حين اندلعت الاحتجاجات المطلبية أواخر تموز
/ يوليو الماضي ضد حكم رئيسة الوزراء في
بنغلاديش الشيخة حسينة، لم يكن أحد يتوقع
أن الأمور ستتحرك بشكل سريع لتصل إلى
نهاية حكم الشيخة حسينة بعد خمس فتراتي متتالية تولت فيها منصب رئاسة الوزراء.
ومع أن بنغلاديش قد شهدت تقدّمًا اقتصاديًا،
وتراجعًا في معدلات الفقر الذي قلّ عن 20 % من تعداد السكان بعد أن كان جلّ السكان
فقراء، ويضرب بهذا المثل دوليًا، مع ارتفاع نسب ومستوى التعليم، أصبحت بها طبقة
متعلمة ووعي بالحقوق مع الانفتاح على العالم عبر شبكة الإنترنت، وبالتّالي امتلكت
الأجيال الجديدة وعيًا غير مسبوق تجاه الحقوق وواجبات السّلطة، فإن ذلك لم يمنع
شعبها من التحرك لترجمة هذا التطور إلى فعل سياسي يوازي هذا التقدم.
بداية الاحتجاجات كانت على خلفية إعادة المحكمة العليا في يونيو/
حزيران العمل بنظام المحاصصة الذي يخصص 56 بالمئة من الوظائف الحكومية لفئات معينة
بينها عائلات المحاربين القدامى الذين شاركوا في حرب الاستقلال عام 1971، التي
انفصلت بموجبها البلاد عن باكستان.
وأواخر يوليو/ تموز الماضي انتهت الاحتجاجات
مع إصدار المحكمة العليا أمرا بتخفيض نسب الحصص.
وتجددت الاحتجاجات في 5 أغسطس بعد حظر
الحكومة "حزب الجماعة الإسلامية" المعارض وجناحه الطلابي، اللذين
حملتهما مسؤولية أعمال عنف شهدتها الاحتجاجات السابقة. وخرج المحتجون هذه المرة
للمطالبة بـ "العدالة" لمئات الأشخاص الذين فقدوا حياتهم في الاحتجاجات.
وفي 5 أغسطس غادرت رئيسة الوزراء الشيخة
حسينة واجد بنغلاديش متجهة إلى الهند على متن مروحية عسكرية، وقد حكمت البلاد منذ
العام 2009 بقبضة من حديد
بينما داهم المحتجون مقرها الرسمي.
ولاحقا، أعلن قائد الجيش وقر الزمان، الذي
التقى بممثلي الأحزاب السياسية، أن الشيخة حسينة استقالت وسيتم تشكيل حكومة
انتقالية، وهو ما حصل بالفعل بعد تأدية محمد يونس، اليمين الدستورية لقيادة حكومة
انتقالية مكونة من 17 عضوا.
وقد أعاد التغيير السياسي الحاصل في بنغلاديش
مجددا الحديث عن الجماعة الإسلامية البنغالية ككيان إسلامي وسياسي لعب ولا يزال
يلعب دورا رئيسيا في توجيه دفة الأحداث في بنغلاديش.
علينا أن نتذكر ونحن نتناول دور وتاريخ
الجماعة الإسلامية البنغالية استحضار أن الإسلام هو دين غالبية السكان في بنغلاديش
حيث يبلغ عددهم تقريبا 145 مليون وثلاثمئة ألف، وهو رابع أكبر عدد سكان مسلم في
العالم مما يشكل 89.6% من مجموع السكان في عام 2009م.
وهي أيضا امتداد للجماعة الإسلامية في باكستان الكبرى (باكستان وبنغلاديش) وهي من أكبر
الأحزاب السياسية الدينية معارضة وعلنية في البلاد، كما أنها ثامن جماعات مشهورة
ظهرت في العالم الإسلامي في العصر الحديث، وتعود ملامح تأسيسها حين اجتمع في شهر
16 أغسطس سنة 1941، 75 رجلًا في لاهور من مختلف أنحاء البلاد بقيادة أبي الأعلى
المودودي، وأسسوا الجماعة الإسلامية، وانتخبوا المودودي أميرًا لها.
وحين وقعت الحرب الأهلية في باكستان بين
الجزء الشرقي "بنغلاديش" والجزء الغربي "باكستان" خلال الحرب
في عام 1971، كانت الجماعة موجودة مثل العديد من الأحزاب السياسية الأخرى الصغيرة
والكبيرة على حد سواء (على سبيل المثال، حزب مسلم ليغ، نظام إسلامي، حزب الشعب
الديمقراطي، وهو فصيل من حزب رابطة عوامي والحزب الشيوعي الباكستاني الشرقي ذات
الميول الصينية)، دعمت الجماعة نظرية "باكستان موحدة " كموقف سياسي، حيث
كان الدافع الرئيسي للوقوف وراء هذه النظرية هو أنه إذا تم تقسيم باكستان فإن ذلك
سوف يشجع الهند، وبنغلاديش قد تفقد استقلالها وتصبح تابعة للهند .
