سياسة عربية

خبراء يتحدثون لـ"عربي21" عن تفجيرات لبنان.. كيف وصل الاحتلال لأجهزة "البيجر"؟

مئات الإصابات وعدد من الشهداء في عملية تفجير أجهزة البيجر في لبنان - جيتي
تعددت الفرضيات حول الآلية التي تم استخدامها لتفجير أجهزة النداء الآلي "البيجر" ‏الخاصة بعدد كبير من عناصر ‏حزب الله، ومنها القيام باختراق الجهاز عبر هجوم ‏سيبراني، أدى لتفجير البطاقة، وفرضية أخرى عن احتمالية زرع ‏متفجرات داخل الجهاز عبر اختراق سلسلة التوريد، ثم تم تفعيل هذه المتفجرات عبر تقنية متطورة.‏

من جهتها، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن "إسرائيل نفذت عملية التفجير ‏عبر إخفاء مواد متفجرة داخل ‏دفعة جديدة من أجهزة البيجر"، ‏وفقًا لمسؤولين أمريكيين وآخرين مطلعين على العملية.‏

وأضاف المسؤولون أنه "تم التدخل في الأجهزة التي طلبها حزب الله من شركة ‏Gold Apollo‏ في تايوان قبل وصولها ‏إلى لبنان، فيما نفت الشركة ذلك، قائلة إنها صنعت في المجر عبر شركة لديها تصريح بإنتاج هذا النوع من الأجهزة.‏

الهجوم السيبراني مستبعد

وخلال الساعات الأولى من الانفجار، كانت الفرضية الأكثر انتشارا هي التفجير عبر ‏هجوم سيبراني، ما دفع للتساؤل ‏عن قدرة هذا النوع من الاختراقات على رفع درجة ‏حرارة البطارية كما قيل، لتصل حد الانفجار، رغم أن هذه الأجهزة ‏غير متصلة ‏بالإنترنت‎.‎

الخبير في الأمن السيبراني الدكتور أحمد حسين العمري، أوضح أن "البيجر هو جهاز ‏اتصال لاسلكي صغير ومحمول، ‏شاع استخدامه بكثرة في أواخر الثمانينات وأوائل ‏تسعينيات القرن الماضي، وهي مرتبطة بشبكة الاتصالات الخلوية ‏‏"الهاتف المحمول".‏

وأوضح أنها "تعمل دون الحاجة لربطها على شبكة الإنترنت، وهي أجهزة اتصال تستخدم الأمواج الراديوية ‏بترددات ‏مختلفة"‏.‏

وتابع العمري في حديث خاص لـ"عربي21": "ما حدث في لبنان هجوم إلكتروني أوسع من مفهوم الهجوم ‏السيبراني، فحتى ‏يحدث مثل هذا التفجير، فإنه بحاجة إلى عامل فيزيائي ملموس موجود داخل البيجر، إما ‏من خلال ‏البطارية الموجودة أو حشوة تفجيرية مُعدة مسبقاً تم زراعتها داخل الجهاز".‏

واستبعد العمري "إمكانية التفجير المباشر من خلال بطارية الليثيوم الموجودة داخل ‏الجهاز"، موضحا أنه "لتفجير ‏بطارية الليثيوم لا يحدث ذلك من خلال رفع درجة ‏حرارتها واستنزاف المعالج والدوائر الكهربائية في الجهاز، حيث ‏يحتاج تفجير ‏البطارية لعوامل خارجية معقدة".‏

وأضاف، "كذلك فإن رفع درجة حرارة مئات الأجهزة في ذات الوقت وفي ‏مناطق واسعة تمتد من بيروت وحتى دمشق ‏من خلال البطارية أمر صعب جداً، ولهذا ‏أستبعد هذا الخيار، أي إجهاد البطارية والمعالج ورفع درجة الحرارة نتيجة ‏ذلك ‏وبالتالي انفجار البطارية".‏

