أفكَار

عن قوميي تونس وإسلامييها.. جدل الفكر والسياسة وتحدي المراجعة

حوار هادئ بين القيادي في حركة النهضة التونسية محسن السوداني، والكاتب والباحث التونسي الأمين البوعزيزي.. (عربي21)
تجدد الحديث عن الثورة والربيع العربي وتحدياته مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تونس، وما أحدثته من جل سياسي وقانوني حول شروط الترشح للمنصب الأول في قيادة البلاد، على الرغم من التضاد القائم بين التونسيين حول الموقف من استفراد الرئيس قيس سعيد بحكم البلاد منذ 25 من تموز/ يوليو 2021..

ولقد مثل ترشح زعيم حركة الشعب زهير المغزاوي للرئاسة، وخطابه المنتقد بشكل صارخ لانفراد الرئيس قيس سعيد بالحكم بعد أن كان المغزاوي من أهم الأسماء الداعمة لهذه الخطوة مدخلا لحوار سياسي لازال يتفاعل بين التيارين القومي والإسلامي..

وقد نشرنا هنا في "عربي21"، مقالا للقيادي في حركة "النهضة" محسن سوداني، بعنوان: "الإسلاميون والقوميون وتهوئة التاريخ.. الحالة التونسية نموذجا"، تحدث فيه عن التحولات التي طرأت على موقف قوميي تونس من الديمقراطية، واليوم وفي إطار التفاعل وتعميق الحوار القومي ـ الإسلامي، ننشر تعقيب الكاتب والباحث التونسي الدكتور الأمين البوعزيزي.

مازلت على يقين كون ثورات الشعب يريد إسقاط النظام لن تنتصر ما لم تسقط النظام المعرفي المنتج لثنائيات التنافي الذي أهلك الزرع والضرع.. ومازلت على يقين كون ثورات المواطنة قد نقلتنا من أنفاق الإقليم القاعدة إلى رحاب الإقليم الملهم..
تفاعلا مع ما رشح من تعاليق بعض نشطاء التيار الاسلامي الذين لم ينصتوا "للجديد" في خطاب زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب القومية المترشح المقبول في ظلال انقلاب 25 تموز/ يوليو القومي، بل أنصتوا إليه وفقا للمعهود في خطابه.. كتب القيادي في حركة النهضة المفكر الصديق العزيز محسن السوداني، نصا لافتا من روح وفي روح مواقف زعيم الحركة ومفكرها الأبرز، مفكرها الذي كانت مواقفه دوما تترجم تنوع مساراته وتنوع مصادر تلقيه التي جعلته يغرد خارج خطاب التنافي الوجودي بين إخوان مصر وقومييها ورشحته ليكون أحد أبرز رموز ما سمي بالحوار القومي الإسلامي الذي قاده مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت خلال تسعينات القرن الماضي..

الحوار الذي استدعيٓ له المفكر عصمت سيف الدولة (الذي يقود بدوره خطا متميزا في التيار القومي العربي يغرد خارج خطاب التنافي الناصري / الإخواني) تمثلت مشاركته في وثيقة فكرية استغرقت منه ربع قرن من التأمل ليخرج باستخلاصات يعتبر فيها نفسه صاحب مذهب في الاسلام ومذهب في القومية (كتاب عن العروبة والإسلام رام فيه وضع حد لحرب التنافي ليس فقط بين الإخوان والناصريين بل حفر بعيدا ليعيد الوصل بين العروبة والإسلام معتبرا العروبة ثمرة ثورة الإسلام مفككا خطابٓي مناهضة الإسلام بالعروبة ومناهضة العروبة بالإسلام معتبرا إياهما موقفين منافقين...دفع بستين نسخة للقيادات الإخوانية في مصر للجدل ولم لا إصداره بعد الحوار مؤلفا جماعيا يروم وضع حد لفتنة قصمت ظهر الأمة.. انتظر عصمت شهورا فهم من خلالها ألا جواب فدفع بالكتاب إلى الشباب العربي كما كل مؤلفاته..

اللافت للإنتباه أن من تلقف الرسالة "العصمتية" هو حركة النهضة التونسية (راجت غبّ صدوره وثيقة داخلية شهيرة بخط زعيم الحركة ومفكرها راشد الغنوشي يشيد فيها بالكتاب وينصح بتداوله وخصوصا الموقف النقدي من العلمانية والموقف النوعي من علاقة العروبة والإسلام [أذكر أني قرأت الوثيقة في بداية تسعينيات القرن الماضي بكلية الٱداب بمنوبة / الطلبة العرب التقدميون الوحدويون] فضلا عن ترويج الكتاب في معارض بالكليات التي كان ينظمها طلبة الاتجاه الإسلامي، قبل طباعة الكتاب في نسخة تونسية (طبعة دار البراق) وقف نهضويون وراء طباعتها حسبما رواه لي أحد مناضليها الذي تكفل بتصحيح النسخة ساعة رقنها.