ولم تؤيد الجماعة الإسلامية حرب استقلال بنجغلاديش
عن باكستان في العام 1971، حفاظًا على باكستان وكيانها الإسلامي، و دعمًا للعالم
الإسلامي، و توسيعا لرقعته في مواجهة العداء الهندوسي.
وعقب انفصال بنغلاديش (باكستان الشرقية) عن
باكستان، انتخب الشيخ غلام أعظم كأول أمير للجماعة في بنغلاديش بعد الاستقلال،
وتعاقبه الشيخ مطيع الرحمن نظامي وهو أمير الجماعة.
وقد اتهمت حكومة بنغلاديش بقيادة رئيسة
الوزراء الشيخة حسينة أبرز قادة الجماعة الإسلامية بارتكاب جرائم حرب عام 1971م
عند انفصال باكستان الشرقية واستقلال بنغلاديش، شملت القتل والنهب والسلب تلك
الأعمال التي وقعت في عام الانفصال.
وكونت حكومة بنغلاديش محكمة خاصة بمحاكمة
تسعة أفراد من قادة الجماعة الإسلامية وفق قانون خاص أطلقت عليه قانون المحكمة
الدولية الخاصة للفصل في قضايا جرائم الحرب في عام 1971.
وفي شهر أغسطس 2013 أصدرت المحكمة العليا في
بنجلاديش حُكماً قضائياً بمنع الجماعة الإسلامية من المشاركة في الانتخابات
ويعتبرها مخالِفةٍ لدستور البلاد، وهى الدعوى التي رفعتها أحزاب علمانية إلى
القضاء في يناير 2009، وطالبت عبرها باستبعاد الجماعة الإسلامية من الحياة
السياسية.
شاركت الجماعة الإسلامية عبر حزبها حزب
الجماعة الإسلامية في الانتخابات
البرلمانية المختلفة التي جرت في البلاد منذ الاستقلال عن باكستان، وجاءت أبرز
مشاركاتها عام 2001 وحصلت على 17 مقعدًا من أصل 300، وشاركت الجماعة الإسلامية في
الحكومة من خلال وزارتَي الصناعة والشئون الاجتماعية.
وفي شهر أغسطس 2013 أصدرت المحكمة العليا في
بنغلاديش حُكماً قضائياً بمنع الجماعة الإسلامية من المشاركة في الانتخابات
ويعتبرها مخالِفةٍ لدستور البلاد، وهى الدعوى التي رفعتها أحزاب علمانية إلى
القضاء في يناير 2009، وطالبت عبرها باستبعاد الجماعة الإسلامية من الحياة
السياسية.
زعيم إسلامي
في ظل هذا الوضع السياسي المتقلب في
بنغلاديش والذي تعتبر الجماعة الإسلامية واحدة من أهم التنظيمات الفاعلة فيه، برز
اسم الدكتور شفيق الرحمن أمين عام الجماعة الإسلامية البنغالية، الذي تم الإفراج
عنه في آذار / مارس الماضي بعد عدة أشهر من السجن على خلفية مشاركته إلى جانب
تحالف حزبي عريض في معارضة حكم الشيخة حسينة..
الدكتور شفيق الرحمن هو زعيم إسلامي بارز
في تاريخ الحركة الإسلامية البنغالية، وهو من طليعة الذين لعبوا دورا رائدا في الدعوة والحركة
الإسلامية المعاصرة في بنغلاديش. الذين عرفوه واقتربوا منه، وأنا واحد منهم، لاحظوا عليه تميزه بسمة الصدق والوفاء، والجدارة
والنزاهة في حياته الشخصية والعائلية والمهنية والسياسية الوطنية.
وبتكوين ديني أصيل وقدرة سياسية عالية لعب الدكتور شفيق الرحمن دورا محوريا في تطوير فكر الحركة السياسية
الشعبية السائدة في البلاد بجرأة وإقدام وإرادة صلبة في
الدفاع عن الإسلام بمفهومه المعتدل والمتسامح.
