قضايا وآراء

ضربة نصر الله.. المتفق عليه والمختلف حوله

"المتفق عليه هو أن سقف الرد يكون محدودا وأن الرد على الرد يكون محدودا أيضا"- إكس
المتفق عليه في الرد الذي قام به حزب الله انتقاما لمقتل أحد أكبر قادته العسكريين، الحاج فؤاد شكر، هو أن الحزب قام بالرد فعلا كما وعد، والمختلف حوله هو جدوى هذا الرد في ظل زيادة عمليات العدو الصهيوني الإرهابية في غزة وارتفاع مستوى القتل إلى أرقام غير مسبوقة منذ عقود، خصوصا في غزة، مع ارتفاع منسوب "العشم" في دور حزب الله بحيث يتحول من حالة الإسناد إلى حالة الاشتباك مع العدو، وعدم الاكتفاء بالمناوشات والقتال في حدود المتفق عليه وأعني هنا جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة.

المتفق عليه هو عدم السماح باتساع رقعة الحرب في المنطقة رغم أن الحزب ومن ورائه إيران يمتلكان الحجج والتبريرات اللازمة والمقنعة للرد على العدوان الصهيوني الذي تجاوز الخطوط الحمراء، فقد ضرب قلب طهران وألبسها ثوب العار كما قال أحد قادتها، عندما تجرأ على اغتيال القائد إسماعيل هنية في قلب طهران وهكذا فعل في اغتيال الحاج فؤاد شكر في بيروت، أي أن العدو استهدف عاصمتين في آن واحد وعاد أدراجه.. والمختلف حوله هو أن ما يزيد عن ثلاثة أسابيع قد مرت، وهي وقت طويل بالنسبة لرأي عام مشحون وغاضب ارتفع سقف توقعاته ليلامس قوة الكلمات التي قيلت والوعود التي وُعدت والتهديدات التي أطلقت بعد الاغتيالين.

ما يزيد عن ثلاثة أسابيع قد مرت، وهي وقت طويل بالنسبة لرأي عام مشحون وغاضب ارتفع سقف توقعاته ليلامس قوة الكلمات التي قيلت والوعود التي وُعدت والتهديدات التي أطلقت بعد الاغتيالين

المتفق عليه هو أن سقف الرد يكون محدودا وأن الرد على الرد يكون محدودا أيضا، وهذا وإن كان اتفاقا غير مكتوب إلا أن المراقب يستطيع قراءته عبر سنوات الصراع بين حزب الله والعدو الإسرائيلي. ويدرك المراقبون أن حركة حزب الله موقوتة بالتحركات الإيرانية وأن ساعة الصفر يتم ضبطها وفق التوقيت الإيراني وليس اللبناني؛ منذ نشأة الحزب وحتى بعد تطوره وتوسع دوره، إلا أن الحزب يعرف تماما أن حركته العسكرية مرتبطة بما تقوم به إيران وما تسعى إلى تحقيقه من أهداف، وأن أي تحرك للحزب وإن حقق مكاسب سياسية وعسكرية له وللبنان أو حتى فلسطين يجب أن يصب في مجرى النهر الإيراني وليس في عكس مجراه.. والمختلف حوله هو حجم الانضباط والالتزام الذي يمكن أن يحدث في الظروف غير العادية أي الاستثنائية، والحقيقة أننا في ظل ظروف استثنائية صعبة، ورغم ذلك فلم يتجاوز الحزب تعليمات إيران بعد الإفراط في استعراض القوة في الرد على الكيان حتى لا تتضرر إيران على الأقل في الوقت الراهن.

المتفق عليه وحسب تصريح الشيخ حسن نصر الله الذي ألقاه بعد الضربة أن هذه الضربة استهدفت مكانا ما في هرتسيليا بتل أبيب، وأنها أصابت الوحدة 8200 وهي وحدة الاستخبارات الإلكترونية، وهي إحدى فرق الاستخبارات العسكرية التابعة لجيش العدو والتي يقودها العميد يوسي سارييل الذي كان من المفترض أن يكون اسمه غير معلن لولا أنه تم الكشف عنه بخطأ استخباراتي لا يغتفر. وهذه الوحدة هي المسؤولة عن عدة عمليات استخباراتية قذرة للعدو في إيران وسوريا وغيرها.. والمختلف عليه هو هل تمت إصابة العميد يوسي سارييل وقتله مع ثلاثة من أفراد قوته أم تم الإبلاغ عن العملية بحيث يتم استهداف الوحدة وينجو قائدها؟ لا أحد يعلم على وجه الدقة مصير قائد الوحدة ولا نتوقع أن يقوم الكيان بالإعلان عن ذلك، ولكن بكل تأكيد لو تم اغتياله فعلا فستكون ضربة قاسية وردا معتبرا لا يختلف عليه ولا حوله أحد.