مثّل التيار الناصري في تونس منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي تلاميذ عصمت سيف الدولة (منهجا) منطلقات / أسلوبا وغايات) لكنهم مع ذلك خاضوا الصراع بعقلية ورثت الصراع الإخواني / الناصري في مصر الذي ألقى بظلاله وضلاله على مختلف الساحات العربية!!!

كما "فشلت" وثيقة التجاوز (التي أعتبرها سخصيا أهم ما كتب في مشروع الحوار القومي الاسلامي البيروتي)، في إنجاز ما رام مؤلفها خوضه، رغم التقارب النضالي الذي عاشه مناضلو هذين التيارين في قطاع المحاماة التونسية (معارك الحرية).. حتى جاءت الثورة التونسية التي سرعان ما تحولت إلى ثورة عربية طالت أقطارا يحكمها قوميون عرب مما جعل موقف أغلب القوميين العرب في تونس ينقلب جذريا من التهليل للثورات إلى لعنها وكان ذلك الفرصة الذهبية للقوميين السلطويين الذين عاشوا عقدين كاملين في ركاب منظومة السابع من نوفمبر ووجدوا أنفسهم مهمشين عقب فرار بنعلي وتهاوي منظومته وخروج هؤلاء القومج على التونسيين ببيان استقالة (من الحزب / الجهاز المخابراتي الذي نشطوا صلبه طيلة الحقبة النوفمبرية) واعتذار من التونسيين وشكرهم على ثورة حررتهم من السبي النوفمبري لكنهم سرعان ما نكصوا على أعقابهم ووجدوا الفرصة لشيطنة الثورات ووصمها بالربيع العبري والكل يذكر موقفهم المعادي لحضور راشد الغنوشي للمؤتمر القومي الذي انعقد بتونس واندلاع حرب الوجود المستوردة للصراع الناصري الإخواني في مصر.

هل بالإمكان الصلح بين التيارين؟ هل بالإمكان الالتقاء بينهما على قاعدة مقاومة بطولية في فلسطين يقودها الإخوان ويكتفي الناصريون بالتغني بها وشيطنة الإخوان؟!

لا حركة الإخوان مازالت قادرة على تمثيل انتفاضة العصيان الابستمولوجي الرافض لإسكات الإسلام شريكا في هندسة العالم هندسة تعارفية تضايفية، ولا الناصرية مازالت صالحة لتمثيل عروبة مواطنية جاذبة بعد عقود مرة من قومية مرعبة طاردة..
مازلت على موقفي كون الثورات المواطنية (المجهضة إلى حين) قد أخرجتنا من تمركزات صنعت هزائم العرب ولم تصنع لهم نصرا.. أولى هذه التمركزات مقولة الإقليم القاعدة التي صدرت ثنائية قاتلة إخوان المصحف والسيف والقومية المعسكرة / الناصرية.. ثنائية مفوتة فوتت على أمتها فرص النصر..

ومازلت على يقين كون ثورات الشعب يريد إسقاط النظام لن تنتصر ما لم تسقط النظام المعرفي المنتج لثنائيات التنافي الذي أهلك الزرع والضرع.. ومازلت على يقين كون ثورات المواطنة قد نقلتنا من أنفاق الإقليم القاعدة إلى رحاب الإقليم الملهم..

لا حركة الإخوان مازالت قادرة على تمثيل انتفاضة العصيان الابستمولوجي الرافض لإسكات الإسلام شريكا في هندسة العالم هندسة تعارفية تضايفية، ولا الناصرية مازالت صالحة لتمثيل عروبة مواطنية جاذبة بعد عقود مرة من قومية مرعبة طاردة..

لننتصر واجب على العروبيين والإسلاميين التفكير والممارسة خارج ثنائية التنافي والفوات المستوردة "إخوان وناصريين"... هذا أول اختبار لمقولة الإقليم الملهم..

هل تنفع خيبات الثورة الأم وملحمة طوفان الأقـصى في اجتراح نظام معرفي يلهم ويرسم معالم طريق النصر لعروبيين وإسلاميين مقاومين بديلا عن ثنائي التنافي السلطوي القومي الإخواني؟!