ومن مزاياه أنه كان شديد التعلق بالعلماء والجامعات
الإسلامية الأهلية في هذه البلاد، وكان يزورها،
ويلتقي بأساتذتها، ويتحدث إلى علمائها، ويطلب منهم الدعاء الصالح. ويعمل على جمع علماء الدين في هذه البلاد، وأن تربطهم الرابطة
المحكمة، وأن يجمعهم شعور مشترك ديني تجاه الأمة الإسلامية، ويطلب في حديثه وخطبه
أن تسوى كثرة الاختلافات بين العلماء على الرغم من تفرق كلمتهم وانشقاق عصاهم. وقد
نزع منزعا جديدا، وجرب تجارب عديدة. وكان يريد أن يمر الحوار والتفاوض في جو
الإخاء والوفاق على الرغم من التباين في الرأي والاختلاف في الأمر بين العلماء
والمشايخ.
وتوجهه الفكري والديني وحتى السياسي لا يختلف في شيء عن توجه كبرى الجماعات الإسلامية في العالم، وأعني هنا مدرسة الإخوان بصفة عامة، وفكر أبو الأعلى المودودي بشكل خاص، لكن مع إضافة ميزات جديدة تتصل بواقع بنغلاديش الراهن، والسياسات المتبعة فيها سواء من الحكومات المتعاقبة في البلاد، أو من حلفائها التقليديين وعلى رأسهم الهند والولايات المتحدة الأمريكية.
لا تسمع من الدكتور شفيق خطابا إقصائيا أو استسصاليا ولا مذهبيا أو طائفيا، فخطابه يحاكي الفطرة الإنسانية ومشاغل المواطن البنغالي والمسلم حيثما كان.
تعرض أمير الجماعة الإسلامية البنغلاديشية الدكتور شفيق الرحمن للاعتقال والسجن لأول مرة عام 2012 أثناء الحكومة الغاشمة الدكتاتورة الشيخة حسينة التي حكمت البلاد بالحديد والنار على مدار خمسة عشر عاما، وأطاحت بها احتجاجات طلابية عارمة في 5 أغسطس 2024، وهربت إلى الهند على متن مروحية عسكرية.
مولده ونشأته:
ولد الدكتور شفيق الرحمن، في عائلة مسلمة نبيلة بمحافظة مولوي بازار بمقاطعة سيلهت من
بنغلاديش عام 1958، وتلقى الدراسة الابتدائية من مدرسة محلية، وتخرج في كلية علم
الطب من جامعة شيتاغونغ عام ١٩٨٣. ثم انهمك في النشاط السياسي والعمل الدعوي
الدؤوب بالإضافة إلى القيام بالخدمة الطبية. وكان قد انضم للوظيفة الحكومية في مجال
الخدمة الطبية كطبيب حكومي، وكان ذلك وظيفة سامية مرموقة في الدوائر الحكومية
بالنسبة لبنغلاديش. وقد ترك هذه الوظيفة الرفيعة لأجل توفية مزيد من حقوق نشاطات
الحركة الإسلامية المعاصرة والعمل الدعوي الديني والسياسة الإسلامية السائدة.
حياته السياسية:
يزاول الدكتور شفيق الرحمن مهمة سياسية
ساطعة، فقد التحق بصفوف منظمة جمعية الطلاب الإسلامية التابعة للجماعة الإسلامية
البنغلاديشية عام 1977، وبرز خلال مرحلة الدراسة الجامعية في كلية علم الطب عضوا
نشيطا في تلك المنظمة الطلابية، حيث ترأسها. وانخرط في حزب الجماعة الإسلامية
البنغلاديشية عام 1984 إثر انتهاء الدراسة. وانتخب أمير الجماعة الإسلامية في
محافظة سيلهت عام 1991، واختير أمير الجماعة الإسلامية في مدينة سيلهت عام 1998،
وتولى مسؤولية القائم بأعمال الأمين العام للجماعة الإسلامية البنغلاديشية عام
2011، وأختير الأمين العام للجماعة الإسلامية عام 2016، وانتخب أميرها المركزي عام
2019.
المسؤوليات المهمة في الجماعة الإسلامية
البنغلاديشية:
قام بالمسؤولية كعضو في مجلس الشورى المركزي
عام 1985.
تقلد منصب أمين الجماعة في محافظة سيلهت عام
1986.
تولى منصب نائب الأمير للجماعة في محافظة
سيلهت عام 1989.
تولى منصب أمير الجماعة في محافظة سيلهت عام
1991.
قام بالمسؤولية كعضو في مجلس العمل المركزي
عام 1998.
تقلد منصب أمير الجماعة في بلدية سيلهيت عام
1998.
تولى منصب الأمين العام المساعد عام 2010.
أصبح عضو المجلس التنفيذي المركزي عام 2011.
شغل منصب القائم بأعمال الأمين العام عام
2011.
تقلد منصب الأمين العام سنة 2016.
تقلد الآن منصب أمير الجماعة الإسلامية
البنغلاديشية.
