ثمة عناصر أربعة في قراءتنا لأبعاد ورسائل عملية اغتيال
أمين عام
حزب الله وسوف نتناولها عنصرا بعد عنصر في السطور التالية:
1- تمكن الكيان الصهيوني ونجاح جهازه الاستخباراتي في الرصد
والتتبع والوصول إلى شخصية هامة بحجم
حسن نصر الله، بعد النجاح في الوصول إلى بعض الشخصيات
القيادية الهامة في الحزب مثل فؤاد شكر وإبراهيم عقيل ومؤخرا علي كركي.. إلخ، لا
يعني بالضرورة انتصار
الاحتلال وتحقيقه لأهدافه المعلنة في صراعه مع الحزب. وللتفصيل
في هذه الجزئية نحتاج إلى بيان التالي:
- إسرائيل لم تقم بتلك العملية الهامة في الوصول إلى الأمين
العام وحدها، بل تم ذلك بمشاركة أجهزة استخبارات غربية وغير غربية! تلك الأجهزة
التي قدمت المساعدة للكيان من خلال تواجدها في بيروت وانطلاقاتها من مقراتها
الدبلوماسية (السفارات) تحت مسميات مختلفة! وقيامها بالإمداد اللوجيستي
والمعلوماتي للموساد، فيما يشبه غرفة العمليات المنعقدة لخدمة دولة الاحتلال..
- عدم صحة قياس طبوغرافيا قطاع
غزة على الأراضي اللبنانية،
وهنا نشير إلى أن مأساة الحصار المضروب على غزة كان له وجهه الحسن في السيطرة على
كامل القطاع ونجاح الأجهزة المعنية في مسح كل شبر في غزة وقيامها بقطع دابر
الجواسيس التي لم يعد لها مكان في تلك المحرقة! وهنا نتذكر الدور الكبير لرئيس
المكتب السياسي الحالي يحيى السنوار، الذي ترأس ساعتها الخلية المعنية باصطياد
الجواسيس! والأمر يختلف في لبنان البلد المفتوح على مصراعيه، علاوة على التركيبة
المتباينة للشعب اللبناني وتعدد طوائفه، بخلاف وحدة سكان غزة..
تمكن الكيان الصهيوني ونجاح جهازه الاستخباراتي في الرصد والتتبع والوصول إلى شخصية هامة بحجم حسن نصر الله، بعد النجاح في الوصول إلى بعض الشخصيات القيادية الهامة في الحزب مثل فؤاد شكر وإبراهيم عقيل ومؤخرا علي كركي.. إلخ، لا يعني بالضرورة انتصار الاحتلال وتحقيقه لأهدافه المعلنة في صراعه مع الحزب
2- النجاح الاستخباراتي للكيان الصهيوني لا يعدو كونه
عملية قتل يمكن أن تقوم بها أي من عصابات المافيا التي تحترف مثل تلك الأعمال، كما
حدث في روسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وأشهرها كولومبيا، وإن تلك العمليات لا
تمت إلى الحروب بصلة ولا علاقة لها بالأهداف المعلنة لدولة الاحتلال، وهي كالتالي:
أ- قطع الارتباط والإسناد من حزب الله عن قطاع، غزة
وإنهاء ما يعرف بوحدة الساحات بين فصائل
المقاومة بالمنطقة العربية..
ب- إعادة المستوطنين اليهود المهجّرين إلى مستوطناتهم
وكيبوتساتهم في جنوب الأرض المحتلة بمحاذاة الجنوب اللبناني..
ج- إعادة حزب الله وإرجاعه قسرا من الحدود مع الأرض
المحتلة إلى الخلف لمسافة 10 كيلومترات، أي خلف نهر الليطاني..