المتفق عليه هو أن تأخير الضربة يعود لأسباب معروفة، وهي التدخلات والضغوط التي مورست على الحزب وعلى دولة الرعاية إيران من قبل أمريكا وفرنسا وبعض الدول الأوربية، ناهيك عن بعض دول الجوار الإيراني التي ترى في التأخير فوائد عظيمة على المستوى التكتيكي والاستراتيجي، فالتأخير يمنحها فرصة لنشر الشائعات المغرضة عن عجز الحزب وإيران، وعن الاتفاقات السرية المزعومة بينهما وبين دولة الكيان، ويمنح العدو فرصة للاستعداد الجيد ويمنح حلفاء العدو فرصا كثيرة للتجسس والاستطلاع وجمع معلومات عن الضربة القادمة.. والمختلف حوله هو لماذا قبل الحزب وقبلت إيران بتضييع كل هذا الوقت في انتظار تحقيق وعود تعرف إيران قبل غيرها أنها لن تتحقق؟ فقد وعدت إيران بإنهاء الحرب في غزة، وهذا وحده يعد انتصارا لسياستها في المنطقة أو على الأقل يمكن تسويقه على أنه لولا التهديد الإيراني بالثأر ما وقفت الحرب، ولكن للأسف فحتى اللحظة لم يردع رد نصر الله العدو عن الاستمرار في جرائمه ولم تتحرك عجلة السلام المزعومة؛ التي يبدو لي ولغيري أنها معطوبة بفعل فاعل داخل الكيان ومجموعة من الفعلة العرب خارجه، والثابت أن إيران باتت في مأزق لا يختلف عليه أحد.

لماذا قبل الحزب وقبلت إيران بتضييع كل هذا الوقت في انتظار تحقيق وعود تعرف إيران قبل غيرها أنها لن تتحقق؟ فقد وعدت إيران بإنهاء الحرب في غزة، وهذا وحده يعد انتصارا لسياستها في المنطقة أو على الأقل يمكن تسويقه على أنه لولا التهديد الإيراني بالثأر ما وقفت الحرب، ولكن للأسف فحتى اللحظة لم يردع رد نصر الله العدو عن الاستمرار في جرائمه ولم تتحرك عجلة السلام المزعومة

المتفق عليه هو أن لكل طرف في المنطقة سقفا لا يجب الوصول إليه وحدا لا يتخطاه وخطوطا لا يجب تجاوزها، يسري هذا على الدول تماما كما يسري على الجماعات والمنظمات، وأن المنطقة أصبحت أشبه بالملعب المخطط به دوائر ومستطيلات ومحددة فيه الأماكن المسموح فيها بالتحرك، مع تقييد سرعات التحرك وتوقيتاته، وكلها مضبوطة بضابط خارجي يمكنه تدمير الملعب على رأس من فيه وحتى المشاهدين، وأن إيران مثلها مثل السعودية ومصر والأردن وغيرها؛ لا يمكنها تحريك حجر إلا بإذن أو تفاهم مع أمريكا، وإلا فالعقوبات جاهزة والمعونات العسكرية ستقطع وتدمير النووي خيار مطروح.. والمختلف عليه هو ارتفاع سقف كل دولة ومساحة الحدود المسموح اللعب فيها أو من خلالها، مثل الشجب والتنديد والتعبير عن الاستياء أو حتى الإدانة والدعوة لا سمح الله لعقد قمة عربية عادية أو إسلامية إبراء للذمة، والمختلف حوله عادة ما يكون قطع العلاقات أو تجميدها أو طرد السفير أو استدعاء سفراء العرب من دولة الكيان، فمن قائل يقول إذا قطعنا العلاقات فسوف نفقد دورنا في الوساطة، ومن قائل إن وجود السفير في دولة الاحتلال يمكن دولتنا من معرفة الداخل الصهيوني وكيف يفكر العدو (أرجوك لا تضحك).

المتفق عليه بعيدا عن ضربة حسن نصر الله أن الضربة الإيرانية المتوقعة قد تأخرت كثيرا جدا.. والمختلف حوله هو حجم هذه الضربة لو حدثت، وهل ستشبه ضربة نصر الله؟ أم ستتجاوزها بقليل؟ هل ستكون مفاجئة أم سوف تكون ردا على الرد الاستباقي لدولة الكيان، كما حدث مع نصر الله حين قام العدو بالإغارة وقصف قوات حزب الله استباقا لضربة حزب الله؟

المتفق عليه الوحيد فيما جرى وما يجري هو أن المقاومة الفلسطينية وحدها تنطلق من إرادة مستقلة لا يحدها حد وليست مدينة لأحد، وأنها تعمل وسط أجواء عاصفة وبيئة غير مؤاتية وتواجه عدوانا أمريكيا في المقام الأول؛ إذ بلغ عدد طائرات الشحن الأمريكية المتجهة لدولة الكيان خمسمائة طائرة نقلت خمسين ألف طن من السلاح والمعدات العسكرية، كما نقلت الحكومات العربية المجاورة وغير المجاورة السكر والطحين والخضار والفاكهة لدولة الكيان عبر موانئ مصرية وعربية، بينما تحاصر نفس الدول شعب فلسطين على مرأى ومسمع من العالم كله.