بأن تغييرا حدث، حتى لو كانت لدى السلطة رغبة في ذلك، سواء رغبة ذاتية، أو اقتراح حريص من الكفلاء، فلم تعد الحالة المصرية تستطيع إنتاج شخصيات تحقق المطلوب، فالحالة السياسية والحزبية في مصر منتهية من أول يوم جاء فيه الانقلاب، فإن نظاما كان أول ما قام به إغلاق المنابر، وقتل المعتصمين سلميا، وقتل ناشطين سياسيين لا ينتمون للتيار الإسلامي رفعوا الورود، فقتلوا منهم سيدة، في أشهر شوارع القاهرة، لا تزال هذه المشاهد ماثلة في عقل وفكر الناشط السياسي المصري، ومن ينظر لصفحات الكثيرين منهم داخل مصر، يدرك ذلك جيدا.

فعلى عهد مبارك، وجد الحزب الوطني، والذي امتلأ برجال السلطة، وسيطر عليه رجال الدولة من أهل السياسة، ومع ذلك وجد في هذا الحزب المكروه من المصريين، من يدخله بنية خدمة الناس، وبدت قناعة لدى كثير منهم، أن الخدمة الشعبية تقتضي التحالف مع السلطة في الانضمام للحزب الوطني، ولو بالحصول على بطاقة العضوية فقط، والعمل من خلال مؤسساته الشعبية، دون أن يتورط في فسادها.

لكن التجريف الذي تم في عهد السيسي، وتكميم الأفواه، وملء السجون بمعتقلي الرأي، جعل الناس تسخر من إعلان الحزب الجديد، فالخبر خرج بهذه الصيغة: (استعدادا لانتخابات 2025.. حزب جديد يضم أكبر السياسيين والمشاهير بمصر). لتنطلق أسئلة ساخرة: هل هناك انتخابات ليتم الاستعداد لها؟ إذ إن المعروف أن كل المجالات في مصر باتت بالتعيين، والانتخابات الشكلية التي تحدث، تدار من أولها لآخرها بناء على ترشيحات وإدارة الأمن الوطني لها. وحزب جديد، وهل هناك أحزاب وحياة حزبية في مصر، حتى ينطلق حزب جديد؟! وهل الجديد هنا في الاسم أم الشخصيات، فلا جديد يتوقع في البرامج أو الرؤى أو الطرح.

ومن يتابع صفحات البقية الباقية من الكتاب وأصحاب الرأي السياسي والفكري في مصر ممن لم تضمهم زنازينه إلى حين، يدرك إلى أي مدى وصل اليأس من أي محاولة ترقيع لإصلاح ولو شكلي لهذا النظام، ولو أطلق مئات الأحزاب، إذ لا قيمة لكثرة اللافتات ما دام المنتج واحدا!

Essamt74@hotmail.com