حياته العائلية:
تزوج الدكتور شفيق الرحمن عام ١٩٨٥، وكانت
حليلته نائبة برلمانية في البرلمان الوطني البنغلاديشي، وهي طبيبة أيضا، وقد درست
علم الطب، وله بنتان وولد، وكلهم من الأطباء، وقد درسوا كلهم علم الطب. إنهم عائلة
من الأطباء والطبيبات، وكل فرد من عائلته طبيب أو طبيبة.
ولعب شقيقه السيد فخر الإسلام دورا حاسما في
الحركة الإسلامية المعاصرة والسياسية الإسلامية السائدة في هذه البلاد، وهو زعيم
مركزي للجماعة الإسلامية البنغلاديشية، وأمير الجماعة في مدينة سيلهت.
أنشطته الاجتماعية:
وليس الدكتور شفيق الرحمن سياسيا بارزا
فحسب، بل هو ناشط اجتماعي أيضا، وهو منظم ورجل أعمال صدوق أيضا، وهو الرئيس المؤسس لمستشفى كلية الطب الخاصة.
وهو خادم اجتماعي، وقد لعب دورا كبيرا في
الخدمات الاجتماعية الخيرية من خلال إنشاء المساجد والمدارس وكلية علم الطب ودار
الأيتام، وإدارتها. وهو رجل من صفوة المجتمع ونخبته.
وفيما تلي القائمة المقتضبة لأنشطته
الاجتماعية:
ـ رئيس مؤسس لمستشفى كلية الطب الخاصة
ـ تقلد منصب رئيس مجلس إدارة المدرسة
ـ تولى منصب رئيس لجان إدارة المؤسسات
التعليمية الشتى
ـ قام بمسؤولية منصب رئيس هيئة إدارة مركز
حكومي ديني.
ـ قد بنى العديد من دور الأيتام.
ـ أسس العديد من المستشفيات الخيرية.
وأسس العديد من المساجد والجوامع.
ـ شغل منصب رئيس منظمة التبرع بالدم المسماة
النبض.
ـ أنشأ العديد من المكتبات العامة العامرة
بالكتب الإسلامية. وهو عضو للمكتبة الإسلامية المركزية السيلهاتية مدى الحياة
ـ عضو في جمعية الهلال الأحمر البنغلاديشي
مدى الحياة.
ـ عضو في النقابة الطبية البنغلاديشية مدى
الحياة.
ـ عضو في غرفة التجارة في سيلهيت.
اعتقاله:
تعرض أمير الجماعة الإسلامية البنغلاديشية
الدكتور شفيق الرحمن للاعتقال والسجن لأول مرة عام 2012 أثناء الحكومة الغاشمة
الدكتاتورة الشيخة حسينة التي حكمت البلاد بالحديد والنار على مدار خمسة عشر عاما،
وأطاحت بها احتجاجات طلابية عارمة في 5 أغسطس 2024، وهربت إلى الهند على متن
مروحية عسكرية.
اعتقلته الشرطة ظلما وعدوانا بدوافع سياسية،
وزج به في السجن، واعتقل عدة مرات فيما بعد، وتصدى للحبس الاحتياطي والمثول أمام
المحكمة، والتعذيب النفسية.
ولم يرفع يده عن سبيل الحركة الإسلامية
والدعوة الإسلامية قيد أنملة رغم هذا الظلم والعدوان، بل بقي فيها قويا أبيا.
رفعت الحكومة المستبدة الشيخة حسينة دعاوى
كاذبة عديدة، وقدمت تهما مختلقة وظننا مفبركة من أجل إضعافه نفسيا، ويا للكذبة
البيضاء، وهو يقدم على ركوب المخاطر.
حتى قضى أكثر من سنة في السجن، وخرج منه قبل
شهور.
وساد الظلم والقمع على الناس، وعم الفساد
والاضطهاد في البلاد في عهد الحكومة الدكتاتورة الطاغية الشيخة حسينة بشكل بشع لا
يخطر ببالنا أبدا، وكنا نرزح تحت وطأة الألم، وكنا نقبع تحت جنح الظلام، وولى
الظلام هاربا في نهاية المطاف.
زياراته الخارجية:
وقد سافر هذا الداعية الإسلامي والسياسي البارع
إلى أنحاء شتى من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة
المتحدة، وإيطاليا، وألمانيا، والنمسا، وإسبانيا، وبلجيكا واليونان وتركيا،
وماليزيا، وما إلى ذلك، وقد زارها بغية المشاركة في مختلف المؤتمرات والندوات،
ويلتقي فيها بعلمائها ومشايخها ودعاتها، وقادتها، ورجال الجاليات البنغلاديشية،
ويتبادل وجهات النظر والآراء.
*عميد كلية اللغة العربية وآدابها في جامعة الشيخ محمد الحسن الددو الإسلامية ببنغلاديش