في فجر يوم صيفي هادئ
من عام 2025، كانت الشمس تشرق على القاهرة عندما رن هاتف رئيس التحرير في إحدى
الصحف
العربية الكبرى. كان الاتصال من مصدر موثوق في جامعة الدول العربية: "استعد،
اليوم سيكون يوما تاريخيا".. سيعلن العرب وقف
التطبيع وتفعيل اتفاقية الدفاع
المشترك وإعلان الجهاد لتحرير شعوبنا وأراضينا المحتلة.
لم يكن يدرك حينها
أنه سيكون شاهدا على لحظة فارقة في تاريخ المنطقة. كان المشهد يتكشف أمامه كقصة لم
يتخيل أحد أنها ستُكتب يوما.
في مقر جامعة الدول
العربية، كان الاجتماع الطارئ مختلفا هذه المرة. وجوه القادة العرب تحمل تعبيرا لم
يُرَ منذ عقود، كان هناك إحساس بالخجل من سنوات التخاذل، وإدراك متأخر بأن التطبيع
لم يجلب سوى المزيد من العار وتنكيس الرؤوس مع مزيد من التعنت والظلم.
تحدث أمير كويتي مسن
بصوت متحشرج: "أتذكر كلمات والدي عن
فلسطين. كان يقول دائما إن القضية ليست للمساومة".
رئيس وزراء مغربي أضاف: "التطبيع لم يجلب السلام، بل زاد من جرأة المحتل".
يشهد الديوان
الملكي في الرياض نقاشات محتدمة. وزير سعودي كبير قال بحزم: "لدينا من القوة ما
يكفي لنكون صناع قرارنا. النفط سلاحنا، والاقتصاد سيفنا، والحق معنا".
قدم مستشار
اقتصادي في أبو ظبي تقريرا عاجلا: "خسائرنا من التطبيع تفوق مكاسبنا. الاستثمار
في عمقنا العربي أجدى وأكثر أمانا".
كانت غرف الأخبار
في الجزيرة في دوحة قطر، تستعد لتغطية تاريخية عرفتها العواصم العربية قاطبة.
أصدر القصر
الملكي في عمّان بعد اجتماعات متواصلة بيانا مقتضبا: "الأردن يقف مع الحق الفلسطيني
بلا مساومة".
ضجت شوارع بيروت،
بالمظاهرات المؤيدة لفلسطين ورفعت أعلام
المقاومة في الشرفات والشوارع.
وبين الركام في غزة
هاشم ومدارس الأونروا ومناطق النزوح كان أبو محمد النازح من الشمال، يتطلع إلى
شاشة هاتفه بدموع صامتة وهو يستمع إلى أناشيد النصر، وابنته الصغيرة سائلة: "بابا،
هل سنعيش بسلام الآن؟"، ابتسم وهو يمسح دمعة: "ربما يا حبيبتي، ربما".
في الضفة الغربية،
البشائر تتوالى. مشاريع إعمار جديدة، دعم اقتصادي غير مسبوق، تضامن عربي إسلامي حقيقي.
الناس في الشوارع يتحدثون عن "فجر جديد".
في تل الربيع
المحتلة وفي الطرق المؤدية الى مطار اللد، حيث تتزاحم سيارات المحتلين المحاولة
الى الهرب من جحافل المقاومة التي أصبحت على بعد خطوات من تل الربيع، كان الوضع مختلفا.
اجتماعات طارئة لقادة
الاحتلال، وجوه قلقة، أسواق مضطربة. مستثمر إسرائيلي كبير صرخ
في اجتماع: "لم نتوقع هذا! كيف سنتعامل مع مقاطعة عربية شاملة"؟ بعدما
فعلنا كل شيء لتصبح الدول العربية محطات لنا انقلب السحر على الساحر.
أجرى السفير الأمريكي
في القاهرة اتصالات عاجلة بواشنطن، التقارير تتحدث عن "تحول استراتيجي في المنطقة".
في البيت الأبيض، بدأت المناقشات حول "كيفية التعامل مع الوضع الجديد".
بدأت الأرقام
تتحرك في الأسواق العالمية، أسعار النفط، البورصات، العملات. محلل اقتصادي في لندن
كتب: "العرب يستخدمون قوتهم الاقتصادية لأول مرة بشكل منسق".
في الأمم المتحدة،
كان المشهد مختلفا. المندوب العربي يتحدث بثقة غير معهودة: "نحن هنا لنقول إن
زمن التنازلات قد ولى. حقوق شعبنا الفلسطيني خاصة وشعوبنا العربية ليست للمساومة".
