يواجه ولي العهد السعودي محمد
بن سلمان مجموعة من الضغوط
الأمريكية المستمرة التي تطالبه بالتطبيع مع الكيان
الإسرائيلي المحتل. ففي حين
تدفع الولايات المتحدة نحو "صفقة كبرى" من
التطبيع، تبدو شروط المشاركة
غير متوازنة، مما يترك المملكة العربية
السعودية تتحمل الأعباء والمخاطر دون تحقيق
مكاسب حقيقية على الأرض.
تكمن القضية الأساسية في عدم وجود تنازلات جوهرية من
جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل في هذه الصفقة المحتملة. على مر السنين، مارست
الإدارات الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة ضغوطا متواصلة على المملكة
العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومع ذلك، نادرا ما كان هذا الضغط
مصحوبا بإيماءات أو تنازلات ذات مغزى من الجانب الأمريكي أو الإسرائيلي. بدلا من
ذلك، كان التركيز على استغلال الأحداث والاستفادة من اللحظات الجيوسياسية لدفع
المملكة العربية السعودية نحو التطبيع.
وكان أحد الأمثلة الأكثر وضوحا على هذا الضغط هو المرحلة
التي تلت اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. أثار القتل الشنيع، الذي وقع في
القنصلية السعودية في إسطنبول، إدانة عالمية وفرض ضغوطا كبيرة على العلاقات
السعودية الأمريكية. ومع ذلك، خلف الكواليس، أصبح هذا الحدث المأساوي أداة للضغط
الأمريكي. وظهرت قضية أدوات الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية، مثل برنامج
التجسس بيغاسوس التي استُخدمت لمراقبة خاشقجي وأصدقائه ورصد تحركاتهم.
حرب الإبادة المستمرة في غزة تزيد من تعقيد إمكانية التطبيع. فقد تعرضت الولايات المتحدة، باعتبارها حليفا قويا لإسرائيل، لانتقادات بسبب عدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية في غزة. ويرى المجتمع العربي والإسلامي بمن فيه الشعب السعودي؛ في هذا تواطؤا في الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المعارض السعودي المقيم في
كندا، عمر عبد العزيز، المقرب من الصحافي الراحل جمال خاشقجي، رفع في وقت سابق دعوى
قضائية ضد شركة برمجيات إسرائيلية ساعدت السعودية على اختراق هاتفه الذكي، والتجسس
على اتصالات جرت بينه وبين خاشقجي.
إن الآثار المترتبة على مثل هذه الاكتشافات متعددة
الأوجه وتشير إلى أن الولايات المتحدة على علم بهذه العمليات السرية، واستخدمت هذه
المعلومات الحساسة لمزيد من الضغط على المملكة العربية السعودية للتحالف مع
إسرائيل، ولم تقتصر هذه الاستراتيجية على الخطاب الدبلوماسي بل شملت أيضا تحركات
عسكرية ملموسة. على سبيل المثال، سحبت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا بطاريات
الدفاع الجوي باتريوت من المملكة العربية السعودية، مما يشير إلى أن الحماية
العسكرية الأمريكية مشروطة باستعداد المملكة العربية السعودية للتقدم نحو التطبيع
مع إسرائيل، فهذا الشكل من الابتزاز الدبلوماسي يسلط الضوء على التعقيدات والمخاوف
الأخلاقية المحيطة بالدفع نحو صفقة كبرى.
بالنسبة لأولئك الذين يدافعون عن التطبيع، وخاصة من
المنظور الأمريكي، يبدو الطريق إلى المستقبل واضحا وهو ترسيخ قبول إسرائيل في
الشرق الأوسط كقوة مدمرة ومزعزعة للاستقرار، هذا الأمر الذي نشهده اليوم في غزة
حيث لا تتوانى إسرائيل عن ارتكاب المجازر المتكررة بحق الشعب الفلسطيني هناك.