وشرح ذلك بالقول، "كيف سترفع درجة حرارة مئات الأجهزة بنفس الوقت، فحتى يتم ‏رفع درجة الحرارة تحتاج عمل ‏إجهاد على البطارية، وحتى يتم ذلك يجب تشغيل ‏جميع عناصر الجهاز ومنها الخاصة بالاتصال والمعالج وغيرها، أي ‏تشغيل الجهاز ‏بكل طاقته، فمثلا كثيرا ما ترتفع درجة حرارة الهواتف العادية لكن لا ترتفع إلى ‏مستوى يؤدي لتفجير ‏البطارية، ولهذا استبعد هذا الخيار".‏



ورجح العمري "فرضية زرع حشوات تفجيرية مُعدة مُسبقا خلال إما عملية التصنيع ‏وإما خلال سلسلة التوريد، علما أن ‏الشركة المُصنعة قد لا تكون على علم بعملية زرع ‏الحشوات، فكل شركات صناعة أجهزة الاتصالات لا تقوم بتصنيع ‏جميع قطع الجهاز، ‏بل تشتري بعضها من مورد أخر وقد يكون تم زرع هذه العبوات عبر هذه القطع ‏المستوردة من ‏طرف ثالث، أيضا طبيعة الانفجار الذي رأيناه يؤكد وجود حشوة ‏تفجيرية"‏.‏

ولفت إلى أن "عملية إطلاق التفجير يمكن أن تتم عبر إرسال إشارة راديوية إما من ‏خلال منظومة الاتصالات الوطنية ‏أو من خلال قمر صناعي أو طائرة مُسيرة، أو ‏حتى من منطاد تجسسي، وعلى كل الأحوال ننتظر نتائج التحقيقات ‏الرسمية التي ‏تجريها الحكومة اللبنانية وحزب الله والجهات القضائية ذات العلاقة".‏

عبوة متفجرة

الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء ركن محمد الصمادي، قال إنه "من الممكن أنه ‏تم استبدال بطاريات هذه الأجهزة ‏بطريقة أو بأخرى من قبل الموساد ‏وزرع عبوة متفجرة، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه العملية لم تكن إسرائيل فقط السبب ‏‏الرئيسي بها، فلا بد من وجود دول حليفة مشتركة".‏

وتابع الصمادي في حديث خاص لـ"عربي21"، "الاحتمال الثاني أن يكون قد تم ‏زراعة رقاقة إلكترونية تؤدي إلى أن ‏يتم رفع درجة حرارة البطارية إلى درجة ‏الانفجار، وعملية إرسال إشارة لتفعيل الرقاقة أو العبوة التفجيرية في ذات ‏الوقت ‏تتطلب وجود منظومة ترسل إشارة قوية لهذه الأجهزة، وتحتاج للعمل عبر منظومة ‏عمليات سيبرانية عالية ‏الجودة".‏

وأوضح أن "من يُصنع البيجر قد يُجمعه تجميع وليس صناعة جميع قطعه، وقرأت ‏خبر أن هذه الأجهزة وردت من ‏إيران، وهناك معلومة تقول أنها من الأردن ولكن ‏استبعد ذلك".‏
وأكمل، "لكن إيران لا تقوم بتصنيعه بشكل كامل بل تجمع قطعه، لذلك البطارية يتم ‏جلبها من بلد أخر، وقد يكون تم ‏زرع العبوة التفجيرية أو رقاقة إلكترونية لاستقبال ‏إشارة التفجير هناك".‏

وأضاف: "أيضا قد يكون هناك طريقة علمية جديدة للعلماء لاستخدام رقاقة تستقبل ‏الإشارة من القمر الصناعي أو من ‏طائرة مسيرة لرفع درجة حرارة البطارية ثم تفجير ‏العبوة، بالطبع ارتفاع درجة حرارة البطارية غالبا لا يؤدي ‏لانفجارها، ولكن قد يكون ‏رفع درجة حرارة البطارية ساعد بتفجير العبوة المتفجرة‎".‎

‏"إضعاف قدرات حزب الله"‏

وجاءت هذه العملية الموسعة في ذات الوقت الذي تعالت فيه التهديدات الإسرائيلية ‏بالقيام بعمليات موسعة في جنوب ‏لبنان، حيث قال جيش الاحتلال إن هناك خطط ‏جاهزة لمهاجمة لبنان.‏