وبالتالي، فحالة النشوة التي طفحت على قادة الاحتلال ليست
إلا جرعة تخدير للشارع الإسرائيلي، الذي لن يلبث أن يعود للانفجار كما كان وأكثر
حينما سيفاجأ بضراوة ردود الأفعال القادمة من محاور المقاومة بخلاف الرد
الإيراني -وقع
بالفعل- مع رفع سقف الانتقام لدى حزب الله والحوثي في اليمن خاصة بعد تعرضه للاعتداءات
الأخيرة، إضافة إلى مشاركة "المقاومة الإسلامية" في العراق بمسيراتها
الهجومية. لاحظ أنني لم أتكلم عن الأسرى الإسرائيليين في أيدي المقاومة
الفلسطينية؛
ممن طفح الكيل بأسرهم من تراخي ومراوغة حكومة نتانياهو في عقد صفقات تبادل للإفراج
عن ذويهم في قبضة المقاومة الفلسطينية..
3- الموقف الإيراني قبل الضربة الأخيرة والمرونة لدى صُنّاع
القرار في إيران إزاء الأحداث الأخيرة، حرصا من إيران على تحقيق مصالحها ومآربها
في إكمال برنامجها النووي وإعادتها إلى الساحة الدولية وإنهاء الحصار المضروب
عليها ورفع الحظر عن أرصدتها لدى البنوك الدولية وعودة صادراتها إلى الأسواق
الخارجية.. إلخ، أصابها بالتراخي والتبلد حتى في حالات الاعتداء عليها وعلى هيبتها
وكرامتها؛ بدءا باغتيال شخصية كبيرة مثل إسماعيل هنية داخل أراضيها، وانتهاء بقتل
رجلها القوي؛ الأمين العام لحزب الله..
المرونة والبطء في رد فعل طهران قد وضعها على المحك أمام حلفائها وأذرعها، بل ونال من احترامها وتقديرها أمام عمقها في العالم الإسلامي، بل وكاد أن يهدم كل ما بنته من سمعة في الارتباط بالقدس وبالنصرة لحركات المقاومة، فكان لا بد من الضربة الأخيرة
هذه المرونة والبطء في رد فعل طهران قد وضعها على المحك
أمام حلفائها وأذرعها، بل ونال من احترامها وتقديرها أمام عمقها في العالم الإسلامي،
بل وكاد أن يهدم كل ما بنته من سمعة في الارتباط بالقدس وبالنصرة لحركات المقاومة،
فكان لا بد من الضربة الأخيرة -حتمية الفعل- بالصواريخ البالستية والصواريخ
المجنحة (كروز) والمسيرات الموجهة..
4- اغتيال حسن نصر الله وقبله عدد من أهم قيادات الحزب
وضع حدا لبعض السخافات التي يرددها البعض باتهام الحزب بالخيانة والعمالة، وفي
الإنكار على قادة المقاومة الفلسطينية بالشراكة الاستراتيجية مع الحزب، ربما للخلفية
العقائدية للحزب، وربما لدور الحزب في مساندة النظام السوري.
ولست أدري ردة فعل هؤلاء بعد التطورات الأخيرة من قصف
الضاحية الجنوبية وعمليات الاغتيال التي طالت رؤوس الحزب عقابا لهم على الخيار الاستراتيجي
في تبني المساندة والدعم للمقاومة في غزة، ربما يراجعون أنفسهم ويعترفون بخطأ
تشنجهم وتناولهم الأمور الاستراتيجية والعلاقات الدولية بعقلية العقائد والأيديولوجيات!
ولو صدقوا، فلماذا لم يعلنوا براءتهم من السكوت والصمت
الذي أصابهم -صمت القبور- على التحالفات التي أبرمتها حكوماتهم مع الكيان الصهيوني
ومع دول تدين بالوثنية الصريحة والتي غالبا ما تضررت منها دول وطوائف مسلمة، وليس
بعيدا عنا ما جرى من تحالفات وعلاقات حميمية بين دول خليجية وبين الهند والصين مع
ما تفعله الأولى في كشمير المسلمة وتقوم به الثانية من جرائم في حق سكان تركستان
الشرقية أو مسلمي طائفة الإيجور.. فلماذا الكيل بمكيالين إذا؟!