وعلاوة على ذلك، فإن حرب الإبادة المستمرة في غزة تزيد
من تعقيد إمكانية التطبيع. فقد تعرضت الولايات المتحدة، باعتبارها حليفا قويا
لإسرائيل، لانتقادات بسبب عدم ممارسة أي ضغط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية
في غزة. ويرى المجتمع العربي والإسلامي بمن فيه الشعب السعودي؛ في هذا تواطؤا في
الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، وهي دولة
تضع نفسها كوصي على أقدس موقعين في الإسلام وزعيمة في العالم الإسلامي، فإن تأييد
صفقة مع إسرائيل بينما تمارس إسرائيل أبشع الجرائم التي شهدها هذا العالم في غزة
سيكون محفوفا بالمخاطر السياسية. إن تصور التخلي عن القضية الفلسطينية -وهي قضية
تتردد صداها بعمق في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي- يمكن أن يشعل اضطرابات
داخلية كبيرة ويقلل من مكانة المملكة العربية السعودية الإقليمية والإسلامية.
المشاركات الدبلوماسية الأخيرة للمملكة العربية السعودية، والتي تتراوح من إصلاح العلاقات مع إيران إلى الملاحة بحذر في العلاقات مع تركيا وقطر، تظهر نهجا أكثر تنوعا وبراجماتية للدبلوماسية الإقليمية. في هذا السياق، فإن القفز إلى التطبيع مع إسرائيل دون استراتيجية محسوبة جيدا ودون تأمين تنازلات حقيقية سيكون متهورا
وهناك أيضا الحسابات الاستراتيجية الأمريكية الخفية.
تشير الحقائق حول تورط الموساد في اغتيال خاشقجي وتداعياته على العلاقات السعودية
التركية إلى طبقة أخرى من المناورات الجيوسياسية. من خلال عزل المعارضين السعوديين
المتحالفين مع تركيا، يبدو أن الولايات المتحدة تدعم استراتيجية ضغط على السعودية ودفعها
نحو التطبيع، وتحد أيضا من النفوذ الاستراتيجي لتركيا في المملكة. تخدم هذه
الاستراتيجية المزدوجة المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء، من خلال تعزيز
التحالفات والحد من العمق الاستراتيجي الذي قد تمتلكه تركيا في المملكة العربية
السعودية.
لذلك، يجب على المراقب الحكيم أن يفهم الطيف الكامل
للعلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فعلى مدى عقود من الزمن، لم
تدعم الولايات المتحدة أمن إسرائيل فحسب، بل ضمنته بنشاط، ودمجتها كحليف أساسي في
استراتيجيتها في الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن أي تحرك نحو التطبيع ليس مجرد مصافحة
دبلوماسية، بل هو إعادة تشكيل محتملة لتوازن القوى في المنطقة. بالنسبة للمملكة
العربية السعودية، فإن مثل هذه الخطوة ستأتي بعواقب غير متوقعة. هل سيؤدي ذلك إلى
خلاف داخلي بين السكان الذين قد ينظرون إلى الصفقة على أنها خيانة للتضامن
الفلسطيني؟ هل ستثير رد فعل عنيف من الجهات الفاعلة الإقليمية، التي قد ترى هذا
كاستراتيجية تطويق؟ أو، الأسوأ من ذلك كله، هل يمكن ينتهي أي دور إقليمي أو دولي
سعودي بهذا التطبيع؟
إن سياق الشرق الأوسط الأوسع، الذي يتميز بالتحالفات
المتغيرة والحروب الأهلية والصراعات بالوكالة، يضيف طبقات من التعقيد إلى عملية
صنع القرار. إن المشاركات الدبلوماسية الأخيرة للمملكة العربية السعودية، والتي
تتراوح من إصلاح العلاقات مع إيران إلى الملاحة بحذر في العلاقات مع تركيا وقطر،
تظهر نهجا أكثر تنوعا وبراجماتية للدبلوماسية الإقليمية. في هذا السياق، فإن القفز
إلى التطبيع مع إسرائيل دون استراتيجية محسوبة جيدا ودون تأمين تنازلات حقيقية
سيكون متهورا.
وفي الختام، إنّ فكرة التطبيع بين المملكة العربية
السعودية وإسرائيل محفوفة بالمخاطر بالنسبة للقيادة السعودية. إن استراتيجية
الولايات المتحدة المتمثلة في ممارسة الضغط، أحيانا من خلال المناورات العسكرية
وأحيانا من خلال استغلال المعلومات الحساسة، تكشف عن أجندة أعمق وأكثر إكراها لا
يجب أن تخضع له المملكة.