وقال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي إن "الجيش يعمل بقوة في الشمال وفي ‏حالة تأهب عالية مع خطط ‏عملياتية جاهزة"، مؤكدا أن الجيش مستعد لأي مهمة قد ‏يُطلب منه تنفيذها".‏

على الجانب الآخر، توعد حزب الله بالرد على عملية التفجير الأخيرة، التي اتهم ‏الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذها، وأكد أنّ ‏‏"هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم ‏من حيث يحتسب ‏ومن حيث لا ‏يحتسب، والله ‏على ما نقول شهيد"، وفقا لبيان أصدره عقب العملية.‏

وحول تأثير هذه العملية على قدرات حزب الله في أي مواجهة محتملة بين الطرفين، ‏قال الخبير العسكري ‏والاستراتيجي محمد الصمادي، "أولا يجب أن نأخذ بعين ‏الاعتبار بأن إسرائيل وجهت العديد من الصفعات سواء كان ‏لحزب الله أو سوريا أو ‏للمقاومة في العراق أو لإيران، ولكن كانت ردود الأفعال من قبل جميع الجهات ‏متواضعة جدا".‏

وأضاف: "الآن قد يكون هذا نوع من أنواع التصعيد، وبرأيي الساعات القادمة تحمل ‏العديد من المفاجآت، باعتقادي بأن ‏إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء، هذه حرب ‏العقول والحرب النفسية وعمليات سيبرانية متقدمة جدا، وهي تُشكل ‏مفاجأة حقيقة ليس ‏فقط لحزب الله بل لجميع دول العالم".‏




وأكد أن "ما حدث هو رفع للتصعيد في الجبهة الشمالية وعمل استفزازي لإيران ‏لجرها إلى الحرب، وإسرائيل الآن ‏تحاول أن تضغط على حزب الله لدفع قواته إلى ‏الشمال من نهر الليطاني".‏

ولفت إلى أن "حزب الله وإيران متخوفان من أن يكون هناك حرب شاملة في المنطقة ‏ويحاولان تجنب هذه الحرب، ‏وظهر هذا جليا في تصريحات للأمين العام لحزب الله - ‏بأن الحرب ليست نزهة، ولكن إن فُرضت علينا سنقوم ‏بالمجابهة -".‏

وأضاف: "لكن خلال الأيام الماضية لاحظنا ارتفاع في وتيرة التصريحات على ‏المستويين السياسي والعسكري في ‏إسرائيل داخل حكومة اليمين المتطرف، وباعتقادي ‏لم يُفلح المبعوث الأمريكي بأن يُثني إسرائيل عن هذا التصعيد، ‏وهذا يندرج ضمن ‏عمليات التصعيد نحو البدء في عملية قد تكون واسعة ومركزة على الجنوب اللبناني ‏لاستهداف العديد ‏من الأهداف".‏

وأوضح الصمادي أن "ما يحدث من عمليات وضربات عسكرية متبادلة بين حزب الله ‏وإسرائيل، ندرجها ضمن ‏عمليات الاشتباك دون مستوى المعركة والعمليات الرئيسية، ‏فهي كانت عبارة عن مناوشات خلال الفترة الماضية ولا ‏ترقى إلى أن نقول بأنها ‏معركة أو أنها حرب، وهي ليست بناء على خطط أو بناء على تقدير موقف تعبوي أو ‏‏عملياتي".‏

وحول التأثير قال الصمادي، "باعتقادي الآن يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ‏العنصر القيادي.، فما لاحظته أن معظم ‏الإصابات نتيجة التفجير كانت في منطقة ‏الفخذ أو الخصر، وعادة هذه الأجهزة تكون مع القادة ومع الضباط، لذلك قد ‏يكون ‏هناك إصابات عديدة فنحن نتحدث عن أعداد بالآلاف، وهذا العمل قد يكون عمل ‏استفزازي يُجبر حزب الله أن ‏يقوم بالرد".‏