مرت الأسابيع الأولى
صعبة، ضغوط، تهديدات، محاولات لشق الصف، لكن الموقف العربي ظل صامدا، بدأت تظهر نتائج
لم يتوقعها أحد.
بدت في الافاق
الاقتصادية العربية مسارات جديدة، بعد رهان الانهيار، ازدهرت التجارة البينية، وظهرت
مشاريع مشتركة، والشركات العربية الوطنية الموحدة تملأ الفراغ بعد هروب الشركات
التابعة للاحتلال.
في إذاعة القدس
تتوالى الأخبار عن بداية جديدة، الحياة تتغير، المستوطنات تواجه صعوبات، الشركات تغادر،
السياحة تتراجع. في الشوارع، بدأ الناس يتحدثون عن "نهاية عصر الاحتلال
وبداية عصر التحرير والاستقلال".
في مخيمات اللاجئين
في الشتات بدأت تظهر بوادر أمل في العودة الى أراضي فلسطين المحررة، وإعادة إعمار
مدن وقرى فلسطين، فهناك عيادات تُفتتح، مشاريع تنموية تبدأ. شاب فلسطيني قال لصحفي:
"لأول مرة نشعر أننا لسنا لوحدنا عالمنا العربي والإسلامي معنا حقا".
خرجت أصوات شباب الجامعات
العربية تطالب بالسفر إلى فلسطين، وبدأت تُدرس تجربة "الصحوة الكبرى"، طلاب
يناقشون كيف غير قرار واحد شجاع مسار التاريخ. أستاذ جامعي كتب: "القوة كانت دائما
بين أيدينا ولكن حكمنا حقبة من الزمان حفنة من العملاء".
في الإعلام العالمي
تغيرت النبرة، صحف غربية كتبت عن "تحول القوى في الشرق الأوسط"، محللون يتحدثون
عن "نموذج جديد للتضامن العربي والإسلامي".
بعد عام، جلس رئيس
تحرير صحيفة العربية الكبيرة في مكتبه في القاهرة يكتب مقاله الأخير قبل تقاعده:
"قبل عام، كنا نظن أن التغيير مستحيل، اليوم، نعرف أن المستحيل كان وهما. كل ما
احتجناه هو الإرادة والوحدة وإزالة الحكام المتعاونين مع الاحتلال لننعم بالحرية
والعودة لتحرير شعوبنا وأراضينا المحتلة".
في المدارس العربية
والإسلامية، بدأ الأطفال يدرسون عن "يوم الصحوة". في درس التاريخ، سألت طفلة
معلمتها: "لماذا انتظرنا كل هذا الوقت؟"، ابتسمت المعلمة: "لأن الحقيقة
تحتاج أحيانا إلى وقت لتنتصر وإلى معركة الطوفان التي كانت جزءا من معركة الوعى
والتحرير".
ارتفعت في المساجد
والكنائس الدعوات بالشكر. في الأسواق، في المقاهي، في المجالس، كان الناس يتحدثون عن
"معجزة الوحدة".
أنهى مقاله الأخير بعبارة: "لم تكن معجزة، كانت
صحوة ضمير، كانت عودة لأصل الحكاية، كانت تذكيرا بأن الأمة التي تملك الإرادة، تملك
المستقبل".
في فلسطين، كان غروب
الشمس مختلفا ذلك اليوم. طفل صغير في غزة رسم لوحة: سماء زرقاء، وأرض خضراء، وحمامة
بيضاء تحلق بحرية. كتب تحتها بخط طفولي: "وطني الحر".
وهكذا، لم يكن مجرد
يوم عادي، كان يوما تذكرت فيه أمة هويتها، واستعادت فيه بوصلتها، وأدركت فيه قوتها.
كان يوما تغير فيه كل شيء، لأن شعبا قرر أن يغير كل شيء.
في النهاية، لم تكن
القصة عن التطبيع فقط، كانت عن كرامة، عن هوية، عن حق لا يموت. كانت عن أمة تذكرت أن
القوة الحقيقية تنبع من الوحدة والإرادة، وأن التاريخ يكتبه من يملكون الشجاعة ليقولوا
"لا" عندما يتطلب الحق ذلك.
قد تكون هذه
الكلمات السابقة حلما يراودنا في كل ليالي العام الماضي، ولكن أعلم أن القدر أقوى
من مخططات الصهاينة وأذنابهم، وإننا نملك النصر إذا صدقنا الطريق إلى الجهاد في
سبيل الحرية للشعوب والأوطان.