وتابع: "لكن ما عهدناه من حزب الله أنه دائما عنده صبر استراتيجي فيما يتعلق ‏بعمليات الرد وليس بالسهولة عملية ‏استفزازه، وعلى الرغم أن الجانب الإسرائيلي ‏لغاية الآن لم يعترف بشكل رسمي، لكن هي قد تكون عملية لجر حزب ‏الله إلى حرب ‏واسعة في الجنوب اللبناني وإقحامه في هذه الحرب من أجل تدمير قدراته القتالية".‏

إقالة غالانت!‏

وكانت عدة تقارير قد ذكرت أن نتنياهو ينوي إقالة وزير حربه يوآف غالانت، ‏وتعيين رئيس حزب "اليمين الوطني" ‏جدعون ساعر مكانه.‏

وقالت القناة الـ12 العبرية إن "المفاوضات بين حزب الليكود بزعامة نتنياهو وحزب ‏اليمين الوطني (أمل جديد) برئاسة ‏ساعر، تهدف إلى ضم الأخير للحكومة"، مشيرة ‏إلى أن هناك "تقدما في المحادثات لتولي ساعر حقيبة الدفاع بديلا عن ‏غالانت".‏

لكن هل تم استخدام هذه الأنباء والتسريبات كعملية تمويه استخباري من قبل الاحتلال ‏للتغطية على عملية تفجير أجهزة ‏البيجر في لبنان؟

الصمادي قال، "يجب علينا أن نعي تماما بأننا نواجه عدو غاية في الذكاء والحنكة ‏ولديه منظومة كبيرة جدا بما يتعلق ‏بالعمليات النفسية واستخدام هذه القدرات، وعندما ‏نأخذ بعين الاعتبار التصريحات التي تُطلق بين الحين والأخر من ‏المستويين العسكري ‏والسياسي في إسرائيل، قد يظهر للعيان أحيانا بأن هناك تضارب وتفكك داخل ‏الحكومة ويوجد ‏فجوة بين المؤسستين، قد يكون هذا شيء من الواقع".‏




وتابع: "لكن باعتقادي بأن هذه التصريحات التي اُطلقت في الآونة الأخيرة بخصوص ‏إقالة غالانت قد تكون هي عبارة ‏عن تغطية لهذه العملية وعمل إرباك، وهذا ما اسميه ‏ضبابية الحرب، حيث دائما يكون هناك حالة من الغموض ‏والإرباك وعدم الوضوح، ‏والتي تؤدي إلى إيقاع الخصم في حالة من الارتباك وعدم معرفة ما هي الخطوة التالية ‏التي ‏سيتم الإقدام عليها، لذلك لا استبعد بأن هذه البروباغندا تم بثها من قبل الجانب ‏الإسرائيلي للتغطية على هذه العملية ‏وعلى ماذا سيجري خلال الساعات القادمة".‏

يُذكر أن أجهزة البيجر، معروفة بقدرتها على توفير التواصل الفوري والمباشر، وتعد ‏من أقدم وسائل الاتصالات ‏المحمولة التي ساهمت في تعزيز التواصل السريع في ‏مختلف القطاعات.‏

وعلى الرغم من التطور الهائل في تقنيات الهواتف المحمولة، إلا أن البيجر لا يزال ‏يُستخدم بشكل واسع في العديد من ‏المجالات الحيوية مثل الرعاية الصحية والطوارئ، ‏بفضل موثوقيته وبساطته في نقل الرسائل النصية القصيرة ‏والتنبيهات.‏

ويعتمد عمل البيجر على تقنية الاتصالات اللاسلكية الراديوية (‏Radio Frequency ‎Communication‏).‏

وهذه التقنية تقوم بنقل الرسائل والإشارات عبر ترددات راديوية من خلال شبكة من ‏الأبراج أو محطات الإرسال إلى ‏جهاز البيجر الخاص بالمستخدم.‏

الإرسال عبر موجات الراديو: يعتمد البيجر على استقبال رسائل نصية قصيرة أو ‏إشعارات تُرسل عبر موجات الراديو. ‏عندما يرغب شخص ما في إرسال رسالة إلى ‏مستخدم البيجر، يتم إرسالها من خلال مزود الخدمة إلى برج الإرسال ‏القريب من ‏المستخدم بشكل مشفر، وعندما يستقبلها الجهاز على الطرف الآخر يقوم بفك تشفيرها ‏وعرضها.‏